المسألة الثالثة فی إحراز الموضوع بالأصل فی الشبهة الموضوعیة
قد عرفت أنّه لا یجوز التمسُّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیّة للمخصِّص، لکن هل یجری فیه أصل موضوعی ینقَّح به الموضوع، وینتج نتیجة التمسُّک بالعامّ فیه، أو لا؟
ذهب بعضهم إلی أنّه لیس فیه أصل موضوعیّ کذلک ـ ذهب إلیه المحقّق العراقی قدس سره فی المقالات ـ لا أصل العدم الأزلی ولا غیره.
وذهب بعض آخر کالشیخ وصاحب الکفایة والحائری قدس سرهم فی بحثه ودرسه إلیٰ جریانه مطلقاً.
وفصّل بعضهم بما سیأتی إن شاء الله .
واستدلّ المحقّق العراقی قدس سره بما حاصله : أنّ تخصیص العامّ وإخراج بعض أفراده عن تحته، لیس إلاّ کانعدام ذلک البعض، فکما أنّ موت بعض الأفراد لا یوجب
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 355 تغیُّر عنوان موضوع حکم العامّ، کالعلماء فی المثال، بل هو باقٍ فی تعلّقه بهذا العنوان کما کان قبل موت ذلک البعض، کذلک التخصیص لا یوجب تغیِّر عنوان الموضوع؛ لأنّه لیس هنا إلاّ إخراج عدّة من الأفراد، ولا یغیّر ذلک موضوع الحکم، فإذا قال فی المثال: «لا تکرم الفسّاق منهم» وشکّ فی فرد أنّه فاسق أو لا، وکان حالته السابقة عدم الفسق، فاستصحاب عدم فسقه إلیٰ الآن وإن أفاد عدم حرمة إکرامه، لکن لایثبت به وجوب إکرامه.
وأمّا ما اشتهر من التمسّک بالعامّ فی عدم شرطیّة ما شُکّ فی أنّه مخالف للکتاب أو السنّة، وکذلک الصلح المخالف لکتاب الله المستثنیٰ من عموم (کلّ صلح جائز) فی إثبات نفوذ المشکوک مخالفته لکتاب الله ، فالسرّ فیه: أنّه کلّما کان رفع الشکّ فیه من وظیفة الشارع فالتمسّک بالعامّ فیه صحیح، وکلّما کان رفع الشکّ فیه وبیانه لیس من وظیفة الشارع، کالشبهات الموضوعیة، فلایصحّ التمسّک فیه بالعامّ، وما ذکر من قبیل الأوّل. انتهیٰ ملخّص کلامه.
ویرد علیه : أنّه فرق بین التخصیص وبین انعدام فرد من العامّ وموته، فإنّ موت بعض أفراد العامّ لا یُغیِّر عنوان موضوع حکم العامّ، بل الحکم بوجوب إکرام جمیع أفراد العلماء باقٍ بحاله، وفعلیّ حتّیٰ بالنسبة إلیٰ من مات منهم، غایة الأمر أنّه معذور فی المخالفة، بخلاف التخصیص، فإنّه وإن لا یغیِّر عنوانه بحسب اللفظ، لکن یغیّره لُبّاً وفی نفس الأمر، فالوجوب متعلِّق ـ بعد التخصیص ـ بالعلماء الغیر الفُسّاق فی الواقع ونفس الأمر، وإن لم یکن کذلک بحسب اللفظ، بل الموضوع بحسبه هو الموضوع قبل التخصیص، وحینئذٍ فالقیاس فی غیر محلّه.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 356 وأمّا ما ذکره فی آخر کلامه فهو خلط فی محطّ البحث؛ لأنّ البحث إنّما هو فی الشبهة المصداقیّة للمخصِّص ، وهی شبهة موضوعیّة خارجیّة أبداً، فلو فُرض الشکّ فی شرط أو صلح أنّه مخالف لکتاب الله أو سنّة نبیّه صلی الله علیه و آله وسلم من جهة الشبهة الحکمیّة، فهو خارج عن محلّ الکلام؛ أی الشبهة المصداقیّة للمخصِّص.
واستدلّ المحقّق الحائری قدس سره فی درسه لجواز إجراء الأصل الموضوعی مطلقاً : بأنّه لو شکّ فی مصداقیّة فرد للخاصّ ـ کالشکّ فی عالم أنّه فاسق أو لا فی المثال ـ وفُرض أنّ حالته السابقة عدم الفسق، جریٰ فیه استصحاب عدم فسقه، وإذا ثبت أنّه غیر فاسق بالأصل وجب إکرامه؛ لأنّ المفروض أنّه یجب إکرام العلماء، وهو ـ أیضاً ـ من أفرادهم، ومع عدم الحالة السابقة لعدم فسقه، أمکن جریان أصل العدم الأزلیّ.
توضیحه : أنّ العوارض علی قسمین: عارض الماهیّة؛ أی الذی یعرضها مع قطع النظر عن الوجودین الذهنی والخارجی، کالزوجیّة للأربعة، وعارض الوجود کالسواد والبیاض، وهو ـ أیضاً ـ إمّا لازم أو مفارق، وحینئذٍ نقول: إنّ القرشیّة ـ مثلاً ـ من عوارض الوجود؛ لأنّها عبارة عن انتساب المرأة إلیٰ قریش، والمرأة وإن کانت إذا وُجدت وُجدت إمّا قرشیّة أو غیر قرشیّة، لکن لو شُکّ فی امرأة أنّها منتسبة إلیٰ قریش أو لا، یمکن أن یُشار إلیٰ ماهیّتها، ویقال: إنّها لم تکن بحسب الماهیّة قرشیّة، فالأصل هو عدم عروض القرشیّة علیٰ وجودها للشکّ فیه، فیشمله عموم: أنّ المرأة التی لیس بینها وبین قریش انتساب تحیض إلیٰ خمسین. انتهیٰ ملخّص کلامه.
أقول : لابدّ هنا من تقدیم اُمور :
الأوّل : أنّ القضایا علیٰ أقسام : لأنّها إمّا بسیطة أو مرکّبة، موجبة أو سالبة، وکلّ منها: إمّا معدولة أو محصّلة.
وذکروا : أنّ النسبة من مُقوِّمات القضیّة، وأنّها مرکّبة من أجزاء ثلاثة:
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 357 الموضوع والمحمول والنسبة بینهما، والاختلاف إنّما هو فی الجزء الرابع، لکنّهم اتّفقوا فی أنّه لابدّ من النسبة بین الموضوع والمحمول فیها.
لکن لیس کذلک، بل منها ما لا تشتمل علیٰ النسبة، بل لا تحکی إلاّ عن الهوهویة والاتّحاد، مثل: «زید زید»، و «زید إنسان» و «الله ـ تعالیٰ ـ موجود» و «الإنسان حیوان ناطق» و «الإنسان ممکن»... إلیٰ غیر ذلک؛ لأنّه لا ریب فی أنّ القضیّة إنّما تحکی عن الواقع ونفس الأمر، ولاریب فی أنّه لیس بین زید ونفسه نسبة وارتباط، وکذلک بین زید والإنسان؛ لاتّحاده معه فی الخارج، وکذلک بینه وبین الوجود، وإلاّ یلزم زیادة الوجود علیٰ الماهیّة فی الخارج، وکذلک بینه وبین الشیء؛ لاتّحاده معه فیه، وإلاّ یلزم التسلسل، وصرّحوا ـ أیضاً ـ بأنّ الإنسان عین الحیوان الناطق، الذی هو حدّ له، وأنّ الفرق بینهما إنّما هو بالإجمال والتفصیل.
وبالجملة : لا ریب فی أنّه لیس بین الموضوع والمحمول فی هذه القضایا نسبة وربط لأحدهما بالآخر فی الواقع ونفس الأمر، بل الموضوع فیها متّحد مع المحمول وعینه ضرورةً، وکذا المعنیٰ المعقول منها ـ أی القضیّة المعقولة منها ـ لأنّ المفروض أنّه معقول منها، ولیس فیها نسبة، فکذلک فی المعقول منها، وإلاّ لم یکن معقولاً منها، وکذلک القضیّة الملفوظة لیس بین الموضوع والمحمول فیها نسبة؛ لأنّها حاکیة عن الواقع، ولیس فی الواقع نسبة بینهما؛ حتّیٰ تَحکی النسبة فی القضیّة الملفوظة عنها، وکذلک المفهوم منها، بل الهیئة فی القضایا المذکورة تحکی عن الاتّحاد والهوهویة الخارجیّة، ومعنیٰ السوالب من هذه القضایا هو سلب الاتّحاد والهوهویّة، فمعنیٰ «أنّ زیداً لیس بحجر» أنّه لیس متّحداً معه فی الخارج، وسمّینا هذا القسم من القضایا بالقضایا المستقیمة غیر المؤوّلة.
ومن القضایا ما تشتمل علیٰ ثلاثة أجزاء : الموضوع والمحمول والنسبة بینهما، نحو: «زید علیٰ السطح»، فإنّه لا یُراد منها أنّ زیداً متّحد مع السطح، ولا مع کونه علیٰ
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 358 السطح؛ لأنّ الکون فیه رابطیّ، وهذا القسم من القضایا التی لا تحکی عن الهوهویّة الخارجیّة سمّیناها بالقضایا المؤوّلة.
وممّا یدلّ علیٰ ما ذکرنا : صدق قولنا: «زید له البیاض»، وعدم صدق قولنا: «زید بیاض»، ولیس ذلک إلاّ لأجل أنّ الهیئة فی الثانی تدلّ علیٰ الهوهویّة والاتّحاد، ولیس خارجُه کذلک. هذا فی الموجبات.
وأمّا السوالب فاختلفوا : فی أنّه هل تشتمل علیٰ نسبة سلبیّة؛ لیکون مفادها ربط السلب، أو أنّه لیس فیها نسبةٌ، وأنّ مفادها سلب الربط والانتساب، فحیث إنّه لیس فی الخارج شریکُ الباری ووجودٌ وارتباط بینه وبین ذلک الوجود، وثبت فی محلّه أنّ صِرف الشیء لا یتکرّر، امتنع أن یکون له تعالیٰ ثانٍ وشریک یتصوّر أنّه شریک الباری فی النفس، ویُحکم بأنّه ممتنع، وأنّه لیس بینه وبین الوجود نسبة وارتباط، وحینئذٍ یحکم بسلب الربط بینهما، وإلاّ فلا یعقل وجود النسبة بین الشیء والعدم فی الخارج؛ لاحتیاجها إلیٰ وجود المنتسبین فیه، وذلک واضح.
وبالجملة : المقصود هو أنّه لیس جمیع القضایا متقوّمة بالنسبة؛ لعدم اشتمال بعضها علیها، بل هی مرکّبة من جزءین، وبعضها مشتملة علی النسبة، وأنّها مرکّبة من ثلاثة أجزاء، وبعضها مرکّبة من أربعة أجزاء، وبعضها من خمسة أجزاء.
الثانی : أنّهم ذکروا أنّ المناط فی صدق القضیة وکذبها هو أنّه إن کان الکلام لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه فهو إخبارٌ وإلاّ فإنشاء.
والحقّ أنّه لیس کذلک، بل التحقیق: أنّ ما به تتقوّم الجملة الخبریّة هو احتمال الصدق والکذب، وأنّ الملاک التامّ لاحتمالهما هو الحکایة التصدیقیّة، سواء کانت
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 359 حکایة عن الهوهویّة التصدیقیّة، أو عن النسبة التصدیقیّة، فإنّ الهیئة فی قولنا: «زید إنسان» تحکی عن الهوهویّة التصدیقیّة، وفی قولنا: «زید علی السطح» عن النسبة التصدیقیّة، بخلاف «رجل عالم» أو «زید العالم» بنحو التوصیف، فإنّ الهیئة فیهما تحکی عن الهوهویّة التصوّریّة وفی «غلام زید» عن النسبة التصوُّریّة؛ لما عرفت من عدم اشتمال جمیع القضایا علی النسبة.
ومناط الصدق والکذب هو مطابقة هذه الحکایة التصدیقیّة ـ سواء کانت إیجابیّة أو سلبیّة ـ للواقع ونفس الأمر وعدمها، مثلاً: لو قال: «زید قائم» أو «فی الدار»، فإن کان زید کذلک فی نفس الأمر فالقضیّة صادقة، وإلاّ فکاذبة.
الأمر الثالث : قد عرفت أنّ القضایا مختلفة ؛ لأنّها إمّا موجبة أو سالبة، وکلٌّ منهما: إمّا محصّلة أو معدولة.
ولها قسم آخر : وهی الموجبة السالبة المحمول، وهی التی تنحلّ إلیٰ قضیّتین، مثل: «زید هو الذی لیس بقائم»، وهذه کالقضایا الموجبات المحصّلات والمعدولات، لابدّ لها من وجود الموضوع؛ لأنّ ثبوت شیء لشیء فرع ثبوت المثبَت له، وإن کان الثابت وصفاً عدمیّاً، بخلاف السالبة المحصّلة، فإنّه یمکن صدقها بانتفاء موضوعها، وأمّا القضیّة الموجبة المحمول فإنّها وإن أمکن تصویرها، مثل : «زید هو الذی قائم»، لکن لم یعدّوها من القضایا المعتبرة فی العلوم.
الأمر الرابع : الموضوع فی القضیّة لابدّ أن یکون: إمّا مفرداً، أو بحکم المفرد کالهوهویّة التصوّریة، مثل: «زید العالم»، أو النسبة التصوّریة، نحو : «غلام زید»، لا جملةً تدلّ علی الهوهویّة التصدیقیّة أو النسبة التصدیقیّة لعدم إمکانه. وأمّا قولنا : «زیدٌ قائمٌ غیرُ عمروٌ جالس»، فمعناه : أنّ هذه الجملة غیر تلک. وکذلک المحمول .
إذا عرفت هذا فنقول : إذا ورد عامّ ، مثل : «أکرم العلماء» ، وخاصّ مثل : «لاتکرم الفُسّاق منهم» من المخصِّص المنفصل، أو کالاستثناء من المخصِّص المتّصل، فلا
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 360 ریب ولا إشکال فی أنّ التخصیص المذکور یوجب تغیُّر عنوان موضوع العامّ بحسب الجدّ، وأنّه العلماء الغیر الفسّاق.
فقال فی «الکفایة» : إنّ الباقی تحت العامّ بعد التخصیص حیث إنّه غیر مُعنوَن بعنوان خاصّ، بل بکلّ عنوان لم یکن ذلک بعنوان الخاصّ، فلجریان الأصل الموضوعی فی الشبهة المصداقیّة ـ إلاّ ما شذّ ـ مجال واسع، فیمکن استصحاب عدم تحقُّق الانتساب بین المرأة المشکوک کونها قرشیّة وبین قریش، فیحکم بأنّها تریٰ الحُمرة إلیٰ خمسین سنة؛ لأنّ کلّ مرأة کذلک إلاّ القرشیّة. انتهیٰ حاصله.
وقال الاُستاذ الحائری قدس سره فی درسه : إنّه یمکن أن یُشار إلیٰ المرأة المشکوکة، فیقال: هذه لم تکن بحسب الماهیّة فی الأزل قرشیّة، فیُستصحب عدم قرشیّتها، ویحکم علیها بأنّها تریٰ الحمرة إلیٰ خمسین سنة، وقال الشیخ الأعظم قدس سره ما یقرب من هذا المعنیٰ.
أقول : قد عرفت أنّ التخصیص لا یوجب تغیّر عنوان موضوع حکم العامّ، وحینئذٍ فإمّا أن یصیر الموضوع بعد التخصیص: هو کلّ امرأة متّصفة بأنّها غیر قرشیّة بنحو القضیّة المعدولة، وإمّا بنحو الموجبة السالبة المحمول، مثل: «کلّ امرأة لیست قرشیّة»، لا بنحوٍ یجعل القضیّة موضوعة للحکم؛ لما عرفت أنّه غیر ممکن، بل المراد أخذ الموضوع نظیر المعدولة أو الموجبة السالبة المحمول.
ولا یمکن أن یؤخذ الموضوع بنحو السالبة المحصّلة، التی یمکن صدقها بانتفاء الموضوع، مثل : «کلّ امرأة لیست قرشیّة» ولو لعدم وجود المرأة؛ لأنّه لا یعقل أن یُحکم بإثبات حکمٍ لموضوعٍ عدمیٍّ، نعم لو فُرض وجود الموضوع ـ کالمرأة فی المثال ـ أمکن أخذ الموضوع بنحو السلب المحصّل أیضاً.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 361 فإن اُخذ الموضوع بعد التخصیص بأحد النحوین الأوّلین ـ أی بنحو العدول أو الموجبة السالبة المحمول ـ فلا ریب فی أنّ استصحاب عدم القرشیّة بأحد النحوین المذکورین، فرع ثبوت الموضوع، ولیس للاستصحاب المذکور حالة سابقة؛ لأنّه لم تکن المرأة موجودة فی زمان سابق متّصفةً بعدم القرشیّة؛ کی یستصحب ذلک العدم. واستصحاب العدم الأزلی لا یفید؛ لأنّ عدم تحقّق الانتساب بینها وبین قریش فی الأزل إنّما هو بانتفاء الموضوع، مضافاً إلیٰ أنّ ذلک الأصل لا یُثبت عنوان «المرأة التی لیست بقرشیّة».
وإن اُخذ بنحو السالبة المحصّلة مع فرض وجود الموضوع، فلیس للمستصحب حالة سابقة؛ لأنّها لم تکن موجودة فی زمان مع العلم بعدم قرشیّتها کی یُستصحب ذلک العدم.
ولو سُلِّم أنّه اُخذ فی الموضوعِ المرأةُ مع عدم کونها قرشیّة بنحو السلب المحصّل ولو بانتفاء الموضوع، وأغمضنا النظر عن عدم معقولیّته، فإنّه یرد علیه :
أوّلاً: أنّ القضیّة المتیقّنة فیه لیست متّحدة مع المشکوکة، لأنّ القضیّة المتیقّنة هو عدم کون المرأة قرشیّة لأجل عدم وجودها، وأمّا القضیّة المشکوکة فهی عدم قرشیّة المرأة الموجودة المشار إلیها ب «هذه»، وهی فرد خاصّ من المرأة، ویشترط فی الاستصحاب اتّحاد القضیّة المتیقّنة والمشکوکة.
وثانیاً : أنّ هذا الاستصحاب مثبِت؛ لأنّ صدق السالبة ـ ولو بانتفاء الموضوع ـ أعمّ من صدقها مع وجود الموضوع، فاستصحاب عدم القرشیّة بنحو السلب المحصّل ـ بانتفاء الموضوع الذی هو أعمّ ـ لا یثبت عدم القرشیّة بنحو السلب المحصّل مع وجود الموضوع؛ لأنّ عدم قرشیّة هذه المرأة أثر عقلیّ للمستصحب المذکور، وحینئذٍ فما ذکروه فی المقام لا یمکن تصحیحه بوجه من الوجوه.
هذا کلّه بالنسبة إلیٰ استصحاب العدم الأزلی فی الموارد التی لیست لها حالة سابقة.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 362 وأمّا لو فرض أنّ للمستصحب حالة سابقة، فلا إشکال فی الاستصحاب الموضوعی فی الجملة فی بعض الموارد، لا فی جمیعها.
توضیح ذلک : أنّه إذا ورد «أکرم العلماء» وخُصّص بقوله: «لا تُکرم الفُسّاق منهم»، وفُرض الشکّ فی فرد أنّه فاسق أو لا، فقد عرفت أنّ الخاصّ یغیّر عنوان العامّ بحسب الجدّ، وأنّ الموضوع للعامّ بحسب الجدّ هو العالم الغیر الفاسق؛ بنحو العدم النعتی، أو الموجبة السالبة المحمول.
فإن کان للفرد المشکوک حالة سابقة، وکان مسبوقاً بعدم الفسق فی الزمان السابق، مع العلم ببقاء علمه، وإنّما الشکّ فی بقاء عدالته، فلا إشکال فی جریان استصحاب عدم فسقه، فیحکم بأنّه عالم غیر فاسق، ویُنقَّح به موضوع وجوب الإکرام، فیجب إکرامه.
ولو علم باتّصافه بعدم الفسق سابقاً وعدم اتّصافه بالعلم، ثمّ صار عالماً بالوجدان، وشکّ فی بقاء عدالته وعدم فسقه، ففی جریان الاستصحاب إشکال؛ لأنّ موضوع العامّ بحسب الجدّ هو عنوان العالم الغیر الفاسق، واستصحاب عدم فسق زید لا یثبت هذا العنوان، غایة الأمر أنّه بعد استصحاب عدم فسق زید، وبعد العلم بصیرورته عالماً، یحکم العقل بأنّه عالم غیر فاسق، لکنه حکم عقلیّ لیس بمستصحب، والمستصحب هو عدم فسق زید، لا العالم الغیر الفاسق کی ینقّح به موضوع حکم العامّ، مع أنّه یعتبر فی استصحاب الموضوعات ترتُّب أثرٍ شرعیٍّ علیها، بل معنیٰ الاستصحابات الموضوعیة هوإثبات صغریٰ لکبریٰ کلّیّة شرعیّة، وأمّا خفاء الواسطة التی ذکروها، فإن کان بحیث یُعدّ الأثر للمستصحب عرفاً فهو صحیح، وإلاّ فلا.
ولو علم اتّصاف زید بالعدالة فی الزمان السابق، وعلم باتّصافه بالعلم کذلک، لکن لم یعلم اتّحاد الزمانین فی السابق؛ بأن لم یعلم بعدالته فی زمان اتّصافه بالعلم، أو فی غیر ذلک الزمان، فهو مثل القسم الثانی فی عدم جریان الاستصحاب؛ لعین ما ذکر.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 363 وبالجملة : المناط فی جریان الاستصحاب فی الشبهات المصداقیّة للمخصِّص، هو کون المستصحب عین موضوع العامّ، لا ما یلازمه عقلاً.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 364