المطلب الثانی فی تطبیق الجواب علی الأسئلة المذکورة وإخراج المقاصد منه بأوضح طریقة
اعلم أنَّ رأس الجالوت سأل عن الرؤوس الخمسة الّتی هی أوائل الموجودات واُصول العوالم والماهیّات، وأجاب الإمام علیه السلام: ببیان لمیّة الإیجاد وسرّ الصدور علی نحو الرشاد ؛ بحیث یظهر علّة وحدة الصادر الأوّل مع کثرته، وهو الذی صدّره السائل فی کلامه حیث قال: ما الواحد المُتکثّر.
أمّا ظهور وحدته فلکونه صادراً عن الواحد المحض، وأمّا کثرة ما فیه فلدلالة کلمة نحن علی ذلک کما لا یخفی، وأجمل علیه السلام فی الجواب عن الأربعة الاُخر لما علم علیه السلام أنَّ السائل إذا عرف أ نّه أجاب بما فوق مسؤوله بل فوق ما أحاط به مأموله من بیان هذا السرّ بذلک الإیجاز المرموز فمن ذلک یمکنه التفطّن بأ نّه علیه السلام أعلم بهذه الحقائق منه، بل انتشرت هذه الأسرار منهم علیهم السلام علی العالمین من الأنبیاء والأولیاء والمرسلین والحکماء الإلهیّین.
وأیضاً أشار علیه السلام فی هذا الإیجاز إلی أنَّ ذلک الصادر الأوّل هو نورهم الساطع وبرهانهم القاطع، حیث قال: «صرنا نحن نحن» لیعلم
کتابالتعلیقه علی الفوائد الرضویهصفحه 153
السائل أ نّهم أوّل من قرع باب الوجود والإیجاد، وأقدم من نظر إلیه الحقّ نظر الرحمة والوداد حینما نظر إلی نفسه، بل بعین ما رأی ذاته بذاته، ثمّ منهم علیهم السلام استنارت سائر الموجودات وتحقّقت الحقائق وتذوّتت الذوات.
وأیضاً لمّا ظهر من کلام الإمام علیه السلام أنّ الواحد المُتکثّر إنّما صدر من المبدأ الأوّل من جهة رؤیة نفسه، فعسی أن یتحدّس الرجل العلمی بأنَّ هذه الرؤیة کما تستتبع صدور هذا المُتکثّر کذلک بعده یستعقب الشوق العقلی والمشیّة الإلهیّة الّتی مظهرها النفس الکلّیة إلی إظهار الجواهر العقلیّة المُودعة فی باطن العقل المُندمجة فی سرّ هذا الوجه فی بساط الشهود وموطن الوجود، وهو یستلزم الإرادة الربّانیّة والعنایة الرحمانیّة الّتی مطلعها الطبیعة الکلیّة ببسط هذا البساط لتحقّق الارتباط، وذلک البساط هو الجسم الکلّی المُعبّر عنه فی السؤال بالجاری المُنجمد، وذلک یقتضی وضع تلک الجواهر فی هذا البسیط وتقدیر أسعارها وتقویم قیمتها، وبیان آجالها وأرزاقها، ومداد أعمارها.
وبالجملة: خیراتها وشرورها بوجود الجسمیّة التعلیمیّة والکمیّة الساریة الاتّصالیّة.
وأیضاً قد استقرّ فیما هدانا الله من البراهین أنَّ هذه الخمسة مرجعها إلی شیء واحد بالذات ؛ لما تقرّر عندنا أنَّ العقل نفس بالعرض کما أنَّ النفس عقل بالذات وطبع بالعرض، وهذا من الأسرار الّتی لا تحملها إلاّ صدور الأحرار، فعلی هذا فالجواب عن الواحد منها جواب عن الکلّ والحمد لله الهادی للسبیل.
کتابالتعلیقه علی الفوائد الرضویهصفحه 154