المقام الثانی : فی مقام الإثبات
فقد یقال ـ القائل المحقّق المیرزا النائینی فی التقریرات ـ : حیث إنّ الاستثناء یرجع إلی عقدالوضع للقضیّة، فقد یتکرّر عقد الوضع فی الجمل المتعدّدة، وقد لا یتکرّر:
فإن لم یتکرّر عقد الوضع ولم یُذکر فی الجملة الأخیرة، فهو راجع إلی الجمیع مثل «أکرم العلماء، وأضفهم، وجالسهم، إلاّ الفسّاق منهم».
وإن تکرّر عقد الوضع وذکر فی الجملة الأخیرة، فالظاهر هو الرجوع إلی الأخیرة فقط؛ لأنّه بعد تکرار الموضوع فی الجملة الأخیرة فقد أخذ الاستثناء محلّه. انتهیٰ ملخّص کلامه.
وفیه : أنّ الاستثناء لیس راجعاً إلیٰ عقد الوضع للقضیّة، بل هو استثناء من تعلُّق الحکم بالموضوع، فکأنّه قال : «تعلَّق وجوب الإکرام بالعلماء إلاّ الفسّاق منهم».
ویدلّ علیٰ ما ذکرنا ما اتّفقوا علیه: من أنّ الاستثناء من النفی إثبات ومن
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 406 الإثبات نفی، ولو رجع الاستثناء إلیٰ الموضوع لم یکن کذلک؛ لأنّ الحکم ـ حینئذٍ ـ متعلّق ب «العلماء» المقیّد ب «غیر الفُسّاق منهم» .
فالتحقیق أن یقال : إنّ الحکم فی الجمل المتعدّدة قد یتکرّر مع اختلافه سنخاً، وکذلک الموضوع، مثل : أن یقال : «أکرم العلماء، وأضف التجّار، وجالس الطلاّب» وکان المستثنیٰ عنواناً کلّیّاً یشتمل علی الضمیر، مثل : «إلاّ الفُسّاق منهم»، فحیث إنّ الضمیر فیه صالح لأن یرجع إلیٰ جمیع الجمل المتعدّدة وإلیٰ الأخیرة فقط، ولیس أحدهما أظهر فی المتفاهم العرفی، یقع الإجمال فی البین بالنسبة إلیٰ غیر الأخیرة، لکنّها القدر المتیقّن من رجوع الاستثناء إلیها؛ لدوران الأمر ـ حینئذٍ ـ بین الرجوع إلیٰ الجمیع وبین الرجوع إلیٰ الأخیرة فقط؛ لبُعد رجوعه إلیٰ غیر الأخیرة، کالاُولیٰ فقط؛ لخروجه عن طریقة المحاورات والاستعمالات.
وکذلک لو لم یشتمل المستثنیٰ علیٰ الضمیر، بل کان مقدَّراً، بل ولو لم یذکر الضمیر ولم یقدّر ـ أیضاً ـ مثل استثناء بنی أسد فی المثال بقوله: «إلاّ بنی أسد»، وفرض اشتمال کلّ واحد من موضوعات الجمل المتعدّدة المتقدّمة علیهم، فلا یبعد ـ أیضاً ـ أنّه کذلک، فیقع الإجمال فی البین؛ لصلاحیّة رجوع الاستثناء إلیٰ الجمیع وإلیٰ الأخیرة فقط.
وقد تتکرّر الأحکام المتعدّدة المتّحدة سنخاً مع تکرّر الموضوعات المختلفة، مثل «أکرم العلماء، وأکرم التجّار، وأکرم الطلاّب»، فهو ـ أیضاً ـ مثل السابق فی الشقوق المتصوّرة للاستثناء والمستثنیٰ.
وقد تتکرّر الأحکام دون الموضوع، بل الموضوع واحد مذکور فی الجملة الاُولیٰ، والأحکام التی فی الجملة الثانیة والثالثة ـ مثلاً ـ متعلّقة بضمیر یرجع إلیه، مثل: «أکرم العلماء وأَضِفْهم وجالِسْهم»، فإن اشتمل المستثنیٰ علیٰ الضمیر، مثل: «إلاّ
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 407 فُسّاقهم»، فالظاهر عرفاً هو الرجوع إلیٰ الجمیع، فإنّه لا یصلح رجوع ضمیر المستثنیٰ إلیٰ الضمائر المتقدِّمة، فلا محالة یرجع إلیٰ «العلماء» الذی هو مرجع الضمائر فی جمیع الجمل، وحاصل المعنیٰ حینئذٍ: أنّ العلماء یجب إکرامهم وضیافتهم ومجالستهم إلاّ فسّاقهم، فلا یجب شیء منها بالنسبة إلیٰ فُسّاق العلماء.
وأمّا القول : بأنّ مرجع الضمیر ـ أی العلماء ـ وإن کان واحداً، إلاّ أنّه یمکن فرض تعدُّده بفرض الحیثیّات المتعدّدة، فالعلماء من حیث إنّهم واجبو الإکرام غیر العلماء من حیث وجوب ضیافتهم، وأنّ الضمیر فی المستثنیٰ راجع إلیهم بإحدیٰ الحیثیّات، فهو وإن صحّ بالنظر الفلسفی، لکن الکلام إنّما هو فی الاستظهار العرفی، وما ذُکر غیر مسموع عند العرف.
وکذلک لو لم یشتمل المستثنیٰ علیٰ الضمیر، لکن قُدِّر فی الکلام، بل لا یبعد أنّه کذلک ولو لم یُقدَّر لو کان المستثنیٰ کلّیّاً، مثل: «إلاّ بنی أسد».
وقد یتکرّر الأحکام المتعدّدة المختلفة سنخاً أو غیر المختلفة، کما فی باب التنازع، مثل «أکرم وأضف وجالس العلماء إلاّ الفسّاق منهم»، وقس علیٰ ذلک ما یُتصوّر فی المقام من الأقسام الاُخر.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 408