فصل (7) فی مقولتی أن یفعل و أن ینفعل

‏‏فصل (7) فی مقولتی أن یفعل و أن ینفعل‏

‏‏ ‏

‏‏قوله:‏‏ لا یقال.‏‏[‏‏4 : 224 / 8‏‏]‏

‏‏الـقائل هو الـشیخ الـسهروردی ـ الـمتوفّیٰ 587 ـ .‏‎[1]‎

‏‏من العبد مصطفیٰ‏

‏‏قوله:‏‏ هو من مقولـة أن یفعل.‏‏[‏‏4 : 225 / 15‏‏]‏

‏‏أقول:‏‏ الـتحقیق أنّـه لا أساس لتلـک الـمقولتین؛ أمّا الـوجـه الـمشترک‏‎ ‎‏بینـه و بین انتفاء مقولـة الـجدة فممّا مضیٰ تفصیلاً عند تقریب الإنکار‏‎ ‎‏لوجودها فی الـصفحـة الـسابقـة من الأماریـة و الـضمیمیـة و غیر ذلک. و أمّا‏‎ ‎‏الـوجـه الـمختصّ بتلـک الـمقولتین و إنکارهما فاُمور:‏

‏‏منها: قد ذکر الـشیخ و تبعـه الـماتن فی کثیر من الـمقامات حتّیٰ فی هذه‏‎ ‎‏الـمباحث و قد مرّ سابقاً و هو أنّا قد ننتقل إلـیٰ وجود شیء فی الـخارج بأن‏‎ ‎‏نجد صدق حدّه علـیٰ الـخارج. و قد أومأنا فی محلّـه أنّ هذه الـقاعدة ممّا‏‎ ‎‏لایصغیٰ إلـیـه فی الـحقائق کما صرّح بها أیضاً کثیر من أهل الـفضل، منهم‏‎ ‎‏الـمحقّق الـدوانی حیث قال: «الـحقائق الـحِکْمیـة لا تقتنص من الإطلاقات‏‎ ‎‏الـعرفیـة»‏‎[2]‎‏ و توضیح الـمسألـة و کیفیـة الـجمع بین الـمطالـب یطلـب من‏‎ ‎‏کتبنا الـتفصیلـیـة. و علـیٰ أیّ تقدیر ما هو الـبرهان عکس تلـک الـقاعدة، و‏‎ ‎‏هو ما لایصدق حدّه علـیٰ الـخارج لیس فی الـخارج، و لم یقم بعد مفهوم لم‏‎ ‎

‏
‏‎

‎‏یصدق علـیٰ الـخارج و یکون فی الـخارج بالـضرورة الـقطعیـة.‏

‏‏إذا عرفت تلـک الـمطالـب فاعلـم: أنّ مقولتی أن یفعل و أن ینفعل لابدّ و‏‎ ‎‏أن یکون إمّا مثل الـکمّ الـصادق علـیٰ الـخطّ الـموجود فی الـخارج بلا‏‎ ‎‏احتیاج إلـیٰ الاشتقاق فی ذلک مثل الـحیوان، فیقال مشیراً إلـیٰ الـخطّ: هذا‏‎ ‎‏کمّ، و هذا لاغبار علـیـه، و الـمقولتان لیستا من ذلک الـقبیل قطعاً.‏

‏‏و إمّا یکون من قبیل الـکیف و الـوضع الـمحتاج إلـیٰ الانسباق فی‏‎ ‎‏صدق الـحدّ علـیٰ الـخارج فیقال ـ فی حمل الـجنس ـ : متکیّف، و فی حمل‏‎ ‎‏الـوضع: متوضّع، و فی حمل الأنواع: أسود و قائم. و أمّا الـمقولتان فلـیستا من‏‎ ‎‏ذلک الـقبیل فلا شیء من الـمبدأ فیهما حتّیٰ یشتقّا منـه الاشتقاق الـغیر‏‎ ‎‏الـجعلـی.‏

‏‏و إمّا یکون مثل الـمکان و الـزمان الـذی یحتاج فی صدق حدّه علـیٰ‏‎ ‎‏موضوعـه إلـیٰ الـحمل الاشتقاق الـجعلـی فیقال: ذو مکان و ذو زمان أو‏‎ ‎‏متزمّن أو متمکّن، بناء علـیٰ کونهما من الـزمان و الـمکان لا الـتزمّن و‏‎ ‎‏الـتمکّن و إن فیـه أیضاً شبهـة من وجـه آخر. و الـمقولتان لیستا من ذلک‏‎ ‎‏الـقبیل، فإنّ الـمقولـة عبارة عن الـتدریج الـحاصل منـه الـتدرّج، و لیس‏‎ ‎‏یصدق علـیٰ الـنار إلاّ عناوین ذاتیـة أوّلیـة و ثانویـة و عناوین عرضیـة مثل‏‎ ‎‏کونـه حارّاً منوّراً یشتعل مشتعلاً بتدرّج، و عنوان کونـه ذا تدرّج و متدرّج لیس‏‎ ‎‏مقولـة کما  صرّح بـه الـماتن.‏

‏‏فتحصّل:‏‏ أنّ جمیع أنواع الـنعوت لیس فی مقولتی أن یفعل و أن ینفعل،‏‎ ‎‏فإذا لم یصدق الـحدّ فی الـخارج فلـیس الـخارج مشغولاً بوجوده قطعاً.‏

‏‏إن قیل: کیف لا یصدق علـیها أنّـه مسخّن و هو الاشتقاق الـغیر‏‎ ‎
‏‎

‎‏الـجعلـی الـصحیح، و فی ظرف الـماء أنّـه متسخّن فیعلـم وجودهما خارجاً.‏

‏‏قلـنا: یصدق الـمبادئ الـعالـیـة أیضاً ذلک و علـیٰ الـهیولی أیضاً‏‎ ‎‏الـعنوان الـمقابل، فإنّ الـعقل یسخّن قطعاً بإعطاء الـسخونـة و الـهیولیٰ‏‎ ‎‏متسخّن بقبولها، فالـتدریج و الـتدرّج الـمعتبران فیهما غیر صادقین و لذلک‏‎ ‎‏یقال کالـتسخین الـتدریجی و الـتسخّن الـتدرّجی، و هما قیدان احترازیان لا‏‎ ‎‏توضیحیان.‏

‏‏إن قلـت: لا یلـزم صدق الـعنوان الـواحد بل یکفی لـکشف الـوجود فی‏‎ ‎‏الـخارج صدق الـعنوانین مثل أنّـه سخّن تدریجاً و أنّـه متسخّن تدرّجاً.‏

‏‏قلـت: إن یحکی بهما الأمر الـواحد فهو، و إلاّ فلا یکفی؛ لما أنّ الـمقولـة‏‎ ‎‏لیست مرکّبـة من الـجنس و الـفصل الـخارجی، و لا ریب أنّ کلاًّ منهما یحکی‏‎ ‎‏عن وجود شیء منجعل فی الـخارج سواء ضمّ بـه الـحاکی الآخر أو لم یضمّ.‏

‏‏و توهّم: أنّهما عند الانضمام یحکی عن الأمر الـثالـث، باطل لاستلـزامـه‏‎ ‎‏الـوضع الـعلـیٰ حدة فی الـمرکّبات، مع أنّـه لیس هکذا.‏

‏‏الأمر الـثانی: قد صرّح الـشیخ و الـمصنّف و غیرهما: أنّ الـکیفیات‏‎ ‎‏الـملـموسـة تنقسم إلـیٰ الـفعلـیـة و الانفعالـیـة. و الـفعلـیـة عبارة عن‏‎ ‎‏الـحرارة و الـبرودة، و الانفعالـیـة عبارة عن الـیبوسـة و الـرطوبـة. فلـوکان‏‎ ‎‏الـتسخّن الـتدرّجی و الـتسخین الـتدریجی من مقولـة أن یفعل و أن ینفعل‏‎ ‎‏یلـزم کون الـواحد مندرجاً تحت الـمقولتین الـمتباینین فی الـخارج و‏‎ ‎‏الـتکوین، و لیس بین الـحرارة الـفعلـیـة و الـتسخین فرقاً واقعیاً إلاّ‏‎ ‎‏بالإضافـة. فالإضافـة لیست من الـمقولتین و الـکیف الـفعلـی الـملـموس‏‎ ‎‏لیس مندرجاً فیهما أیضاً.‏

‏
‏‎

‎‏الأمر الـثالـث من الاُمور الـمقتضیـة لإنکار مقولتی الانفعال و الـفعل‏‎ ‎‏هو: أنّ الـفیض من عالـم الـعقول یتنزّل إلـیٰ عالـم الـکائنات، فالـتنزّل إن‏‎ ‎‏کان دفعـة یلـزم صیرورة کلّ شیء ما ینبغی لـه دفعـة واحدة و هو ضروری‏‎ ‎‏الـبطلان، و إن کان الـفیض دفعـة یتنزّل و الـموادّ الـقابلـة تدریجاً یستفیض‏‎ ‎‏فهو أیضاً ضروری الـبطلان. فلابدّ و أن یکون الـفیض نازلاً بنحو الـتدریج، و‏‎ ‎‏الـقوابل مستفیضاً بنحو الـتدرّج. فإذن یکون الـتدریج و الـتدرّج ـ و هو‏‎ ‎‏الـمقولتان ـ فی الـمفیض و الـمستفیض، و هو محال کما صرّح بـه الأصحاب:‏

‏‏ ‏

‏‏فالـفیض منـه دائم متّصل‏

‏‏و الـمستفیض داثرٌ و زائل‏‎[3]‎

‏‏ ‏

‏‏و الـدوام لاینافی صدق الـتنزّل بنحو الـتدریج، و لا یلـزم الـدفعیـة و‏‎ ‎‏هو محال کما عرفت.‏

‏‏ ‏