هل یلزم فی صحّة بیع الدهن المتنجّس اشتراط الاستصباح به؟
الأوّل: هل صحّة بیع هذا الدهن مشروطة باشتراط الاستصباح به، أو یکفی قصدهما لذلک، أو لایشترط شیء منهما؟
والأولی بسط الکلام فی مطلق المبیع الذی حرّمت منافعه کلاً أو بعضاً.
حکم المبیع الّذی حرّمت منافعه کلاًّ أو بعضاً
فنقول: قد لایکون له سوی المنفعة المحرّمة، وقد تکون له سواها منفعة محلّلة لکن لایبذل بلحاظها مال، کما لو حرّمت منافع الخمر إلاّ سقی الشجر بها، وقد تکون له منفعة مباحة یبذل بإزائها مال لکن تکون فی جنب المنفعة المحرّمة
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 130
مستهلکة مغفولاً عنها، بحیث لاتعدّ له مالیّة لأجلها، کما لو کانت آلة قمار عتیقة مرغوباً فیها لدی طائفة یبذل بإزائها عشرة آلاف جنیّة، وکانت مادّتها من خشبة تساوی قرانین.
وقد تکون منفعته المباحة مرغوباً فیها، لکن لابمقدار المنفعة المحرّمة، وقد تتساویان، أو تکون المنفعة المحلّلة غالبة، إلی غیر ذلک.
لا إشکال فی بطلان المعاملة فی الصورتین الاُولیین لسقوط مالیّتهما فی الشرع، فیکون دلیل إسقاط المنافع حاکماً علی أدلّة حلّیة البیع والتجارة، فإنّ مبادلة ما لایکون مالاً لیست بیعاً ولاتجارة ولاعقداً، ولاکلام فیهما.
وأمّا سائر الصور فالظاهر عدم اشتراط صحّة البیع فیها باشتراط الانتفاع بالمحلّل فی ضمن العقد، لعدم دلیل علیه، ولعموم أدلّة الوفاء بالعقود، وحلیّة البیع.
وقد استظهر شیخنا الأعظم عن السرائر الاشتراط، قال: «ظاهر الحلّی فی السرائر الأوّل، فإنّه بعد ذکر جواز الاستصباح بالأدهان المتنجّسة أجمع، قال: ویجوز بیعه بهذا الشرط عندنا».
وفی الاستظهار کلام، لاحتمال أن یکون نظره إلی أنّ الجواز مع الاشتراط إجماعیّ، کما یظهر من قوله: عندنا، ولم یحرز الإجماع علی الصحة فی غیر الصورة، ولم یدلّ ذلک علی أنّ مختاره لزوم الاشتراط، بل لایدلّ علی وجود القائل بالاشتراط، لأنّ دعوی الإجماع علی جوازه مع الاشتراط لاتدلّ علی وجود الخلاف فی غیره، ولعلّ الأصحاب لم یتعرّضوا له، فلم یحرز الإجماع ولا الخلاف، تدبّر.
وهل یعتبر فی صحّة البیع قصد المنفعة المحلّلة؟ بنحو لایرجع إلی الاشتراط
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 131
وإلی کون العقد مبنیّاً علیه؛ بل کان من قبیل القصد الخارجی نظیر الدواعی، أو یعتبر عدم قصد المنفعة المحرّمة، أو لایعتبر ذلک أیضاً مطلقاً، أو یفصل بین الصور؟
مقتضی القواعد عدم اعتبار شیء فی صحّته، فإنّ قصد الانتفاع بالشیء سواء کان محرّماً أو محلّلاً، لادخل له فی ماهیّة البیع، کما أنّ المنافع لاتقابل بالأثمان فیه، بل وجود المنفعة موجب لصیرورته مالاً یبذل بإزائه المال، فإذا فرض وجود منفعة فیه موجب للرغبة والمالیّة فیه یقع البیع لأجلها صحیحاً، سواء قصدها أو قصد المنفعة المحرّمة.
ودعوی أنّ قصد المنفعة المحرّمة موجب للبطلان، لکون أکل المال حینئذ من الأکل بالباطل، لأنّ صدقه لایتوقّف علی تحقّق المبادلة الحقیقیة بین المال والمنفعة المحرّمة، بل یکفی فیه کون الغرض من المعاملة فاسداً، ونتیجتها فاسدة کتحصیل المنفعة المحرّمة.
غیر وجیهة لأنّ الدعوی ترجع إلی التمسک بقوله تعالی: «لاتأکلوا أموالکم بینکم بالباطل إلاّ أن تکون تجارة عن تراض».
وفیها ما لایخفی، لأنّ المراد بالباطل والتجارة وسائر العناوین المأخوذة فی الکریمة هو العناوین العرفیّة، لا ما هو باطل بحکم الشرع، أو تجارة صحیحة بحکمه، ولهذا تری أنّ الفقهاء تمسّکوا بها لصحّة التجارة فی الموارد المشکوک فیها من جهة احتمال اعتبار شرط أو مانع. ولو کان المراد بالآیة ما ذکر لما صحّ
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 132
الاستدلال بها فی شیء من الموارد.
فالمراد بالباطل فی مقابل التجارة عن تراض، نحو السرقة والخیانة والبخس والقمار والظلم، کما عن أبی جعفر ـ علیه السلام ـ تفسیره ببعضها. ومن التجارة هی التجارة العرفیّة.
فعلیه یصحّ الاستدلال بها لصحّة البیع ولو مع قصد المنفعة المحرّمة بعد ما کان للمبیع مالیّة عرفیّة بلحاظ المنفعة المحلّلة، لعدم إسقاط الشارع مالیّته حتّی یقال بتحکیم دلیل الإسقاط علی أدلّة حلیّة البیع والتجارة والوفاء بالعقود.
فإنّ الشیء إذا کان ذا منفعة محرّمة ومنفعة محلّلة لاتسقط مالیّته بإسقاط بعضها، بل تقلّ مالیّته فی محیط التشریع والملتزمین بالشریعة والقانون، فیصیر کأ نّه لامنفعة له إلاّ المحلّلة، فیکون مالاً فی الشرع والعرف، والتجارة به تجارة کذلک.
وقصد الانتفاع بالمحرّم لادخل له بمالیّته، ولا بماهیّة التجارة، بل الانتفاع به من متفرّعات التجارة ومتأخّر عنها.
فلو اشتری أحد سکّیناً بقصد قتل المؤمن وباع البائع لذلک لایوجب ذلک فساد المعاوضة وصیرورة أخذ المال بإزائه أکلاً له بالباطل، بل یصحّ بیعهما ویحرم علی المشتری الإقدام علی القتل. وسیأتی الکلام فی الإعانة علی الإثم.
فما یظهر من الشیخ الأعظم فی خلال البحث من التمسّک بالآیة الشریفة للبطلان، کأ نّه غیر وجیه.
نعم، إذا کانت المنفعة المحلّلة فی جنب المحرّمة مستهلکة لاتلاحظ مالیّة الشیء باعتبارها، کما مرّ مثاله، فلایصحّ بیعه بنحو الإطلاق أو بلحاظ المنفعة المحلّلة بقیمة ملحوظة لأجل المنفعة المحرّمة، لإسقاط الشارع مالیّته من هذه
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 133
الجهة، وکون المعاملة سفهیة غیر عقلائیة بالقیمة الکذائیّة.
فإنّ إعطاء ملیون تومان فی مقابل خشب آلة عتیقة لهویة أسقط الشارع مالیّتها بلحاظ صورتها، معاملة سفهیة غیر عقلائیّة، ولامشمولة لأدلّة تنفیذ المعاملات.
نعم، صحّ بلحاظ مادّتها وبقیمة الخشب، لأنّ سقوط المنفعة القاهرة صار سبباً لملحوظیة المنفعة المقهورة، کما لو فرض السقوط تکویناً.
فاللوح المنقوش العتیق البالغ سعره الآلاف، لاتلحظ قیمة خشبه وقرطاسه فی مالیته لدی العقلاء، لکن بعد محو النقش و سقوطه عن خاصیّته ومالیّته یلاحظ الخشب والقرطاس، و البیع بلحاظهما صحیح عقلائی بالقیمة الملحوظة لأجلهما.
ولعلّ مراد شیخنا الأعظم غیر هذه الصورة. ولایخلو کلامه فی المقام من نوع تشویش.
وهل یصحّ البیع مع اشتراط الانتفاع بالمحرّم فی ضمن العقد؟
التحقیق أ نّه إن رجع الشرط إلی الإلزام بالانتفاع بالمحرّم، لاعدم الانتفاع بالمحلّل، وکان للعین انتفاع محلّل أیضاً، یفسد الشرط. وفساد البیع مبنیّ علی کون شرط الفاسد مفسداً. لأنّ المعاوضة وقعت علی العینین، وشرط انتفاع خاصّ محرّم خارج عن حقیقة المعاوضة، فالقائل بالصحّة یمکن أن یقول بالتحلیل.
وإن رجع إلی ترک الانتفاع بالمحلّل وحصر الانتفاع بالمحرّم، أو شرط ما یوجب عدم إمکان الانتفاع بالمحلّل، کما لو شرط أکل الزیت النجس مثلاً، فالوجه عدم الصحّة لأنّ مثله یرجع إلی الشرط المخالف لمقتضی العقد، فإنّ الانتفاع بالمحرّم ممنوع شرعاً، والمالک شرط عدم الانتفاع بالمحلّل فرضاً، فکأ نّه باع
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 134
بإسقاط جمیع المنافع مطلقاً، وفی مثله لاتقع مبادلة مال بمال، فإنّ المالیّة فی الأشیاء متقوّمة بالانتفاع، ومع سلبه مطلقاً لم تقع صحیحة، فتدبّر و تأمّل.
هذا حال القواعد. وأمّا روایات الباب، فالظاهر من موثقة أبی بصیر هو إعلام المشتری بعد وقوع البیع. والحمل علی إرادة البیع خلاف الظاهر. فتدلّ ولو بحسب الإطلاق علی جواز الاشتراء بقصد الانتفاع بالمحرّم مع الجهل بالواقعة، ویستفاد منه عدم اشتراط قصد النفع بالمحلّل، وعدم مانعیّة قصد المحرّم مع الجهل ولو من البائع بإلغاء الخصوصیّة، من غیر دلالة علی الاشتراط بعدم قصد المحرّم مع العلم بالواقعة، وحرمته غیر اشتراط البیع بعدمه.
بل الظاهر من موثقة معاویة بن وهب ذلک أیضاً ولا أقلّ من أنّ إطلاقها یقتضی عدم الفرق بین الإعلام السابق و اللاحق عن البیع.
نعم، قد یقال بدلالة روایة إسماعیل بن عبد الخالق علی اشتراط قصد الإسراج بل اشتراط شرطه، وهو ضعیف سیّما الثانیة، فإنّ المتفاهم منها عرفاً أنّ المقصود بالإعلام عدم ابتلاء المشتری بالحرام فیبتاع ویسرج به، لا أنّ الابتیاع للإسراج من شرائطه، أو قصده من الشرائط. هذا مع ضعفها سنداً ومعارضتها للموثّقتین المتقدّمتین لو سلّم ظهورها فی الاشتراط. والجمع العقلائی بینها ـ ولو بمناسبة المورد والحکم والموضوع ـ هوالحمل علی لزوم الإعلام حتّی یحترز عنه، کان الإعلام قبل المعاوضة أو بعدها کما لایخفی، أو حمل النهی علی الکراهة جمعاً
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 135
بینها وبین ما دلّت علی جواز الإعلام بعدها. وهما أولی وأقرب من حمل البیع علی إرادته.
والإنصاف أنّ الروایات متوافقة المضمون، والظاهر من جمیعها بقرینة المقام أنّ لزوم التبیین لمحض التحرّز، والبیع لغایة غیر الأکل کالاستصباح، من غیر دخالة فیه أو فی قصد الاستصباح للصحّة، وهو ظاهر.
ویمکن الاستشهاد لعدم جواز البیع مع قصد الانتفاع بالمحرّم بروایة تحف العقول ودعائم الإسلام بل بالرضوی والنبوی: «إنّ الله إذا حرّم...» وقوله: «إنّ الذی حرّم شربه حرّم ثمنه»، وقوله: «إنّ الله إذا حرّم أکل شیء حرّم ثمنه»، المحمولة بأجمعها علی التحریم مع قصد الفساد.
وبالروایات الواردة فی العصیر الدالّة علی أ نّه إذا غلی لایجوز بیعه ممّن یجعله حراماً.
وروایات حرمة بیع الخمر المحمولة علی ما إذا کان البیع لأجل الفساد.
و بعض الروایات الواردة فی الجاریة المغنّیة، إلی غیر ذلک.
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 136
وهی وإن لم تبلغ حدّ استفادة الحکم جزماً فی المقام لضعف ما دلّت وقصور غیر الضعیف عن إثبات الحکم للمتنجّس، لکن الحکم بالصحّة جرأة، سیّما مع الظنّ بمخالفته لمذاق الشرع، تأمّل، فلایترک الاحتیاط فیه.
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 137