تتمّة : حول المراتب الأربع للامتثال والطاعة
فی کلام بعض من عاصرناه: «إنّ الامتثال والإطاعة ذو مراتب: مرتبة العلم التفصیلیّ، ومرتبة العلم الإجمالیّ، ومرتبة الظنّ علی الکشف، ومرتبة الاحتمال».
ولیس مقصوده التمسّک لإثباته بقاعدة الاشتغال؛ ضرورة أنّه یرجع إلی الشکّ فی الثبوت، لا السقوط حسب نظراتهم؛ لأنّه یشکّ فی تقیید المأمور به بکونه معلوماً تفصیلاً، فتندرج المسألة فی الأقلّ والأکثر.
بل نظره إلی التشبّث بحکم العقل ودرکه، وحکم العقلاء والمتشرّعة، أو إلیٰ أنّ الإطاعة لا تنتزع فی صورة التمکّن، والامتثال لا یتحقّق عرفاً فی هذه الصورة، کما أنّ مجرّد استحسان العقل والعقلاء لا یکفی، بل لابدّ من دعویٰ لزومه العقلیّ، وحکم العقلاء القطعیّ. ولا یتوجّه إلیه: سریانه إلی التوصّلیات، کما لا یخفیٰ.
وأیضاً: لا یتوجّه إلیه عدم دخالة الأمر فی القربة؛ لدخالته فی الطاعة
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 208 والامتثال بالنسبة إلی الأمر المعلوم فی البین. بل مقتضی الشکّ فی تحقّق الإطاعة هو الاشتغال؛ بناءً علی اعتبار الإطاعة والامتثال زائداً علی القربة فی العبادات.
ولکنّ الشأن فی أنّ کلّ ذلک من الدعاویٰ بلا بیّنة وبرهان؛ فإنّ الواجب إتیان المأمور به قربة إلی الله ؛ من غیر صحّة تقسیم الأمر إلی التوصّلی والتعبّدی.
هذا مع أنّه یلزم أن یکون للامتثال مراتب کثیرة، بل مراحل غیر متناهیة؛ وذلک لتقدّم العلم التکوینیّ علی العلم التعبّدی النظامیّ، وتقدّم العلم بالحجّة والأمارة علی الاستصحاب. بل یلزم تقدّم الحجّة الأقوی الموجبة للاطمئنان علی ما لا توجبه، وتقدّم ما توجب الاطمئنان القویّ علیٰ ما توجب الاطمئنان الضعیف.
مثلاً: لو تمکّن من العلم الوجدانیّ بالمیقات، یکون هو مقدّماً علی الحجّة، وتکون البیّنة الکثیرة المتشکّلة من العدول الموجبة لحصول الوثوق والاطمئنان بالأقلّ منه وهکذا، وتکون الأمارة متقدّمة علی استصحاب محاذاة محلّ شک فی محاذاته علی الأمارة، وهکذا الظنّ الأقویٰ علی الأضعف حسب مراتبه ... إلیٰ أن یصل إلی الاحتمال والوهم.
ویکفیک ذلک فساداً لمقالة العلاّمة النائینیّ رحمه الله وغیره، والضرورة قاضیة بکفایة کون المأتیّ به هو المأمور به حذواً بحذو.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 209