الأمر التاسع : شمول النزاع لعنوانین غیر متساویین
قد عرفت أنَّ محط البحث هو جواز تعلُّق حُکمین فعلیّین متصادقین علیٰ موضوعٍ واحدٍ، فإن تباین العنوانان فهو خارج عن محلّ النزاع؛ لعدم تصادقهما علیٰ واحد، وکذلک إن تساویا، وإن یتوهم شمول محطّ البحث لهما، لکن لاریب فی عدم إمکان الأمر بعنوان والنهی عن عنوان متصادقین فی جمیع الأفراد.
وأمّا العموم والخصوص المُطلق فهو علیٰ قسمین :
أحدهما : العموم والخصوص بحسب المورد، مثل الضاحک والحیوان .
وثانیهما : العموم والخصوص المُطلق بحسب المفهوم، بأن یکون مفهوم العامّ مأخوذاً فی مفهوم الخاصّ، وذلک مثل المطلق والمقیّد، مثل الحیوان والحیوان الأبیض.
أمّا القسم الأوّل : کما إذا قال : «أکرم ضاحکاً» و «لا تکرم الحیوان» فکل واحدٍ منهما عنوان مستقلّ یتصادقان علیٰ واحدٍ، فیشملهما البحث، وإن ذکر الُمحقّق القمی والمیرزا النائینی خروج العام والخاص المُطلقین عن محلّ النزاع مطلقاً، لکن لا إشکال فی شموله لهذا القسم وفاقاً «للفصول» لکنَّه قائل بشموله لکلا القسمین.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 219 وأمّا القسم الثانی : فقد یقال بخروجه عنه، لأنّ الإطلاق فی المُطلق لیس قیداً أو جزءً للموضوع، بل الموضوع فیه نفس الطبیعة التی هی متعلَّق الأمر مثلاً، والمقیّد هو الطبیعة ـ أیضاً ـ المتعلّقة للنهی لکن مع قید، فیلزم تعلُّق الأمر والنهی بشیءٍ واحدٍ وهو الطبیعة، وهو محال خارج عن محلّ النزاع.
لکن الأمر لیس کذلک، فإنَّ الموضوع فی المُطلق وإن کان هی الطبیعة، ولیس الإطلاق جزءً للموضوع، لکن الموضوع للحکم الآخر هو المُقیّد، وهما عنوانان مُتغایران مُتصادقان علیٰ موضوع واحد.
بل یمکن أن یُقال : إنَّ متعلَّق النهی فی «لا تصلِّ فی الدار المغصوبة» هو الکون فیها، فهو مع الأمر بطبیعة الصلاة من القسم الأوّل؛ أی العموم والخصوص المُطلق بحسب المورد الذی عرفت أنَّه لا إشکال فی شمول محطّ البحث لهما.
نعم : المطلق قد یتّحد مع المقیّد فی الخارج، ولا یضرّ ذلک بما ذکرناه.
وأمّا العموم من وجه فهو محلّ النزاع مطلقاً، سواء کان العنوانان المتعلّقان للأمر والنهی من الأفعال الاختیاریة للمکلَّف، کالغصب والصلاة، أم لا، کالموضوعات الخارجة عن اختیار المکلَّف، کالعالم والفاسق، وسواء کانا من الأفعال الاختیاریة أوَّلاً وبالذات، کالصلاة والغصب أیضاً، أم من الأفعال التولیدیّة التی لیست من الأفعال الاختیاریّة أوّلاً وبالذات، لکنّها اختیاریة بالعَرض وبالواسطة؛ أی بواسطة أسبابها ومولّداتها کالتعظیم؛ بناءً علیٰ أنّه عنوان یحصل بالقیام عند مجیء شخص، وسواء کان تصادق العنوانین علیٰ مصداق خارجی انضمامیّاً ـ مثل الصلاة والغصب ـ بناءً علیٰ ما ذکره بعض، أو اتحادیّاً ـ مثل العالم والفاسق ـ خلافاً للمیرزا النائینی قدس سره فی المقامات الثلاثة، فإنّه قدس سره قیَّد محل البحث فی العامین من وجه بما إذا کانا من الأفعال الاختیاریة للمکلَّف أولاً وبالذات، وبما إذا کان التصادق فی الخارج
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 220 انضمامیاً لا اتحادیاً، ومنشأ ذلک هو أنَّ نظره قدس سره أنَّ امتناع اجتماع الأمر والنهی إنَّما هو لاتحاد العنوانین فی الخارج، لکن سیجیء ـ إن شاء الله ـ أنَّه لا فرق بین الأقسام المذکورة فی أنَّ جمیعها محل الکلام، وأنّ صورة اتّحاد العنوانین فی الخارج وجوداً وماهیة ـ أیضاً ـ محل البحث، وأنَّه یجوز الاجتماع فیهما، لأنَّ الأحکام متعلّقة بالطبائع والعناوین، لا بالموجود فی الخارج.
وأمّا التقیید والتخصیص بالأفعال الاختیاریة بالذات، فهو مبنیّ علی القول بأنَّ الأوامر والنواهی المُتعلقة بالأفعال التولیدیة، لابُدَّ وأن ترجع إلیٰ أسبابها ومولّداتها، وأمّا بناءً علیٰ القول بعدم إرجاعها إلیها فهی مشمولة للبحث أیضاً، لکن قد عرفت أنَّ المُتعین هو الثانی.
بل یمکن أن یُقال : بأنَّه بناءً علی القول الأوّل ـ أیضاً ـ یمکن شمول البحث لها، فإنَّ القیام بقصد التعظیم لزید عنوان، والقیام لتعظیم عمرو عنوان آخر، وإن تصادقا علی ما لو قام عند مجیئهما معاً، وقد عرفت أنَّ الاتحاد فی الوجود لا یضرّ فی جواز الاجتماع.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 221