بقی شیء : فی الشبهة العبائیّة وحلها
ربّما یتخیّل أنّه فی مورد العلم الإجمالیّ بنجاسة الثوب، وتطهیر جانب معیّن منه، یلزم عویصة وهی: أنّه لو جری استصحاب النجاسة الکلّیة یلزم دخالة ملاقاة الطرف المعیّن فی تنجّس الملاقی ـ بالکسر ـ وإلاّ یلزم تنجّس الملاقی لبعض الأطراف، وهو علی خلاف المشهور. وهذه تسمیٰ «شبهة عبائیّة» کما أنّ ما ذکرناه من المناقشة تسمّیٰ «شبهة قبائیّة» للتمثل بهما.
ولا أجد وجهاً له بعد کون البحث حول استصحاب الکلّی، فإنّ المستصحب إمّا قضیّة من الهلیّات البسیطة، فهی لا تفید نجاسة الملاقی ـ بالکسر ـ لأنّه من الأصل المثبت عندهم بالضرورة وإن لا تجوز الصلاة فیه؛ لأنّه ثوب نجس عرفاً حسب أخبار المسألة، فإنّ الروایات الناهیة لیست ناظرة إلی العلم الإجمالیّ، أو نجاسة مجموع الثوب کما لا یخفیٰ، بل فیها التسامح، ولا تسامح بالنسبة إلیٰ نجاسة الملاقی، فلابدّ من الاستصحاب، أو قاعدة الاشتغال، والأوّل وارد علیها حسبما
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 472 حرّرناه، واستصحابه من القسم الأوّل، وتصیر النتیجة وجود النجس فیه، لا أنّ الثوب متنجّس إلاّ تسامحاً.
وإمّا یکون من الهلیّات المرکّبة، وهی لا تتصوّر إلاّ فی صورة اختلاف أثر النجاسة؛ کی یستصحب الجامع وتنجّسه به، وإلاّ فلا یتصوّر الاستصحاب الکلّی من القسم الثانی، فإنّ کون زید فی أحد الجانبین لا أثر له، وهکذا النجاسة. ولعلّ المستشکل أراد من الشبهة منع جریان القسم الأوّل؛ ضرورة أنّه فی صورة وحدة الأثر یلزم جریان استصحاب الفرد الواقعیّ المجهول عندنا، لا الکلّی، بخلاف ما إذا علم بتنجّس ثوبه بالبول أو الدم، فطهّر جانباً منه وغسله، فإنّه یستصحب النجاسة؛ أی تنجّس الثوب بها، ولازمه نجاسة الملاقی.
وفی تقریب الأعلام حول الشبهة ظهر فساده وقصوره ظاهراً، وعندئذٍ یجوز إجراء استصحاب تنجّس الثوب، إلاّ أنّه هناک إمّا استصحاب العدم الأزلیّ، أو البراءة عن وجوب الغسلة الثانیة بالنسبة إلیٰ نفس الثوب، فضلاً عن ملاقیه.
ولو قلنا بجریانه وحکومته علی البراءة، کما ذکرنا ذلک فی الأقلّ والأکثر، فلایلزم نجاسة الملاقی؛ لأنّ بقاء تنجّس الثوب الجامع إمّا لا أثر له شرعاً فی الفقه، أو لو کان له الأثر، أو قلنا: بأنّ الاستصحاب مشرّع فی أمثال المقام، لا یلزم نجاسة الملاقی؛ لأنّه بعد العلم بطهارة جانب منه تفصیلاً فلازم ذلک الاستصحاب وهذا العلم، ملاقاته مع النجس، فلا یکون الملاقی نجساً.
هذا مع أنّ فی أصحابنا من یقول بنجاسة الملاقی حتّیٰ مع بقاء الملاقیٰ وعدم
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 473 تقدّم العلم بالملاقاة، وتفصیله قد مضیٰ.
وقد اختلفت کلماتهم حول ما لا یعتدّ به مع عدم حلّ المشکلة بوجه حسن بعد عدم صحّة تقریب العلاّمة الأصفهانیّ الصدر قدس سره للشبهة کما عرفت.
بل یتوجّه إلیه أیضاً ما مرّ علیٰ تقدیر کون الشبهة من القسم الثانی؛ ضرورة أنّ عنوان «کون الثوب متنجّساً» تسامحیّ، وهو یفید بالنسبة إلی الصلاة فیه؛ لما یعلم تفصیلاً بالصلاة فی النجس، لما لا أثر لکون النجس فی الجانب الشرقیّ أو الغربیّ.
نعم، لو کان الثوب کبیراً، وصلّیٰ فی جانب منه لا یبعد صحّة الصلاة، وتکون المسألة من قبیل الملاقی والملاقیٰ. هذا تمام الکلام حول القسم الثانی.
وأمّا الغور فی خصوصیّات الأمثلة فهو من الرجم بالغیب أحیاناً، وممّا لا ینبغی للاُصولی؛ لأنّ النظر إلیٰ نفس الکلّی فی حدّ ذاته، وقد کثر الدور فی کلامهم حولها، وهو غیر صحیح جدّاً.
نعم، الشبهة الأخیرة العبائیّة فقهیّة اُرید منها استنتاج المسألة الاُصولیة، غفلة عن أنّ ذلک غیر جائز؛ فإنّ الجزئیّ لا یکون کاسباً ولا مکتسباً، فإنّ من الممکن دعویٰ أنّ ملاقاة النجس لیست موضوع الأثر، بل ملاقاة البول أو الخمر، أو ملاقاة ملاقی البول أو الخمر من غیر رجوع المسألة إلیٰ معنی کلّی کی یستصحب، ویترتّب علیه الأثر، أو مسألة علمیّة کلّیة إلاّ فرضاً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 474