بقی شیء : فی أنّ مسببات العقود هی لوازم ذات السبب والماهیة
قد اشتهر القول: «بأنّ اُموراً سبب کألفاظ العقود والإیقاعات».
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 433 وذهب الوالد المحقّق ـ مدّظلّه وبعض آخر إلیٰ موضوعیّة تلک العناوین لأحکامٍ عقلائیّة مثلاً، کسائر الموضوعات.
ویمکن دعویٰ: أنّ تلک الاُمور المسبّبیة من لوازم ذات السبب والماهیّة الاعتباریّة، مثل الإمکان بالنسبة إلی الماهیّة.
فعلی القول الأوّل، اتخذ الاعتبار المذکور من السببیّة التکوینیّة؛ للاشتراک فی الخاصّیة، کما تریٰ فی النار بالنسبة إلی الإحراق، وهکذا فی البیع بالنسبة إلی النقل والانتقال.
وعلی القول الثالث، اتخذ الاعتبار المذکور من الماهیّات التکوینیّة والأعیان بالقیاس إلیٰ لوازمها، حتّیٰ قال الاُستاذ البروجردیّ قدس سره فی موضع: «إنّ الوجوب والحرمة من لوازم الماهیّات وتلک الطبائع فی الاعتبار» وبه تلحق سائر الاُمور حسب نظرنا ثبوتاً.
وأمّا القول الثانی، فحیث لا تأثیر ولا لزوم عقلیّ، فلابدّ وأن یکون هناک حکم عقلائیّ، فعند تحقّق البیع السببیّ بذاته یحکم العقلاء بالنقل والانتقال، وعند تحقّق ألفاظ الطلاق والعتاق یحکم العقلاء بالحرّیة وهکذا. والمناقشة من ناحیة عدم حصول الجدّ متوجّهة إلی الکلّ، والجواب واحد بعد بطلان التأثیر التکوینیّ، واللزوم العقلیّ وهکذا.
أقول: قضیّة ما عرفت منّا من توسعة المصادیق الاعتباریّة من غیر تصرّف فی المفهوم الطبیعیّ، کون تلک التوسعة لمساس الحاجة فی الحضارة، فکلّ ما کان أکثر إمساساً وإدراکاً بحسب التکوین، فهو أولیٰ بکونه مبدأً للحوق المصداق
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 434 الاعتباریّ، وعندئذٍ ما ذهب إلیه المشهور أولیٰ، کما اخترناه فی بعض المباحث الماضیة.
ولکن بحسب التجزئة والتحلیل، کما لایدرک العقل الزوجیّة وهی عنوان واحد من الکثیر بما هو کثیر ـ وهو الاثنان والأربعة والستّة والمائة والألف ـ إلاّ برجوع تلک العناوین الکثیرة إلیٰ جهة جامعة: وهی ما ینقسم إلی المتساویین مثلاً، ولا یکون الإحراق إلاّ لما هو طبیعة تشترک فیها الشمس والنار والکهرباء وغیر ذلک.
کذلک العقلاء بحسب الفطرة، لا یرون أنّ البیع سبب النقل والانتقال، والصلحَ سبب النقل والانتقال، والإجارة، ولا یرون أنّ النقل والانتقال من لوازم تلک الماهیّات المتباینة وإن اختلفت خصوصیّة النقل والانتقال الخارجیّ، إلاّ أنّها لیست خارجة عن هذا المفهوم العامّ المشترک المحتاج إلی الجهة الجامعة الواقعیّة التکوینیّة أو الاعتباریّة، بل حکمهم بالنقل والانتقال عند تحقّق البیع وعند تحقّق الصلح والإجارة وغیرها أقرب، فلا یحکمون بوجوب إکرام زید وعمرو وبکر إلاّ من جهة اشتراکهم فی العنصریّة، أو العلم، أو الإسلام، أو غیر ذلک، فلا یحکمون بشیء واحد ـ وهو الوجوب أو الحرمة بالنسبة إلی الموضوعات المختلفة ـ إلاّ برجوعها إلیٰ معنی واحد.
وعلیٰ هذا، یسقط أساس بحوثهم عن السببیّة، وحکم العقلاء، واللزوم الاعتباریّ علیٰ ما عرفت، ویرجع البحث إلیٰ أنّ کلّ قرار معاملیّ أو کلّ قرار عقلائیّ بل کلّ قرار، محترم عند العقلاء، وإنّما تختلف خاصّة الحرمة حسب الموارد، والشرع ربّما أنفذ ذلک، وربّما اعتبر الاختیار لأحد طرفی القرار کما فی الهبة، أو أنّه فی بعض الأحیان اعتبر الاختیار لصاحب الحیوان إلیٰ ثلاثة أیّام؛ نظراً إلیٰ بعض الحِکَم والأسرار.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 435 فالبیع لیس سبباً للنقل والانتقال، ولا موضوعاً لحکم العقلاء به، ولا اعتبر النقل والانتقال لازم ماهیّة البیع، بل المتعاملان قرارهما علیٰ أن یکون هذا المبیع بحذاء ذاک، فبالقیاس إلی المتعاملین یقال: «هما أوجدا القرار» وباعتبار المقایسة إلی العوضین یقال: «حصل القرار» ولا تعدّد ولا تکثّر فی القضیّة إلاّ بالقیاس، کما أنّ المقولات عندنا اُمور مأخوذة من المقایسات حتّی الجوهر، وإلاّ فالعالَم معنیً حرفیّ بالقیاس إلیه ـ تعالیٰ ، والماهیّات تابعة الوجودات، فخذ واغتنم.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 436