الأمر التاسع فی بعض فروع انتقاض التیمّم مع التمکن من استعمال الماء
لا إشکال نصّاً وفتوی فی انتقاض ا لتیمّم مع ا لتمکّن من استعمال ا لماء وعدم ا لعذر منـه شرعاً وعقلاً ، ومع فقده بعد ذلک افتُقر إ لیٰ تجدیده . کما لا إشکال فی عدم انتقاضـه بخروج ا لوقت ، ولا بإتیان ا لصلاة ، فما عن ا لشافعی من اختصاص أثر ا لتیمّم بصلاة واحدة ، ضعیف . کما لایعوَّل علیٰ روایـة ا لسَکونی ا لمخا لفـة للروایات وفتوی ا لأصحاب .
وإنّما ا لکلام فی بعض ا لفروع :
منها : لو تیمّمت ا لحائض أو ا لمستحاضـة تیمّمین بدلاً من ا لغسل وا لوضوء ، فوجدت ماءً یکفی لواحد منهما لا کلیهما ، فلایخلو إمّا أن تعلم بأهمّیـة أحدهما ا لمعیّن ا لمعلوم ـ کا لغسل ـ أهمّیةً إ لزامیةً ، أو تحتمل ذلک ، أو تعلم بأهمّیة أحدهما ا لمعیّن واقعاً ولا تعرفـه ، أو تحتمل ذلک ، أو تعلم بتساویهما :
فعلی ا لأوّل : ینتقض ما هو بدل ا لأهمّ؛ لحصول ا لتمکّن من استعمال ا لماء لـه ، ولاینتقض بدل ا لمهمّ؛ للعذر عن استعما لـه لـه .
وعلی ا لثانی : ینتقض محتمل ا لأهمّیـة ـ بناءً علی انتقاضهما مع ا لتساوی ، کما یأتی ـ للعلم ا لتفصیلی بانتقاضـه؛ إمّا لکونـه أهمّ ، فیختصّ بالانتقاض ، أو لتساویهما فینتقضان ، وا لآخر محتمل الانتقاض ، فیستصحب بقاؤه .
وعلی ا لثا لث وا لرابع : یحصل ا لعلم بانتقاض أحدهما وبقاء أحـدهما ، فیجب علیها ا لتیمّمان لو قلنا باختلاف کیفیتهما ، وتکتفی بواحد بقصد ما فـی ا لذمّـة لو قلنا باتحادهما کیفیّـة ، کما هو ا لأقویٰ . وکذا مع احتمال ا لأهمّیـة فـی کلّ واحد منهما .
ومع إحراز تساویهما ینتقض ا لتیمّمان؛ لکونها قادرة علیٰ کلّ واحد من ا لغسل وا لوضوء؛ وإن لم تکن قادرة علی ا لجمع ، وا لقدرة علیـه لیست موضوعـة للحکم ، بل ا لقدرة علیٰ کلّ واحد موجبـة لانتقاضـه ، وهی حاصلـة . وهذا ـ بوجـه ـ نظیر باب ا لمتزاحمین؛ حیث قلنا : بأ نّـه لو ترک ا لمکلّف إنقاذ ا لغریقین ، یستحقّ ا لعقوبـة علیٰ ترک کلٍّ منهما؛ للقدرة علیٰ إنقاذه وإن لم یقدر علی ا لجمع ، وهو لیس بمأمور بـه .
ثمّ إنّـه قد یقال : «مع إحراز أهمّیـة ا لغسل لو توضّأت صحّ وضوؤها؛ لقاعدة
ا لترتّب ، ومقتضاها انتقاض ما هو بدل من ا لوضوء أیضاً علیٰ تقدیر ترک ا لغسل . ولو أتلفت ا لماء انتقض ا لتیمّمان» .
وفیـه : ـ مضافاً إ لیٰ ما حرّرنا فی محلّـه من بطلان ا لترتّب ـ أنّ انتقاض ا لتیمّم فی ا لمقام نصّاً وفتوی ، متوقّف علی ا لقدرة ا لفعلیـة علی استعمال ا لماء للوضوء ، وعدمِ محذور فیـه ، وهی لم تحصل إ لاّ باستعمال مقدار من ا لماء للوضوء أو غیره ، أو إتلافِ مقدار منـه؛ بحیث خرجت ا لبقیّـة عن إمکان ا لاغتسال بها ، فحینئذٍ لو استعملت ا لماء لغیر ا لوضوء ، أو أتلفتـه ثمّ توضّأت با لبقیّـة ، صحّ وضوؤها . لکن هذا ا لفرض خارج عن محطّ ا لکلام .
وأ مّا لو استعملت فی ا لوضوء ، فما لم یخرج ا لماء عن إمکان ا لاغتسال بـه ، لم ینتقض تیمّمها؛ لکونها غیر قادرة علی استعما لـه فی ا لوضوء؛ لبقاء ا لعذر ولزوم تقدیم ا لأهمّ .
وإذا تعذّر بالاستعمال ـ کما لو تعذّر بعد غسل وجهها للوضوء ـ انتقض تیمّمها ، فلایمکن أن یقع ذلک ا لوضوء صحیحاً؛ لحصول ا لانتقاض بعد غسل ا لوجـه وصیرورتها محدثـة أثناء ا لوضوء ، نظیر حدوث ا لحدث أثناءه .
وبا لجملـة : انتقاض ا لتیمّم حصل با لوضوء وفی أثنائـه ، فلایقع صحیحاً ، وذلک مـن غیر فـرق بین ا لقول برافعیـة ا لتیمّم حقیقـةً أو حکـماً ، کما لایخفیٰ وجهـه با لتأ مّل .
ثمّ إنّ إتلاف ا لماء لایوجب انتقاض ا لتیمّم بدل ا لوضوء إ لاّ أن یکون تدریجیاً؛ بحیث تقدر علی ا لوضوء بعد سلب قدرتها عن ا لغسل . وأ مّا لو أتلفتـه دفعـة ، فلا موجب لانتقاض بدل ا لأصغر بعد فرض أهمّیـة ا لأکبر؛ لأ نّها قبل ا لتلف
لم تکن قادرة علی استعما لـه فی ا لوضوء ، وبا لتلف تسلب ا لقـدرة عنهما دفعـة ، فلا وجـه لانتقاض مـا هـو بـدل ا لأصغر ، فإطـلاق ا لقول با نتقاضهما با لإتلاف محـلّ إشکال ومنع .
وقد یقال فی فرض عدم ا لأهمّیـة : «إنّهما ینتقضان إن ترکت استعما لـه فیهما إ لیٰ أن یمضی زمان تتمکّن فیـه من فعل کلٍّ من ا لطهارتین؛ لقدرتها علیٰ کلٍّ منهما علیٰ تقدیر ترک ا لآخر ، وقد تحقّق ا لتقدیر فی ا لفرض . وأ مّا علیٰ تقدیر استعما لـه فی أحدهما ، فا لظاهر عدم انتقاض ما هو بدل من ا لآخر؛ لعدم قدرتها علی ا لإتیان بمبدلـه علیٰ تقدیر صرف ا لماء فیما استعملت بمقتضیٰ تکلیفها» .
وفیـه : أنّ مضی ا لزمان بمقدار ا لعمل لا دخا لـة لـه فی قدرتها ، بل هی حاصلـة فی أوّل زمان وجدان ا لماء ا لجائز ا لاستعمال شرعاً وعقلاً؛ فإنّ ا لقدرة علیٰ کلٍّ منهما لیست معلّقـة علیٰ ترک ا لآخر ، بل فعلـه رافع للقدرة؛ لأجل ا لمزاحمـة عقلاً بینهما ، فا لقدرة قبل ا لاشتغال با لعملین حاصلـة با لنسبـة إ لیٰ کلٍّ من ا لعملین ، وبالاشتغال بأحدهما ترفع عن ا لآخر ما دام الاشتغال ، أو مع نقصان ا لماء بالاستعمال .
ومنـه یظهر ا لنظر فی کلامـه ا لأخیر ـ أی عدم الانتقاض علیٰ تقدیر الاستعمال فی صاحبـه ـ لأنّ ا لقدرة کانت حاصلـة لکلٍّ منهما قبل ا لاشتغال با لآخر ، ولایشترط فی ا لانتقاض إ لاّ ذلک .
فا لأقوی انتقاضهما بمجرّد ا لوجدان وا لقدرة علی ا لاستعمال قبل ا لاشتغال بأحدهما ، ولا تأثیر للاشتغال بـه فی عدم ا لانتقاض .
وا لعجب أنّ ا لقائل با لتفصیل فی هذا ا لفرع لم یفصّل فی ا لفرع ا لآخر! فقال :
«لو وجد جماعـة ماءً یباح لهم ا لتصرّف فیـه ، فإن تمکّن کلٌّ منهم من ا لتصرّف فیـه علیٰ وجـه سائغ من غیر أن یزاحمـه غیره ، انتقض تیمّم ا لجمیع ، وإ لاّ انتقض تیمّم ا لمتمکّن خاصّـة» انتهیٰ .
وکان علیـه ا لتفصیل ا لمتقدّم؛ من مضی زمان بمقدار ا لعمل مع ترکهم ا لاستعمال ، ومع استعمال أحدهم حین ا لوجدان یلتزم بعدم ا لانتقاض .
إ لاّ أن یقال : إنّ مراده ذلک ، ولم یصرّح بـه لإیکا لـه إ لی ا لوضوح بعد بیان ا لفرع ا لمتقدّم ، فیرد علیـه ما تقدّم .
والحمدُ لله أوّلاً وآخراً ، وظاهراً وباطناً . وقد وقع الفراغ من هذه الوجیزة فی 11 شهر شعبان ا لمعظّم ، سنة 1376 .