توجیه الفقهاء العظام إلی أمر هام فی اتخاذهم الحجج
اتخاذ الحجّة العقلائیّة بعد الفحص والرجوع للأدلّة بعد اضطرابها، وکثرة المعارضات، والحاجة إلی التدقیق والدراسة، لابدّ وأن یکون علیٰ وجه دیدن العقلاء، ودأب أرباب الحقوق، والعارفین بقوانین عرفیّة، وأصحاب النظر والفکرة فی المسائل الاجتماعیّة، وغیرهما من بحوث النفوس الراجعة إلی الطبابة والعلاج.
وقد تعارف فی هذه الأعصار اجتنابهم عن سلوک الطرق العلمیّة، واتخاذهم سبل العلوم العملیّة علیٰ سبیل الوحدة والانزواء، وعلیٰ وجه متعارف بین الفقهاء والعلماء؛ بحیث لا یعدّون مسلکهم صحیحاً وسالماً.
فعند ذلک، کما أنّهم یراجعون فی فهم المسائل العلمیّة العملیّة رفقاءهم والخبراء، وإلقاء نظریّاتهم فی المحاضرات، کی یتوجّهوا إلیٰ جهات الضعف فی مختاراتهم، ولا یکتفون بمطالعة الکتب القدیمة والآراء السابقة، ولا بعرض أفکارهم علی المحصّلین الضعفاء، بل ربّما یکتبون إلیٰ معاصریهم لفهم الحقّ، أو یلقون آراءهم علیٰ أهل الاطلاع والفهم، کذلک یلزم علینا التجنّب عن هذا الدأب والدیدن والرجوع إلی الأخبار والکتب فقط؛ بمراجعة أصحاب الفکر وأرباب الفنّ، حتّیٰ یتوجّه إلیٰ ما هو المرام للمولیٰ فی مسألة کذا، وذاک أیضاً مثله.
هذا مع کثرة الأخطاء فی الفتاویٰ، وکثرة العود عنها بتذکر صدیقه المتخصّص، فالتطرّق الوحید فی زاویة بیته العتیق ـ ولو بمراجعة کتب أهل الخبرة والاجتهاد ـ غیر کافٍ ظاهراً فی اتخاذ الحجّة، ولاسیّما بعد قصور الأدلّة الناهضة علیٰ حجّیة رأی أصحاب الفتیا ونظریّاتهم.
فعلیٰ هذا، عند الشکّ فی الحجّیة یحکم بعدمها حتّیٰ بالنسبة إلیٰ نفسه. فما
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 236 تعارف فی هذه العصور والأمصار بین علماء العلوم القدیمة، خروج عن دیدن العقلاء ودأب الفضلاء فی العلوم الجدیدة، وفی فهم القانون الباطل، فنحن کأنّه باطلون من جهة التطرّق، وهم علیٰ باطل یجحدون، والله هو الموفّق المعین، وتمام الکلام فی مباحث التقلید والاجتهاد.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 237