بقی تنبیه : فی اعتبار القاطعیة بالنسبة إلی المرکّبات
ما ذکرناه من امتناع تصویر المانع بالنسبة إلی المرکّبات الاعتباریّة والاختراعات الشرعیّة، یجری بالنسبة إلی القاطع؛ لأنّه أمر خارج عن حدود
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 86 المأمور به ومتعلّق الأمر، ولا ینحلّ المرکّب إلیه، بخلاف سائر الأجزاء الصوریّة کالفاتحة والرکوع، والتحصیلیّة کالطهور والاستقبال. وما ذکرنا وجهاً للإمکان یجری هنا أیضاً، إلاّ أنّ الأدلّة قاصرة عن إفادة ذلک المعنیٰ، بل الأدلّة ترجع إلی القیود العدمیّة.
نعم، فی خصوص القاطع علی الوجه الثانی ـ وهو کون المرکّب مورد العنوان الخاصّ ـ فإنّه ربّما یضادّ الأمر الخارجیّ ذلک العنوان، فلا تعتبر مثلاً جزءً وشرطاً فی الصلاة، ولا کونها عبادة. ولکنّه یستفاد من الأدلّة أن تکون الصلاة المفروض وجودها، صالحة لانتزاع عنوان «العبادة» وعند ذلک ربّما یضادّ بعض الأشیاء انتزاعها منها، کما إذا رقص ولو قلیلاً فی حال الصلاة، أو ضحک فیها.
وأمّا الضحک لله تعالیٰ أو للحسین علیه السلام فلا ینافیها، بل یؤکّد عبادیّتها، فإذا ورد مثلاً فی الأدلّة قاطعیّة الضحک، فتلزم الشبهة التی ذکرناها؛ ضرورة أنّ الصلاة وهیئتها الاتصالیّة باقیة عرفاً، فلابدّ من ضمّ الادعاء الشرعیّ علیٰ أنّها لیست بصلاة ادعاءً، نظراً إلی الأثر المقصود: وهو بقاء الأمر الصلاتیّ أو غیرها من المرکّبات.
أو تقاس القاطعیّة بالنسبة إلی الصلاحیة، وهو المتعیّن؛ ضرورة أنّه لو کان شیء قاطعاً عرفاً للهیئة الاتصالیّة، فلا یکون فرق بین کونه لله ، أو لغیر الله ، مثلاً هیئة الکوز تنکسر وتتقطّع بضرب العصا، سواء کانت عصا موسیٰ علیه السلام أو کانت خیزران یزید علیه لعائن الله ، فالتفصیل فی البقاء بین البکاء منه تعالیٰ ولغیره تعالیٰ، فی غیر محلّه؛ لأنّ النیّة والقربیّة أجنبیّة عن مضادّة الوجود والمضادّة مع الهیئة الاتصالیّة وعنوان الصلاة، ولذلک لو بکیٰ بکاءً شدیداً عالیاً فی الصلاة خوفاً منه تعالیٰ، فإنّه ینافی عنوان الصلاة علی الأشبه، فافهم.
ثمّ إنّه ربّما یکون بعض الأشیاء، مانعاً عن قابلیّة الأجزاء المتعاقبة لانتزاع الهیئة الاتصالیّة، فیکون هناک مرکّب ذو أجزاء صوریّة، وذو اعتبار خاصّ؛ وهو
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 87 توالی الأجزاء، وأن تکون الأجزاء صالحة لانتزاع الهیئة الاتصالیّة، کما یکون البیت ذا هیئة اتصالیّة.
ومن ذلک الأکل الکثیر، أو الضحک الشدید بین الفاتحة والسورة مثلاً فإنّه یضرّ بالتوالی المعتبر فی أجزاء الصلاة، ویوجب سقوطها عن صلاحیتها لانتزاع الهیئة الاتصالیّة، زائداً علی مضادّته لاعتبار کونها عبادة، ویکون ذلک بحکم العرف، وعندئذٍ لا بأس به؛ لکونه قاطعاً لتلک الهیئة، أو موجباً لعدم إمکان تحقّق تلک الهیئة بعدم تحقّق ما هو منشأ انتزاعها.
وهذا بخلاف المانع، فإنّه یمنع فی الاعتبار مثلاً عن وجود الممنوع فی الخارج، وهو وجود الصلاة والمرکّب المأمور به بالأمر النفسیّ. فالقاطع یقطع ما یکون مورد الأمر الغیریّ والشرط التحلیلیّ، والمانع یمنع ما یکون مورد الأمر النفسیّ، فلا ینبغی الخلط بین الاعتبارین.
نعم، کونها شیئاً مانعاً أو قاطعاً یحتاج إلی الدلیل، وتفصیله فی الفقه.
هذا مع أنّک عرفت: أنّ من القواطع ما یوجب عدم صلاحیة المرکّب لانتزاع العنوان اللازم، بخلاف المانع، فإنّه یعتبر دائماً بالقیاس إلیٰ وجود المرکّب. ولذلک عدّ الفعل الکثیر من القواطع؛ ضرورة أنّه ربّما لا یکون الفعل المقرون مع الأعمال الکثیرة، صالحاً لانتزاع عنوان العبودیّة، کما هو الواضح.
وأمّا عدم تخصیص الفقهاء فصلاً للموانع بإرجاعها إلی القیود العدمیّة، فهو لقصور بالهم، وقلّة اطلاعهم، والأمر سهل جدّاً. أو لارتقائهم الفکریّ إلی امتناع المانع بمعناه الواقعیّ، ورجوع جمیع الاُمور إلی القیود الوجودیّة أو العدمیّة، بخلاف بعض الفروض من القواطع، ولذلک خصّصوا لها باباً خاصّاً وفصلاً مخصوصاً، فلیتدبّر جیّداً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 88