البحث الثانی : حول امتناع خطاب الناسی والغافل وإمکانه
إنّ الإخلال بقیود المرکّب الوجودیّة أو العدمیّة علیٰ سعتها إذا کان عن نسیان، یستلزم عدم تمکّن المولیٰ من توجیه أمره بالنسبة إلی المرکّب، فلابدّ وأن یصبر إلیٰ أن یلتفت ویتذکّر المکلّف، فإذا تذکّر الجزء والجزئیّة یتوجّه إلیه الأمر بالمرکّب المشتمل علی ذلک الجزء. وهذا هو حقیقة أصالة الرکنیّة التی اختارها شیخنا الأنصاریّ رحمه الله.
وأمّا وجه عدم تمکّنه فواضح؛ ضرورة أنّ المرکّب الفاقد لابدّ من کونه مورد الأمر، ولا یعقل توجیه الأمر بالمرکّب بالنسبة إلیٰ ناسی الجزء؛ للزوم الخلف وهو التفاته، فیکون المأمور به حینئذٍ هو المشتمل علی الجزء، فعلیٰ هذا تجب الإعادة والقضاء والإتیان به علی النحو التامّ.
وهذه الشبهة لاتختصّ بالمرکّب العبادیّ؛ ضرورة عدم إمکان توجیه الخطاب الوضعیّ إلی الذابح بـ «أنّه عند نسیان القبلة فلا تعتبر القبلة، ولا یشترط الاستقبال».
ولو قیل بکفایة إتیان بقیّة الأجزاء لحصول الذبح الشرعیّ؛ ولو کان عن غفلة
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 102 عن الأمر والخطاب، قلنا بذلک فی العبادات؛ ضرورة کفایة إتیان الناسی ببقیّة الأجزاء قربة إلی الله تعالیٰ من غیر اشتراط توجّهه إلی الأمر الخاصّ.
ولو قیل بعدم واجدیّة بقیّة الأجزاء للمصلحة والسببیّة، قلنا بذلک أیضاً فی العبادات؛ وسببیّة المأتیّ به لسقوط الأمر، مع أنّه لا سببیّة فی مثل الذبح، بل ولا بالنسبة إلی الأمر حسبما تحرّر.
ثمّ إنّه لا تختصّ هذه الشبهة بصورة کون الأمر بالمرکّب مهملاً أو مطلقاً، بل علیٰ کلّ تقدیر لا یعقل توجیه الخطاب؛ وذلک لأنّ المراد من «المهمل» هو أن یکون المأتیّ به کافیاً حسب دلیل المرکّب، فلابدّ من وجود أمر.
والمرادَ من «الإطلاق» إمّا یکون کفایة طبیعیّ المرکّب، فهو والإهمال فی حکم واحد کما اُشیر إلیه، أو یکون المراد هو أن تکون الطبیعة ذات أجزاء تنحلّ إلیها دائماً، فلو أخلّ بجزء منها فلا تنحلّ إلی المأتیّ به، فیکون باطلاً.
فعلیٰ کلّ حال: لا یعقل توجیه الأمر بالمرکّب إلیٰ غافل الجزء بعنوانه، ویکون الفاقد باطلاً علی التقدیرین.
نعم، علیٰ وجه یکون باطلاً لفقد الأمر، وعلی التقدیر الثانی یلزم بطلانه من جهة فقد الأمر وعدم انحلال المرکّب إلی المأتیّ به.
ثمّ إنّه لا تختصّ هذه المشکلة بالغافل، بل تعمّ الجاهل؛ لامتناع توجیه الخطاب إلیه حال جهله، ولو توجّه إلی الخطاب حال جهله یلزم خروجه عن الموضوع المفروض، وهو خلف.
کما لا یعقل خطاب العاجز بالنسبة إلی المرکّب التامّ؛ فإنّ الکلّ یرجع إلیٰ أمر واحد: وهو العجز عن المأمور به؛ وذلک إمّا لعجزه عن جزء المرکّب غیر القربیّ، أو جزء المرکّب القربیّ، وهو الالتفات إلی الأمر والانبعاث منه نحو الأقلّ المأمور به، دون الأکثر.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 103 أقول: قد مرّ فی المجلّد الأوّل وجه حلّ هذه المشکلة وأشباهها؛ وأنّ تمام الإشکال ناشئ من توهّم الخطاب الشخصیّ بالنسبة إلیٰ شخص الناسی، أو عنوان «الناسی» وحیث إنّ الخطابات الإلهیّة کلّیة قانونیّة لا تختصّ بالذاکر، ولا بالعالم والعاجز وغیر ذلک، فالأمر متوجّه إلیٰ کلّ من الذاکر والناسی، وکلّ منهما بصدد تطبیق المأمور به علی المأتیّ به، وبصدد إیجاد المرکّب التامّ، فلا یلزم بطلان المرکّب الناقص العبادیّ؛ من ناحیة فقد الأمر اللازم مثلاً فی عبادیّة العبادات وقربیّة المقرّبات، وإنّما یلزم البطلان من جهة الإخلال بالجزء.
فإن کان لدلیل المرکّب إهمال؛ بمعنیٰ کفایة صدق المرکّب ـ علی الأعمّی ـ علی المأتیّ به، ولم یکن لدلیل الجزء إطلاق، فلا إعادة، ولا قضاء، ولا تکون الذبیحة محرّمة، والعقد باطلاً؛ حسبما تحرّر منّا فی صورة الشک فی الجزئیّة فی مبحث البراءة علیٰ وجه لا یلزم المثبتیّة. مع أنّ لنا نظراً خاصّاً فی أدلّة النسیان، بل والبراءة حال الجهالة.
وإن کان لدلیل المرکّب إطلاق بالمعنی الذی ذکرناه، یلزم البطلان ولو کان دلیل الجزء مهملاً.
وإن کان فی حال إهمال دلیل المرکّب دلیلُ الجزء مطلقاً، فیلزم البطلان وعدم تحقّق المرکّب . ولو کان له الإهمال فالأمر کما تحرّر أوّلاً.
ولو کان دلیل المرکّب مطلقاً؛ بمعنیٰ کفایة المسمّیٰ، ودلیلُ الجزء مطلقاً؛ بمعنیٰ الرکنیّة، فإطلاق دلیل الجزء مقدّم؛ ضرورة أنّه ـ حسب الأظهر ـ ناظر إلیٰ حدود المرکّب والمأمور به، وإلیٰ بیان مهندسیّة طبیعة المأمور به وطبیعة السبب،
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 104 فیکون له نحو حکومة، فلا یکفی مجرّد الاسم والمرکّب، کما هو کذلک إذا کان لدلیل المرکّب إهمال.
فما تریٰ هنا حول هذه المسألة من البحوث الإثباتیّة، وکیفیّة إفادة الجزء، واختلاف التراکیب الکلامیّة من الإخباریّة والإنشائیّة، فکلّه خارج عن الجهة المبحوث عنها فی الاُصول، سواء کان ذلک من مثل شیخ المشایخ، أو غیره، وسیأتی البحث مقتضی القواعد العامّة الثانیة بعد الغضّ عن القواعد الأوّلیة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 105