المبحث العاشر الملازمة بین حرمة الشیء وحرمة مقدّماته
ثمّ لو فرض ثبوت الملازمة بین وجوب ذی المقدّمة وبین وجوب المقدّمة، فهل تثبت بین حرمة الشیء وحرمة مقدّماته، فتحرم مقدّمة الحرام مطلقاً، أو التفصیل ـ کما اختاره فی «الکفایة» ـ بین المقدّمة التی یترتّب علیها الحرام بدون توسیط إرادة بینهما، کالأفعال التولیدیّة مثل الإحراق ونحوه، وبین المقدّمة التی یبقیٰ معها الاختیار للمکلّف فی ارتکاب الحرام وعدمه بتوسّط الإرادة بینهما فقط، والإرادة وإن استلزمت صدور الفعل، لکن لا یتعلّق بها حکم؟
ففی الصورة الاُولیٰ : یترشّح من طلب ترک الحرام طلب ترک مقدّمته، دون الصورة الثانیة، فلا یترشّح من الزجر عن شیء الزجرُ عن مقدّماته.
وفیه : أنّ ما ذکره من حرمة المقدّمة فی الصورة الاُولیٰ مسلّم، لکن لا أظنّ أن یوجد للشِّقّ الثانی مثال، فإنّ تحریک العضلات والالتقام ومضغ الطعام والبلغ فی أکل الحرام من المقدّمات التی یُتوسّط الإرادة فیها بین الإرادة والأکل والشرب، فیمکن أن لا یرتکب الحرام ولو بعد إرادته، فلا یوجد فعل یوجده الشخص بإرادته فقط، إلاّ أن
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 99 یکون عارفاً فإنّ العارف یخلق بهمّته.
وقال فی «الدرر» : إنّ العناوین المحرّمة علیٰ ضربین:
أحدهما : أن یکون العنوان بما هو مبغوضاً من دون تقیید بالاختیار وعدمه من حیث المبغوضیّة، وإن کان له دخل فی استحقاق العقاب إذ لا عقاب إلاّ علیٰ الفعل الصادر باختیار الفاعل.
الثانی : أن یکون الفعل الصادر عن إرادة واختیار مبغوضاً؛ بحیث لو صدر لا عن اختیار لم یکن مبغوضاً ومنافیاً لغرض المولیٰ، کالأفعال التولیدیة.. إلیٰ أن قال:
ففی القسم الأوّل : إن کانت العلّة مرکّبة من اُمور یتّصف المجموع منها بالحرمة، تکون إحدیٰ المقدّمات ـ لا بشخصها ـ محرّمة، إلاّ إذا أوجد باقی المقدّمات، وانحصر اختیار المکلّف فی واحد معیّن، یجب ترکه معیّناً من باب تعیّن أحد أفراد الواجب التخییریّ بالعَرض، فإنّ ترک أحد الأجزاء واجب علیٰ سبیل التخییر، فإذا وجد الباقی، وانحصر اختیار المکلّف فی واحدة منها معیّنة، یجب ترکها.
وأمّا الثانی : ـ أعنی ما إذا کان الفعل المقیّد بالإرادة محرّماً، فلا تتّصف الأجزاء الخارجیّة بالحرمة؛ لأنّ العلّة التامّة للحرام هی المجموع المرکّب منها ومن الإرادة، ولا یصحّ إسناد الترک إلاّ إلی عدم الإرادة؛ لأنّه أسبق مرتبةً من سائر المقدّمات ـ فقد عُلم ممّا ذکرنا أنّ القول بعدم اتّصاف المقدّمات الخارجیّة للحرام بالحرمة مطلقاً؛ لسبق رتبة الصارف وعدم استناد الترک إلاّ إلیه، ممّا لا وجه له، بل ینبغی التفصیل. انتهیٰ.
أقول : ویرد علیٰ ما ذکره فی القسم الأوّل : أنّه بعد الإتیان بالأخیرة من المقدّمات، أیضاً یتمکّن المکلّف من ترک الحرام بإرادة عدمه وترکه کالشرب مثلاً، والإرادة ـ أیضاً ـ لا تتّصف بالوجوب والحرمة ـ بناءً علیٰ أنّها غیر اختیاریّة علیٰ ما
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 100 ذهب إلیه بعضهم ـ فلا تتّصف واحدة من المقدّمات بالحرمة.
ویرد علیٰ ما ذکره فی القسم الثانی : أنّ الإرادة فی الفرض جزء المبغوض؛ لأنّه قدس سره فرض أنّ الفعل وحده فیه لیس مبغوضاً، بل هو مع الإرادة، فحرمتها لیست لأجل أنّها مقدّمة، بل لأنّها نفس المحرّم.
ولو سلّم ذلک ـ بتوجیه أنّ التقیّد داخل والقید خارج ـ یرد علیه ما أوردناه علیٰ ما فی «الکفایة»: من أنّه یتوسّط بین الإرادة والفعل مقدّمات اُخر، کالأخذ بالید وتحریک عضلات الحلق فی الشرب، ولابدّ فی کلٍّ منها من إرادة مستقلّة، فیتمکّن المکلّف من ترک الفعل مع وجود أصل إرادته أیضاً.
والتحقیق فی المقام : یستدعی تقدیم مقدّمة، وهی : أنّ الحرمة هل هی عبارة عن المبغوضیة، أو أنّها عبارة عن طلب الترک، أو أنّها عبارة عن المنتزع عن الزجر عن الشیء؟ والحق هو الأخیر فی قبال الوجوب المنتزع عن الأمر بشیء والإغراء نحوه، فکما أنّ الأمر عبارة عن إغراء المکلّف نحو الفعل، کذلک النهی عبارة عن زجره عن الفعل، کإغراء الکلب نحو الصید، أو زجره عنه بالألفاظ المخصوصة، ولیست الحرمة عبارة عن البغض بالنسبة إلیٰ الفعل، فإنّ البغض کالحبّ متقدّم علیٰ الزجر والبعث بمرتبتین؛ تعلُّقهما بالشیء أوّلاً، ثمّ إرادته أو کراهته، ثمّ یقع الزجر أو البعث، وحینئذٍ فالحرمة لیست عین البغض، کما أنّ الحبّ لیس عین الوجوب؛ لعدم إمکانه، فما یظهر من المحقّق العراقی قدس سره من أنّ الحرمة عبارة عن البغض، غیر صحیح.
إذا عرفت ذلک نقول : بناءً علیٰ ثبوت الملازمة بین وجوب ذی المقدّمة وبین وجوب المقدّمة، هل هی متحقّقة بین حرمة الشیء وبین مقدّماته مطلقاً، أو لا مطلقاً، أو التفصیل بین مقدّماتها: بحرمة بعضها المعیّنة، أو الغیر المعیّنة؟ وجوهٌ.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 101 والحقّ : هو عدم حرمتها مطلقاً؛ وإن قلنا بالملازمة بین مقدّمة الواجب وبین ذیها؛ وذلک لأنّ وجوب المقدّمة علیٰ تقدیره إنّما هو لأجل توقّف ذی المقدّمة علیها، فلو توقّف علیٰ کلّ واحدة منها وجبت کذلک؛ بحیث لو لم یأتِ بواحدة منها لم یتمکّن من فعل ذی المقدّمة، فیمکن اتّصاف جمیعها بالوجوب، بخلاف مقدّمات الحرام، فإنّه لا یتوقّف ترک الحرام علیٰ ترک مقدّماته کلاًّ أو بعضاً؛ بحیث لو فرض أنّ المکلّف أتیٰ بجمیع مقدّماته، فهو مع ذلک مختار فی فعل الحرام وترکه بالإرادة وتحریک عضلات الحلق ـ مثلاً ـ فی شرب المحرّم وازدراده وعدمها، کما لا یخفیٰ، فلا دخل لإیجاد المقدّمات فی اختیار الفعل وعدمه، بخلاف مقدّمة الواجب، فإنّها من حیث توقّف ذو المقدّمة علیٰ کلّ واحدة منها، أمکن اتّصاف کلّ واحدة منها بالوجوب، وهو واضح.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 102