أقسام المبیع إذا کانت له منفعة محرّمة ومحلّلة
النوع الثانی: ما یقصد منه المنفعة المحرّمة، فیما إذا کان لشیء منفعة محرّمة ومحلّلة، کأوانی الذهب والفضّة. وهو علی أقسام:
منها: أن یکون المبیع کلیّاً مقیّداً بنحو لاینطبق إلاّ علی المحرّم، کبیع العنب الذی ینتهی إلی التخمیر.
فیکون المبیع حصّة من العنب کسائر الکلیّات المقیّدة. بأن یقال: کما أنّ العنب الأحمر لاینطبق إلاّ علی مصادیق خاصّة، فإذا تعلّق به البیع یکون المبیع حصّة من الکلی لاتنطبق إلاّ علی مصادیقها، یصحّ تقیید الکلی بأیّ قید تراضی علیه المتعاقدان.
فإذا باع العنب المنتهی إلی التخمیر کان مصداق المبیع، هو العنب المتعقّب به، لا العنب المطلق. فإذا تسلّمه المشتری ولم یستعمله فی التخمیر، یکشف عن عدم کونه مصداقاً للمبیع.
ومنها: أن یکون المبیع جزئیّاً خارجیّاً مع توصیفه بالوصف المتقدّم. فیکون المبیع، الموجود المنتهی إلی التخمیر. فلو لم ینته إنیه یکشف عن عدم کونه مبیعاً، أو عن تخلّف الوصف.
ومنها: أن یکون القید علی نحو الشرط المتأخّر، کان المبیع کلیّاً أو جزئیّاً، بحیث یکشف عدم الانتهاء عن عدم کونه مصداقاً للمبیع، أو عدم کونه مبیعاً.
والظاهر بطلان البیع فی هذه الصور، لعدم عقلائیّة الملک الحیثی.
والفرق بین هذا القید وقید کون العنب أحمر أو أصفر، أنّ مصداق الأحمر بعد تسلیمه یکون ملکاً طلقاً للمشتری، وأمّا العنب المنتهی إلی التخمیر فلیس
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 174
ملکاً له إلاّ من حیث التخمیر دون سائر الحیثیات، ولم یعهد لدی العقلاء هذا النحو من الملکیّة، وإلاّ لجاز بیع الرداء الذی تحت السقف مثلاً، فلایکون ملکه إلاّ حصّة من الرداء، أو حیثیّة منه، فإذا خرج عن تحت السقف خرج عن ملکیّته، وأنت خبیر بأنّ هذا النحو من الملکیّة غیر عقلائیّة ولامعهودة.
فالعنب المنتهی إلی التخمیر لو صار ملکاً، لازمه عدم ملکیّة العنب بنحو الإطلاق وبجمیع الحیثیّات، بل حصّة أو حیثیّة خاصّة منه، فلایکون بما أ نّه مأکول أوغیر ذلک مبیعاً، ولاملکاً للمشتری، وهو مخالف لاعتبار العقلاء، وکذا الحال فی التعلیق والشرط.
نعم یمکن المناقشة فی الإشکال فی الصورة الّتی یکون المبیع شخصیّاً، بأن یقال: إنّ المبیع هو الموجود الخارجی، والقید من قبیل الوصف الذی یکون تخلّفه غیر مبطل، لکن یأتی فیها الإشکال الآتی فی الصورة الآتیة، أی اشتراط عدم الانتفاع إلاّ بالمحرّم.
حکم المبیع إذا اشترط أن لایتصرّف فیه إلاّ فی المحرّم
ومنها: أن یبیع الشیء واشترط علی المشتری بأن لایتصرّف فیه إلاّ فی المحرّم. وهو قد یرجع إلی شرطین: أحدهما أن لایتصرّف فی المحلّل، وثانیهما أن یصرفه فی المحرّم.
وقد یشترط علیه شرطاً واحداً، وهو عدم التصرّف فی المحلّل من دون شرط الصرف فی المحرّم.
ومن هذا القبیل ما إذا تواطئا علیه بحیث یقع العقد مبنیّاً علیه، وأمّا مع التواطی علیه بحیث لایرجع إلی بناء العقد علیه فهو خارج عن الفرض.
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 175
والأقوی بطلان البیع فی تلک الصور، سواء رجع الاشتراط إلی شرطین أم لا، وسواء کان الشرط فی ضمن العقد أم بحکمه کما أشرنا إلیه، لأنّ مثل هذا الشرط مخالف لمقتضی العقد. فإنّ اعتبارالملکیّة موقوف علی کون الشیء ذا منفعة، ولو فی الجملة یصحّ للمالک الانتفاع به.
فلو فرض کون شیء مسلوب الانتفاع مطلقاً لایعتبره العقلاء مالاً ولاملکاً. لا أقول: إنّ الملکیّة والمالیّة نفس الانتفاعات، بل أقول: إنّ مناط اعتبارهما لدی العقلاء صحّة الانتفاع ولو فی الجملة، فمسلوب الانتفاع بقول مطلق لیس ملکاً ولا مالاً.
کما أ نّه لو سلب مطلق الانتفاعات عن شیء بالنسبة إلی شخص لایعتبره العقلاء ملکاً ومالاً له فی بعض الأحیان.
فحینئذ نقول: إذا شرط البائع علی المشتری أن لاینتفع بالمبیع مطلقاً، فهو فی قوّة بیع شیء بشرط عدم صیرورته ملکاً للمشتری، فیکون مخالفاً لمقتضی العقد وموجباً لبطلانه، سواء قلنا بأنّ الشرط الفاسد مفسد أم لا، لأنّ الخلاف فی الشرط الفاسد إنّما هو فی الشروط الّتی لایضرّ اشتراطها بقوام المعاملة، وأمّا الشروط المنافیة لماهیتها وقوامها، فلاینبغی الکلام فی مفسدیتها، لرجوعها إلی التناقض فی الجعل والتنافی فی الإنشاء. والمقام من قبیل ذلک، فإنّ العنب مثلاً مسلوب المنفعة بحسب قانون الشرع من حیث التخمیر، فإذا کان مفاد الشرط تحریم الانتفاع بالمحلّل، یرجع إلی انتقال شیء مسلوب المنفعة مطلقاً، فلاتعتبرمعه الملکیّة للمشتری، فیکون الشرط فی قوّة البیع بشرط عدم الملکیّة، وإن لم یکن بعینه هو. لایقال: إنّ هذا الشرط لاینافی مقتضی العقد فی محیط العقلاء وبحسب نظرهم، والبطلان الشرعی غیر المنافاة لمقتضی العقد.
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 176
فإنّه یقال: یکفی فی مخالفته لمقتضی العقد مخالفته له فی محیط القانون اللازم الإجراء عقلاً، ولهذا لایصحّ بیع الخمر لإسقاط الشارع مالیّتها، فلاتکون معاملتها مبادلة مال بمال بلحاظ القانون الإلهی.
وإن شئت قلت: إسقاط الشارع مالیّة شیء تخطئة العقلاء فی حکمهم، ففی المقام إنّ شرط عدم الانتفاع بالمحلّل فی حکم شرط سلب المنفعة مطلقاً ولو بلحاظ الشرع فیکون مخالفاً لمقتضاه.
أو قلت: إنّ اشتراط عدم الانتفاع بالخمر إلاّ فی المحرّم، ینحلّ إلی شرطین کما تقدّم: أحدهما: شرط عدم الانتفاعات المحلّلة، وهو من الشروط السائغة، لعدم کونه مخالفاً للشرع. والثانی: شرط الانتفاع بالمحرّم، وهو باطل. فلامحالة یکون المشتری محروماً عن الانتفاع بالمبیع مطلقاً شرعاً وشرطاً، وهو المنظور من المخالفة لمقتضی العقد لدی العقلاء، فإنّ الشیء المسلوب المنفعة مطلقاً لایعدّ ملکاً ولا مالاً.
ویمکن الاستدلال علی المطلوب بوجه آخر، وهو أنّ مالیّة الأشیاء ـ کما تقدّم ـ إنّما هی بلحاظ المنافع المترتّبة علیها، فما لامنفعة له مطلقاً لیس بمال، فإذا اشترط علی المشتری أن لاینتفع من العنب مثلاً إلاّ الانتفاع بالمحرّم، فلامحالة یکون البیع بلحاظ الانتفاع بالمحرّم، والمالیّة الآتیة من قبله، مع أنّ هذه المالیّة ساقطة شرعاً.
فمالیّة العنب الآتیة من قبل المنافع المحلّلة ساقطة فرضاً حسب اشتراط البائع، فلایمکن أن یکون البیع صحیحاً بلحاظ المالیّة الآتیة من قبلها، والمالیّة الساقطة شرعاً لاتصلح للمبادلة، فیکون دلیل إسقاطها حاکماً علی أدلّة تنفیذ البیع بإخراج المعاملة عن موضوع أدلّته وإدخالها فی أکل المال بالباطل.
ولک أن تجعل هذا الأخیر وجهاً ثالثاً للبطلان، وهو الاستدلال بالآیة
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 177
الکریمة بعد تحکیم ما دلّت علی سقوط المالیّة الآتیة من قبل المنفعة المحرّمة علی الآیة، صدراً وذیلاً کما أشرنا إلیه.
ولایعتبر فی الحکومة أن یؤخذ فی الدلیل الحاکم عین العنوان الذی أخذ فی المحکوم، فکما أنّ قوله: الخمر لیست بمال، حاکم علی الآیة إخراجاً وإدخالاً، کذلک ما دلّت علی إهراقها وإتلافها بلاضمان، الظاهر منها إسقاط مالیّتها، حاکمة علیها.
بل لایبعد تحکیم الدلیل اللبیّ علی الدلیل اللفظی، فإذا قام الإجماع علی عدم مالیّة الخمر یکون منقّحاً لموضوع أکل المال بالباطل، فإنّ أکل الثمن فی مقابل ما لیس بمال أکل له بالباطل، ومخرجاً عن التجارة تعبّداً، ولو لم یطلق علی مثله الحکومة کما قوّیناه فی الاُصول ، فلامشاحة فیه بعد کون الإنتاج واحداً.
وهنا تقریب رابع للبطلان بأن یقال: إنّ الثمن واقع فی مقابل العنب بشرط الانتفاع الخاصّ، وهذا الانتفاع لم یحصل للمشتری، فیکون المال المأخوذ بلحاظه، أو بلحاظ المالیّة الآتیة من قبله، مأخوذاً بلاحصول العوض، ومثله لیس بمعاملة، لأ نّها متقوّمة بتبادل الانتقالین ومع فقده لاتتحقّق، تأمّل.
وقد ظهر ممّا ذکر أنّ القول بالبطلان هاهنا غیر مبنی علی القول بمفسدیة الشرط الفاسد.
ولهذا قلنا بالبطلان ولو مع شرط عدم الاستفادة بالمحلّل، والسکوت عن الاستفادة بالمحرّم، فإنّه شرط سائغ لکن یبطل البیع لا لفساد الشرط بل للوجوه المتقدّمة.
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 178
وتؤیّده الروایتان الواردتان فی النهی عن بیع الخشب ممّن یتّخذه صلباناً، والتوت ممّن یصنع الصلیب أو الصنم، بل وما وردت فی لعن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الخمر و غارسها وحارسها وبائعها...، المستفاد منها أنّ بائع العنب للخمرأیضاً ملعون.
ومعلوم أنّ ملعونیّته لأجل عمله، فعمله مبغوض.
بل یمکن أن یقال: لایجتمع مبغوضیّة البیع بعنوانه مع تنفیذه والإلزام بالعمل علی وفقه.
نعم لو کانت المبغوضیّة بعنوان آخر کالإعانة علی الإثم، کما هو محتمل فی المقام، لاتدلّ علی البطلان. فلو نوقش فی هذا ففی ما تقدّم غنی وکفایة.
لکن یمکن المناقشة فی أساس التقریبات المتقدّمة بأن یقال: إنّ الشیء تارة یکون بلا منفعة واقعاً وتکویناً، وأخری یکون ذا منفعة، لکن المالک أفرز جمیع منافعه بصلح ونحوه، وأراد بیعه بلا منفعة مطلقاً حتّی الانتفاع ببیع ونحوه، أو أراد بیعه بلامنفعة بإفراز منافعه لنفسه.
ففیها تأتی التقریبات المتقدّمة، حتّی تقریب المخالفة لمقتضی العقد، أو کونه فی قوّتها.
وأمّا إذا باع وشرط علی المشتری أن لاینتفع به مطلقاً. أو بغیر المنفعة المحرّمة، فلایکون مخالفاً لمقتضاه ولافی قوّتها، لأنّ البیع إنّما تعلّق بذات الشیء، وموجب لانتقال منافعه إلی المشتری، لکن دلیل الشرط صار موجباً لحرمانه عن التصرّف فی ماله، ولایکون مفاد الشرط عدم الانتقال حتّی یقال بمخالفته
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 179
لمقتضاه، بل الشرط فی الرتبة المتأخّرة عن اعتبار ملکیّة المبیع بمنافعه وانتقاله کذلک إلی المشتری، فلایمکن أن یکون الشرط رافعاً لموضوعه، أو دافعاً له، فلایعقل أن یکون مخالفاً لمقتضی العقد الذی هو موضوع الشرط وتأثیره، غایة الأمر أن یکون غیر سائغ، للزوم تضییع مال محترم به، ففساد العقد مبنی علی مفسدیّة الشرط.
وإن شئت قلت: إنّ هذا الشرط نظیر نذر عدم التصرّف فی ماله لو قلنا بصحّته.
فإنّه لایوجب خروج الملک عن الاعتبار لصاحبه أو سلب مالیّته عنه، لأنّ الملکیّة مفروضة فی موضوعه ولایعقل رفعها بدلیله.
ویمکن دفعها بأن یقال: إنّ مالیّة الأشیاء متقوّمة بوجود منفعة لها وإمکان الانتفاع بها، فکما أنّ الشیء إذا کان مسلوب المنفعة مطلقاً تکویناً لایعتبره العقلاء مالاً ولا ملکاً، فکذلک إذا کان له منفعة غیر ممکن الاستیفاء مطلقاً ولو عادةً، کدرّة غرقت فی البحر بحیث لایرجی عودها إلی الأبد، فإنّها لاتعتبر مالاً وملکاً لمالکه السابق.
هذا حال التکوین، ومحیط التشریع والتقنین کذلک عند الملتزمین به، ولهذا تزید وتنقص المالیة بواسطة الشروط، فلو شرط علی المشتری عدم الانتفاع بالفرو فی الشتاء، وعدم انتقاله إلی الغیر، تحطّ من خمسین إلی خمس.
بل الشروط لدی العقلاء أیضاً معتبرة لازم الوفاء عقلاً ووجداناً، فشرط عدم الانتفاع بالشیء فی محیط القانون والشرع، بل عند العقلاء الملتزمین بأحکام العقل والوجدان والمجتنبین عن الخیانة والعدوان، مناف لمبادلة المال بالمال، وموجب لسقوط الشیء عن المالیّة من غیر أن یلاحظ بطلان الشرط وصحّة المعاملة، بل لولا بطلان الشرط ببطلان أصل المعاملة یمکن التأمّل فی بطلانه.
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 180
وبالجملة إنّ العقلاء لایعدّون تلک المعاملة معتبرة، وکذلک الأمر فی محیط التقنین، ولیس ذلک من دفع الشرط لموضوعه، أو رفعه له بل مثله یعدّ منافیاً لمقتضی العقود لدی العقلاء، نظیربیع الشیء مسلوب المنفعة أو بشرط مسلوبیّتها.
فلایکون ذلک الشرط من الشروط الغیر السائغة، بل هو من المنافیة لنفس المعاملة ولو بنحو من اللزوم.
إلاّ أن یقال: إنّ تخلّف الشروط لایوجب شیئاً إلاّ العصیان والخیار، فمع التخلّف یصحّ المعاوضة، فحینئذ یکون مالاً لدی العقلاء والشرع، فلایکون الشرط الکذائی مخالفاً لمقتضی العقد ولافی قوّتها، ولامخالفته موجباً للعصیان بل ولا الخیار فی بعض الصور.
وفیه: أنّ المالیّة الآتیة من قبل تخلّف الشرط والشرع أو المقارنة لذلک، غیر معتبرة لدی العقلاء، وکذا لدی الشسارع.
إن قیل: إنّ المالیّة لاتأتی من قبل تخلّفه، بل صحّة المعاملة شرعاً فی صورة مخالفة الشرط، دلیل علی اعتبار الشرع مالیّة المبیع، ففی المقام لو شرط علی المشتری عدم التصرّفات المحلّلة وخالف وباعه، صحّ بیعه وهو کاشف عن اعتبار الشارع مالیّته.
یقال: إنّ صحّة بیع المشتری فی الفرض متوقّفة علی صحّة ابتیاعه مع الشرط المتقدّم، فلو کانت صحّة ابتیاعه متوقّفة علی صحّة بیعه، لزم المحال ولاتفید الصحّة فی سائر الموارد لتصحیح ما نحن فیه، فلو باع شیئاً وشرط علی المشتری عدم بیعه من شخص، فباعه منه صحّ، لأنّ صحّة بیع الأوّل وشرطه معلومتان، وتخلّف الشرط لایوجب بطلان المعاملة فرضاً.
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 181
وأمّا فی المقام تکون صحّة المعاملة مع الشرط المذکور مشکوکاً فیها، فکیف یمکن الحکم بصحّة بیع المشتری والکشف بها عن صحّة البیع الأوّل.
فتوهّم أنّ صحّة البیع الثانی کاشفة عن صحّة الأوّل لاموجبة لها فلادور، فی غیر محلّه، لعدم إمکان کشفها عنها أیضاً بعد توقّف صحّتها علی صحّة العقد الأوّل مع الشرط. فتدبّر.
حکم المبیع إذا اشترط علیه الانتفاع بالمحرّم.
ومنها: أن یشترط علیه الانتفاع بالمحرّم من غیر الحصر فیه.
فحینئذ قد یکون الشرط بحیث لایعتبر بلحاظه شیء وفی مقابله ولو لبّاً، فیکون من قبیل التزام فی التزام محضاً، فلاشبهة فی أ نّه من صغریات أنّ الشرط الفاسد مفسد أم لا.
وقد یعتبر بلحاظه شیء، کما لو باع ما قیمته مائة بخمسین وشرط علیه أن یستفید منه المنفعة المحرّمة لغرض منه فیه، کأن یکون بیته فی جوار المشتری وأراد الاستفادة المحرّمة منه.
ففی مثله یمکن أن یقال: إنّه أیضاً من صغریات کون الشرط الفاسد مفسداً، لأنّ المیزان فی باب المعاملات ملاحظة محطّ الإنشاءات لا اللبّیات، والمفروض أنّ إنشاء المعاملة وقع بین العینین، والشرط خارج عن محطّها، ولهذا لایقسط علیه الثمن أو المثمن، ومجرّد کون زیادة ونقیصة فیهما بلحاظه، لایوجب دخوله فی ماهیّة المعاوضة، ومع عدم الدخول تکون المبادلة بین العینین، والشرط زائد وباطل فیأتی فیه ما یأتی فی الشروط الفاسدة.
ویمکن أن یقال: إنّ المالیّة الملحوظة من قبل الشرط، إذا لم تحصل للطرف
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 182
مع خروج شیء بلحاظها من کیسه، یکون أخذه بلاعوض لبّاً ومن قبیل أکل المال بالباطل حقیقة.
فإذا باع ما قیمته مائة بخمسین وشرط علیه شیئاً یوازی خمسین و لم یحصل له ذلک، یکون مقدار المالیّة الواردة فی کیس الطرف بلاحصول ما بلحاظه له من أکل المال بلاعوض وبباطل، ولاشبهة فی أنّ البائع فی المعاملة المفروضة لم یسقط مالیّة ماله ولم یجعله للمشتری مجاناً، بل جعله بلحاظ الشرط الذی بنظره مال وذو قیمة.
وبعبارة اُخری: إنّ العقلاء لاینظرون إلی ألفاظ المعاملات بل عمدة نظرهم إلی واقعها، وفی اللبّ تکون المقابلة بین العین مع لحاظ الشرط، ومع عدم حصول الشرط له یکون ما بلحاظه بلاعوض واقعاً، وهذا من أکل المال بالباطل.
لایقال: یأتی ما ذکر فی الشروط الصحیحة أیضاً فی صورة تخلّفها، کما لو شرط عربیّة فرس خارجی فبان عدمها، مع أنّ فی تخلّفه الخیار بلا إشکال.
فإنّه یقال: لو قام دلیل من إجماع أوغیره علی الصحّة فی موارد تخلّف الشرط والوصف، نقول بمقتضاهما فی موردهما علی خلاف القواعد دون غیره، فمورد النقض نظیر ما نحن فیه.
والأقرب فی النظر العاجل هو الوجه الأوّل، وإن لایخلو من کلام. ویأتی الکلام فیهما فی أبواب الشروط ـ إن شاء الله وساعدنا التوفیق منه تعالی ـ.
حکم الإجارة والبیع فی المقام سواء
ثمّ إنّ الکلام فی الإجارة نظیره فی المقام، مع أوضحیة البطلان فیها فی بعض الفروع. کما لوآجر بیتاً لیباع فیه الخمر أوآلات القمار، فإنّ البطلان فیه
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 183
واضح. ویظهر حال سائر الصور ممّا تقدّم.
ثمّ إنّ هنا روایات لابأس بالتعرّض لها، کروایة صابر، أو جابر، قال سألت أبا عبد الله ـ علیه السلام ـ عن الرجل یواجر بیته فیباع فیه الخمر، قال: «حرام أجره».
وأنت خبیر بأ نّها مع ضعفها سنداً ولو کان الراوی صابراً، مخالفة للقواعد العقلائیّة والشرعیّة المحکّمة، ضرورة أنّ إجارة البیت إذا لم تکن للانتفاع المحرّم لم تکن أجرته حراماً.
ومجرّد بیع المستأجر فیه الخمرلایوجب حرمة الأجرة، وإلاّ لزم حرمة أجرة الدکاکین والبیوت التی یقع فیها عمل محرّم، أو بیع حرام، وهو کما تری.
فلا محیص عن حملها علی ما إذا آجره لذلک. والمظنون أن یکون «فیباع» مصحّف «لیباع».
وربّما تشهد له روایة دعائم الإسلام عن أبی عبد الله ـ علیه السلام ـ أ نّه قال: «من اکتری دابّة أو سفینة، فحمل علیها المکتری خمراً أو خنازیر أو ما یحرم، لم یکن علی صاحب الدابّة شیء، وإن تعاقدا علی حمل ذلک فالعقد فاسد، والکری علی ذلک حرام».
وصحیحة ابن أذینة، قال کتبت إلی أبی عبدالله ـ علیه السلام ـ أسأله عن الرجل یواجر سفینته ودابّته ممّن یحمل فیها أو علیها الخمر والخنازیر؟ قال: «لابأس».
فإنّ التفصیل فی روایة الدعائم ونفی البأس فی الصحیحة، موافقان
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 184
للقاعدة المحکّمة بناء علی عدم کون المراد بالصحیحة إجارتهما لذلک، کما هو الظاهر منها أیضاً.
حکم بیع الجاریة المغنّیة ونحوها
ومنها: المعاوضة علی عین مشتملة علی صفة یقصد منها الحرام.
ولها صور، لأ نّه تارةً تقصد المعاوضة بین العین الموصوفة مع لحاظ زیادة القیمة لأجل الصفة، کمن باع الجاریة المغنّیة المعدّة للتغنّی ولاحظ لصفة تغنّیها زیادة قیمة.
وأخری تقصد المعاوضة علی الموصوفة بلالحاظ قیمة لأجلها.
وثالثة تلاحظ الصفة من جهة أ نّها صفة کمال فتزاد لأجلها القیمة من غیر نظر إلی عملها الخارجی، فإنّ زیادة القیم فیما هو موصوف بصفة کمال، وإن کانت غالباً للانتفاع بها لالنفسها بما هی کمال، لکن قد تتعلّق الأغراض بها بما هی، فتزاد القیمة لأجلها.
ورابعة هذه الصورة بلا ازدیاد القیمة.
وخامسة تلاحظ الصفة من حیث إنّها کمال قد یستفاد منها الحلال کالتغنّی فی الأعراس، وفی هذه الصورة تارة تکون المنفعة المحلّلة نادرة، وأخری شائعة. إلی غیر ذلک.
والکلام فی وجه الصحة فی الصور المذکورة هو الکلام فی الشروط بما مرّ. وکذا فی وجه الفساد فی الصور التی یبذل فیها المال بلحاظ الصفة، سواء کان بلحاظ ظهور آثارها کما هو الشائع المتعارف فی زیادة القیم أم بلحاظ نفسها
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 185
من حیث هی صفة کمال.
إلاّ أنّ وجه البطلان فی المقام لعلّه الأوضح منه فی الشروط، لأنّ الشروط من قبیل التزام فی التزام، وأمّا فی المقام، فالأوصاف من قیود المبیع، فمقابلة المال لبّاً فی مقابلها أوضح.
فیمکن أن یقال: کما أنّ الجاریة المغنّیة إذا لم تکن لها قیمة إلاّ بلحاظ وصف التغنّی فبیعت موصوفة بمائة دینار، تکون المعاملة باطلة، لأنّ ذاتها لاقیمة لها فرضاً وصفتها ساقطة القیمة شرعاً، ففی محیط الشرع لاتکون لها قیمة ویکون أکل المال بهذا اللحاظ أکلاً بالباطل، لتحکیم دلیل إسقاط المالیّة عنها علی الآیة الکریمة بوجه أشرنا إلیه.
وکذا لو کانت لها قیمة فی غایة القلّة ـ کدرهم ـ مع قطع النظر عن صفة التغنّی فبیعت موصوفة بمائة دینار، یکون أخذ المال بإزائها بلحاظ وصفها أکلاً له بالباطل، وتکون المعاملة فی محیط الشرع سفهیّة.
فکذلک لو بیعت موصوفة مع لحاظ مقدار من المالیّة لصفتها، وأخذه بلحاظها مع سقوطها عن المالیّة فی لحاظ الشارع، فإنّ أکل المال فی مقابل شیء بلحاظ ما لا مالیّة له، أکل له بالباطل.
والأوجه بالنظر بحسب القواعد وإن کان الصحّة، لما تقدّم فی الشروط، لکنّه غیر خال من المناقشة والتأمّل.
هذا حال ما یلاحظ بإزاء الصفة مال، وأمّا مع عدم لحاظه فمقتضی القواعد صحّتها لإطلاق الأدلّة وعمومها وعدم وجه للفساد. ومجرّد توصیف المبیع
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 186
بصفة یترتّب علیها الحرام، لایوجب بطلان المعاملة. ولو فرض صدق الإعانة علی الإثم علیها فی بعض الأحیان، لایقتضی ذلک بطلانها کما یأتی الکلام فیه.
وبما ذکرناه یظهر التأمّل فی کلام شیخنا الأعظم، حیث نفی الإشکال عمّالو لوحظ من حیث إنّه صفة کمال قد تصرف إلی المحلّل، فیزید لأجلها الثمن، وکانت المنفعة المحلّلة لتلک الصفة ممّا یعتدّ بها.
واختار الصحّة أیضاً فیما کانت المنفعة المحلّلة نادرة، وزادت القیمة لأجل صفة الکمال التی قد تصرف إلی المحلّل.
وذلک لأنّ زیادة القیمة لیست لأجل صفة الکمال بما هی کذلک، بل تفاوت القیم فی الأشیاء بلحاظ الانتفاع بها، فصفة الکمال المنتفع بها توجب زیادة القیمة بمقدار مرغوبیّة الانتفاع.
ولو فرض بذل بعض الأشخاص أحیاناً مالاً بلحاظ نفس صفة الکمال، فهو لامحالة لأجل بعض أغراض أخر، لابواسطة مالیّة الصفة بذاتها من غیر جهة انتفاع وإبراز.
فعلیه إنّ بذل المال إن کان للصفة بلحاظ إبرازها المحلّل، وتتقدّر القیمة بلحاظها بتلک الحیثیّة، فلا إشکال فی صحّة المعاملة بحسب القواعد، کانت المنفعة نادرة أم لا. نعم، لابدّ فی النادرة کونها ذات قیمة لدی العقلاء.
وإن زاد القیمة بمقدار الصفة بتمام الحیثیّات المحلّلة والمحرّمة ولوحظت للمحلّلة فقط جزافاً، یأتی فیه الإشکال المتقدّم من احتمال صدق أکل المال بالباطل علیه، سیّما إذا کانت المنفعة النادرة ممّا لاقیمة لها، فإنّ لحاظ القیمة لما لاقیمة لها لایجعلها ذات قیمة، کما أنّ لحاظ زیادتها لایجعلها زائدة، فبذل المال
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 187
بلحاظ ما لامالیّة لها، والزیادة بلحاظ ما لازیادة لها، بذل بلا حصول مقابله لبّاً، وهو نظیر ما تقدّم من احتمال کونه من قبیل أکل المال بالباطل.
هذا بحسب القواعد.
وأمّا بحسب الأخبار، فالظاهر شمول مثل قوله فی التوقیع: «وثمن المغنّیة حرام»
وقوله فی صحیحة إبراهیم بن أبی البلاد: «إنّ ثمن الکلب والمغنّیة سحت»
وقوله فی روایة الطاطری: «شراؤهنّ وبیعهنّ حرام».
للجاریة المغنّیة التی شغلها التغنّی وکانت معدّة لذلک، سواء کان الثمن المجعول فی مقابلها بلحاظ کونها مغنیّة ومنشأ لهذا الأثر کلاً أو بعضاً، أم جعل بلحاظ نفس ملکة التغنّی مقطوع النظر عن العمل، أو مع النظر إلی الأثر المحلّل کالقراءة بحسن صوتها أو التغنّی لزفّ الأعراس، أو بلحاظ ذاتها، أو صفتها الأخری کالخیاطة، لصدق کون ثمنها ثمن المغنّیة، فإنّهاعبارة عن الذات الموصوفة بالصفة المعدّة لذلک، والثمن یجعل فی مقابل الموجودة فی الخارج وهی الجاریة المغنّیة.
ومجرّد عدم لحاظ کون الثمن لصفتها لم یخرجها عنها ولایضرّ بصدق کون الثمن ثمن المغنّیة.
نعم، لوجعل الثمن بإزاء وصفها ـ أی الخیاطة ـ لم یصدق أ نّه ثمن المغنّیة، أو باع الکلی الموصوف بالخیاطة وسلّم الخیّاطة المغنّیة، فکذلک، لکنّ الأوّل مجرّد
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 188
فرض لاواقعیّة له، بل هو باطل بجهة أخری، والثانی خروج عن الفرض والمسألة. وبالجملة إنّ المبیع هو الجاریة الموجودة فی الخارج الّتی هی المغنّیة، والثمن الذی بإزائها ثمن هذه الموجودة المغنّیة.
وهذا نظیر بیع المسکر الخارجی ویجعل الثمن بلحاظ کونه مادّة سیّالة لابلحاظ مسکریته، فإنّه من الواضح صدق کون الثمن بإزائه ثمن المسکر، ومجرّد اللحاظ لایوجب بطلان الصدق.
إن قلت: لعلّ نکتة تحریم ثمنها وجعله سحتاً، هی سقوط مالیّة صفة التغنّی فیکون أکل المال بلحاظ الصفة الساقطة من قبیل أکل المال بالباطل، فالحکم بالحرمة والسحتیّة دائر مدار لحاظ مالیّة لها، کما تقدّم الکلام فیه، فإذا لم یجعل الثمن بلحاظها لم یکن أکلاً للمال بالباطل.
قلت: الظاهر المتفاهم عرفاً من الروایات أنّ الحکم لحرمة ثمنها وبیعها و شرائها، إنّما هو للفساد المترتّب علیها، فأراد الشارع قلع الفساد، أو تقلیله، ولاینقدح فی الأذهان منها کون التحریم لأجل کونه أکلاً للمال بالباطل، بل مع احتمال ذلک فالمرجع إطلاق الأدلّة.
فإذا کانت الجاریة مغنّیة، وأراد المشتری منها التغنّی، وتشبّث بحیلة لتصحیح المعاملة وتملّک الجاریة، وأراد البائع أیضاً تصحیحها وحلیّة ثمنها بجعل الثمن بإزاء ذاتها مجرّدة عن الصفة، أو بلحاظ سائر أوصافها دون صفة التغنّی، أو بإزائها للأثر المحلّل فراراً من الحرام إلی الحلال، لایمکن لهما ذلک ولاتصحّح تلک الحیلة البیع، لصدق أنّ ثمنها ثمن المغنّیة لما عرفت.
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 189
وهذا نظیر أن ینهی المولی عن ضرب الجاریة المغنّیة فضربها لکونها خیّاطة، أو لذاتها حیلة لعدم مخالفته.
إن قلت: إنّ الأخبار محمولة علی الغالب، وهو مورد بیع المغنّیات وتزیید القیمة لصنعتها.
قلت: لو سلّم أنّ الغلبة صارت موجبةً للانصراف فی موارد أخر، لاتوجب ذلک فی المقام، لأنّ مناسبة الحکم و الموضوع وفهم العرف من الروایات نکتة الجعل، توجبان التعمیم بل إلغاء الخصوصیّة لو کانت واردة فی مورد خاصّ، فالانصراف ممنوع والإطلاق محکّم.
نعم لو تابت المغنّیة عن عملها وترکت الاشتغال به، فالظاهر صحّة بیعها وإن قلنا بصدق المشتقّ، لکون المبدأ هو الملکة العلمیّة لا الصنعة والعمل، لانصراف الأخبار عن هذه الصورة. بل یقوی احتمال عدم صدق المشتقّ، لاحتمال أن یکون المبدأ التغنّی، الذی من قبیل الحرفة، فیکون الصدق لاتخاذه حرفة کالمکاری والتاجر، فإذا ترکت الحرفة وأعرضت عنها بطل الصدق، کما أنّ الظاهر انصرافها عمّا إذا کان غرض المتعاملین حفظها عن التغنّی وکان البائع غیر قادر علیه، ولوکانت صفة التغنّی دخیلة فی زیادة الثمن.
نعم، یأتی فیه الإشکال المتقدّم وهو احتمال صدق أکل المال بالباطل.
وأمّا إذا کان غرض المشتری ذلک دون البائع، فالظاهر بطلانه، لشمول الأخبار له سواء علم قصد المشتری، أم لا.
الروایات الواردة فی بیع المغنّیة
ثمّ لو قلنا باستفادة البطلان من قوله: ثمن المغنّیة سحت، أو حرام، کما هو
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 190
الأرجح بالنظر، فهو، وإلاّ صحّت المعاملة، وإن حرّم ثمنها تکلیفاً بعنوان کونه ثمنها.
هذا حال مثل قوله: ثمن المغنّیة حرام وسحت، مع قطع النظر عن مورد الروایات.
وأمّا بالنظر إلیه فلابدّ من نقلها وبیان مفادها:
فمنها: صحیحة إبراهیم بن أبی البلاد، قال: قلت لأبی الحسن الأوّل: جعلت فداک إنّ رجلاً من موالیک عنده جوار مغنّیات قیمتهنّ أربعة عشر ألف دینار و قد جعل لک ثلثها. فقال: «لاحاجة لی فیها، إنّ ثمن الکلب والمغنّیة سحت».
والظاهر منها أنّ الجواری کانت موجودة عند بعض الموالی، وجعل ثلث قیمتهنّ لأبی الحسن ـ علیه السلام ـ.
فالقاعدة تقتضی صحّة الوصیّة لو قلنا بأنّ للجواری المغنّیات قیمة بلحاظ سائر أوصافهنّ، أو بلحاظ ذواتهنّ، وإن زعم الموصی بأنّ لهنّ قیمة بلحاظ التغنّی، وهذا الزعم الباطل لایوجب بطلانها.
فلو فرض أنّ لهنّ قیمة واقعیّة ملحوظة لدی الشارع، کان ثلثها لأبی الحسن ـ علیه السلام ـ.
فردّه الوصیّة دلیل علی أنّ بیعهنّ مطلقاً حرام، وثمنهنّ سحت، سواءتباع بلحاظ قیمة التغنّی، أو بلحاظ غیره، وإلاّ لقال: بعهنّ بلحاظ سائر أوصافهنّ.
واحتمال أن یکون ردّها لمنافاة القبول لمقام شرافته وتنزّهه، مخالف للظاهر من قوله: إنّ ثمنها سحت، فإنّ ظاهره أنّ ردّها لأجل حکم الشارع بأنّ ثمنهنّ
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 191
سحت، مع أنّ القبول بالنحو المتقدّم لاینافی مقامه ـ علیه السلام ـ.
کما أنّ احتمال أن یکون الموصی به قیمتهنّ بلحاظ الصفة المحرّمة، فجعل ثلث مالیّة تلک الجهة له ـ علیه السلام ـ، فتکون الوصیّة باطلة، بعید عن ظاهر الروایة، مع أنّ ترک الاستفصال دلیل علی الحرمة مطلقاً.
کما أنّ احتمال أن لاتکون لهنّ قیمة إلاّ بلحاظ صفة التغنّی بعید غایته، بل مقطوع الخلاف.
ومنها: روایة إبراهیم بن أبی البلاد، قال: أوصی إسحاق بن عمر بجوار له مغنّیات أن نبیعهنّ ونحمل ثمنهنّ إلی أبی الحسن ـ علیه السلام ـ، قال إبراهیم: فبعت الجواری بثلاثمائة ألف درهم وحملت الثمن إلیه، فقلت له: إنّ مولی لک یقال له: إسحاق بن عمر، أوصی عند وفاته ببیع جوار له مغنّیات وحمل الثمن إلیک وقد بعتهنّ وهذا الثمن ثلاثما ئة ألف درهم، فقال: «لاحاجة لی فیه، إنّ هذا سحت، وتعلیمهنّ کفر، والاستماع منهنّ نفاق، وثمنهنّ سحت».
یمکن الاستدلال بها علی البطلان مطلقاً، بأن یقال: لو کان لبیع المغنّیات وجه صحّة و وجه فساد، کان مقتضی القاعدة حمله علی الصحّة لا الحکم بکون الثمن سحتاً، فالحکم به و ردّ الثمن دلیل علی أن لاوجه صحیح فی بیعهنّ.
إلاّ أن یقال بظهورها فی أنّ البیع وقع بلحاظ کونها مغنّیة ولوحظت زیادة القیمة لأجلها، کما هو الغالب الشائع من بیع المغنّیات.
أو یقال بعدم جریان أصالة الصحّة فیما کان الغالب علی خلافها کما فی المقام.
.
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 192
ومع ذلک فترک الاستفصال لایخلو من إشعار بالبطلان مطلقاً.
ومنها صحیحة معمر بن خلاّد عن أبی الحسن الرضا ـ علیه السلام ـ، قال: «خرجت وأنا أرید داود بن عیسی بن علیّ، وکان ینزل بئر میمون، وعلیّ ثوبان غلیظان، فلقیت امرأة عجوزاً ومعها جاریتان، فقلت: یا عجوز، أتباع هاتان الجاریتان؟ فقالت: نعم، ولکن لایشتریهما مثلک. قلت: ولِمَ؟ قالت: لأنّ إحداهما مغنّیة والأخری زامرة...».
ویمکن الاستدلال بها للبطلان مطلقاً بأن یقال: لو کان الاشتراء بلحاظ سائر أوصافهنّ جائزاً، لم یقرّرها علیه، أو أشار إلیه فی نقله لمعمّر بن خلاّد.
إلاّ أن یقال: إنّ العجوز کانت لم تبعهما إلاّ بلحاظ قیمة وصفهما.
حکم المبیع إذا بیع ممّن یصرفه فی الحرام
ومنها: بیع شیء مباح ممّن یصرفه فی الحرام، کبیع الخشب ممّن یعمل صنماً أو بربطاً ونحوهما، وبیع العنب ممّن یعمل خمراً، فتارة یعلم البائع أ نّه یصرفه فی الحرام وأراد ذلک فعلاً، وأخری یعلم بعدم إرادته الحرام لکن یعلم بتجدّد إرادته لذلک، وعلیه تارة یکون البیع أو تسلیم المبیع له موجباً لإرادته کما لو کان العنب جیّداً صالحاً للتخمیر فإذا باعه صار موجباً لإرادته، وأخری یکون تجدّدها لالذلک، وعلی أیّ حال تارة یکون البیع بداعی توصلّه إلی الحرام أو برجاء ذلک، وأخری لایکون کذلک، وعلی أی حال تارة یترک الحرام مع ترکه البیع، وأخری
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 193
لایترک لوجود بائع غیره.
والأولی صرف الکلام أوّلاً إلی الحکم الکلّی، ثمّ الکلام فی الروایات الخاصّة، فیقع الکلام فی مقامین:
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 194