الفصل الثانی عشر فی مقدّمة الواجب
الخامس من الاُمور : المقدّمة المتأخرة
نسخه چاپی | ارسال به دوستان
برو به صفحه: برو

نوع ماده: کتاب فارسی

پدیدآورنده : تقوی اشتهاردی، حسین

محل نشر : تهران

ناشر: موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی(ره)

زمان (شمسی) : 1385

زبان اثر : عربی

الخامس من الاُمور : المقدّمة المتأخرة

الخامس من الاُمور : المقدّمة المتأخرة

‏أنّ المقدّمة تنقسم إلیٰ أقسام بحسب تقدّمها وتأخّرها عن ذی المقدّمة‏‎ ‎‏واقترانها: إلیٰ المقدّمة المتقدّمة بحسب الوجود عن ذی المقدّمة، والمتأخّرة، والمقارنة.‏

‏واختلفوا فی تصویر المتأخّرة وإمکانها، وعبّروا عنها بالشرط المتأخّر‏‎[1]‎‏،‏‎ ‎‏کالأغسال اللیلیّة للمستحاضة بالنسبة إلیٰ صحّة صوم الیوم الماضی، وکالإجازة‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 15

‏فی البیع الفضولی علیٰ القول بالکشف الحقیقی، بل وکذلک فی الشرط المتقدّم‏‎[2]‎‎ ‎‏علیٰ أقوال:‏

أحدها :‏ إمکانهما مطلقاً، سواء کان فی التکوینیّات، أم فی التشریعیّات.‏

وثانیها :‏ عدم إمکانهما مطلقاً.‏

ثالثها :‏ التفصیل بین التکوینیّات فلا یمکن، وبین التشریعیات فیمکن.‏

‏واستدلّوا علیٰ عدم الإمکان : بأنّ الشرط من أجزاء العلّة التامّة، فلا یمکن‏‎ ‎‏تأثیر المتأخّر منه وکذلک المتقدّم منه علیٰ المشروط؛ لوجوب اقتران العلّة التامّة‏‎ ‎‏بمعلولها، فکذلک أجزاؤها.‏

‏واختار فی «الکفایة» الإمکان مطلقاً فی التکوینیّات والتشریعیّات، سواء کان‏‎ ‎‏شرطاً للتکلیف أو الوضع أو المأمور به، لکنّه لم یبیّن وجه الإمکان فی مقام‏‎ ‎‏الاستدلال فی التکوینیّات‏‎[3]‎‏.‏

‏واختاره المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ أیضاً، واستدلّ علیه بأنّه لا شبهة فی أن المقتضی‏‎ ‎‏لوجود المعلول لیس هو طبیعة العلّة، بل حصّة خاصّة منها؛ مثلاً: النار تقتضی‏‎ ‎‏الإحراق، لکن لیس المؤثر فیه هو طبیعة النار، بل حصّة خاصّة منها، وهی التی تُماسّ‏‎ ‎‏الجسم المستعدّ بالیبوسة لقبول الاحتراق، وأمّا الحصّة التی لا تُماس الجسم المستعدّ‏‎ ‎‏للاحتراق فلا یعقل أن تؤثّر فی الإحراق، فهذه الحصّة المقتضیة لابدَّ لها من محصِّل‏‎ ‎‏خارجی، فما به تحصل خصوصیّة الحصّة المؤثّرة یسمّیٰ شرطاً، والخصوصیّة المذکورة:‏‎ ‎‏عبارة عن النسبة القائمة بتلک الخصوصیّة الحاصلة من إضافة الحصّة المزبورة إلیٰ‏‎ ‎‏شیء ما، وذلک الشیء المضاف إلیه هو الشرط، فالمؤثِّر هو نفس الحصّة الخاصّة‏‎ ‎‏المقتضیة، والشرط هو محصِّل خصوصیّتها، وهو طرف الإضافة المذکورة، وما شأنه‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 16

‏ذلک جاز أن یتقدّم علیٰ ما یضاف إلیه، أو یقترن به، أو یتأخّر عنه.‏

‏ثمّ أورد علیٰ ذلک : بأنّ ذلک یقتضی تأثیر الحصّة من النار مع الیبوسة المتقدّمة‏‎ ‎‏أو المتأخّرة فی الجسم.‏

‏وأجاب : بأنّا لم ندّعِ أنّ مطلق الإضافة توجب خصوصیّة فی المضاف یکون‏‎ ‎‏بها مقتضیاً للمعلول، بل الإضافة الخاصّة.‏

‏والحاصل : أنّ الشرط هو مُحصِّص الحصّة ومحصّلها، وهو الإضافة، والمؤثّر هو‏‎ ‎‏الحصّة‏‎[4]‎‏. انتهیٰ ملخّصه.‏

أقول :‏ لاریب فی أنّ الإضافة التی ذکرها من الاُمور الاعتباریّة، فمع تسلیم ما‏‎ ‎‏ذکره من الحصّة یلزم أن یؤثّر الأمر الاعتباری فی التکوینی، وهو واضح البطلان؛ لأنّ‏‎ ‎‏ما ذکره من الحصّة ـ أیضاً ـ من الاُمور الاعتباریّة، وهو صحیح فی مثال النار، لکن‏‎ ‎‏لا یختصّ النزاع به، بل هو أعمّ، مضافاً إلیٰ أنّ ما ذکره غیر معقول أصلاً.‏

توضیحه :‏ أنّ القضیّة : إمّا موجبة أو سالبة، وکلّ واحد منهما إمّا محصّلة أو‏‎ ‎‏معدولة، والسالبة لا تستدعی وجود الموضوع، لکن الموجبة مطلقاً ـ سواء کانت‏‎ ‎‏معدولة أو محصّلة ـ تستدعی وجود الموضوع: إمّا ذهناً، مثل قولنا: المعدوم المطلق لا‏‎ ‎‏یُخبر عنه، وإمّا خارجاً إلاّ أن یرجع إلیٰ السالبة، مثل : «شریک الباری ممتنع»، فإنّ‏‎ ‎‏مرجعه أنّه لیس بموجود البتّة؛ لأنّ ثبوت شیء لشیء فرع ثبوت المثبت له.‏

‏إذا عرفت ذلک نقول : إنّه ‏‏قدس سره‏‏ إن أراد أنّ صوم المستحاضة صحیح فعلاً؛‏‎ ‎‏لإضافته إلیٰ الأغسال اللیلیّة الآتیة ـ أی الأغسال المتوهّمة الخیالیّة بأن یکون طرف‏‎ ‎‏الإضافة هو الغسل المتوهّم الخیالی ـ ففساده واضح؛ لاستلزامه القول بأنّ الشرط هو‏‎ ‎‏الغسل الخیالی المتوهّم.‏


کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 17

‏وإن أراد أنّ طرف الإضافة هو نفس الغسل حقیقة، وأنّها فعلاً موجودة، فهو‏‎ ‎‏طرف الإضافة لاحتیاج الإضافة إلیٰ متضایفین، مع أنّه معدوم فعلاً.‏

‏ففیه : أنّ صدق الموجبة ـ کما عرفت ـ یتوقّف علیٰ وجود الموضوع، فلا یصحّ‏‎ ‎‏أن یقال: إنّ غسل اللیلة الآتیة طرف للإضافة الفعلیّة، وهو مضاف.‏

‏ویرد هذا الإشکال علیٰ من جعل الشرط هو تعقُّب صوم المستحاضة بالغسل،‏‎ ‎‏أو تعقُّب العقد الفضولی بالاجازة، وهو مقارن للصوم والعقد، ولیس متأخّراً‏‎[5]‎‏؛‏‎ ‎‏وذلک لأنّه کما أنّ الإضافة تستدعی وجود المتضایفین فعلاً، وبدونه لا یمکن تحقُّقها‏‎ ‎‏فعلاً، کذلک المعنیٰ الإضافی کعنوان التعقُّب، فإنّه یستدعی وجود المتعقِّب ـ بالکسر ـ‏‎ ‎‏أی الإجازة والمتعقَّب ـ بالفتح ـ أی العقد، فلا یمکن وجود عنوان التعقُّب بدون‏‎ ‎‏وجود المتعقِّب، وهو الإجازة فعلاً.‏

والتحقیق فی دفع الإشکال :‏ هو أنّ منشاء وقوع هذا البحث والنزاع هو ما‏‎ ‎‏وقع فی الشریعة من الشرط المتأخِّر فی التکلیف والوضع والمأمور به: فالأوّل کما إذا‏‎ ‎‏کان العبد قادراً فی الغد فقط علیٰ الفعل، فیأمره الیوم بإتیانه فی الغد، فإنّ التکلیف‏‎ ‎‏صحیح مع تأخّر القدرة عن زمان التکلیف، والثانی کصحّة البیع الفضولی مع وقوع‏‎ ‎‏الإجازة بعده، والثالث کصوم المستحاضة المأمور به فعلاً بشرط فعل الأغسال اللیلیّة‏‎ ‎‏الآتیة أو أغسال اللیلة الماضیة فی الشرط المتقدّم.‏

فنقول :‏ لا یمکن دفع الإشکال فی هذه الأقسام بنهج واحد، بل یختلف:‏

فالجواب عن الأوّل :‏ هو أنّ القدرة التی هی شرط فی التکلیف من المولیٰ‏‎ ‎‏لیست هی القدرة الواقعیّة؛ کی یقال بأنّه لا یمکن التکلیف من المولیٰ مع عدم قدرة‏‎ ‎‏العبد فعلاً علیه، بل الشرط هو تشخیص المولیٰ قدرة العبد علیه فی الغد فی المثال،‏‎ ‎‏وهو موجود حال التکلیف، والشاهد علیٰ ذلک هو الوجدان، فإنّ الآمر إذا علم أنّ‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 18

‏عبده قادر علیٰ فعل المکلّف به غداً صحّ تکلیفه به، فإن کان قادراً علیه فی الواقع فهو،‏‎ ‎‏وإن تبیّن خطؤه فی التشخیص فالتکلیف قد تمشّیٰ منه وصح لوجود شرطه، وهو‏‎ ‎‏تشخیص المولیٰ أنّه قادر علیه فی الغد حین التکلیف، والظاهر أنّ هذا هو المراد ممّا‏‎ ‎‏أجاب به فی «الکفایة»‏‎[6]‎‏ فی القسمین الأوّلین، وإن علم بعدم قدرته علیٰ الفعل غداً لم‏‎ ‎‏یصحّ منه التکلیف المذکور فعلاً.‏

‏وإن أخطأ فی التشخیص وتبیّن قدرته علیه غداً، فارتفع الإشکال حینئذٍ؛ لأنّ‏‎ ‎‏الشرط هو تشخیص المولیٰ مقدوریّة الفعل للعبد، وهو مقارن للتکلیف.‏

‏وقد وقع هنا خلط فی کلام المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ ؛ لأنّه قال ما حاصله: إنّ الشرط‏‎ ‎‏عبارة عمّا له دَخْل فی تحقُّق المصلحة فی المأمور به، وحینئذٍ فللمأمور به فی‏‎ ‎‏هذه الصورة إضافة إلیٰ القدرة مثلاً، وهذه الإضافة هی المحصّصة والمحصّلة‏‎ ‎‏للحصّة المؤثّرة‏‎[7]‎‏.‏

‏توضیح الخلط : أنّه لم یفرّق بین الشرائط الشرعیّة والعقلیّة، فإنّ القدرة التی‏‎ ‎‏هی شرط للتکلیف لیست دخیلة فی تحقّق المصلحة فی المکلّف به فإنّه ذو مصلحة‏‎ ‎‏قدر العبد علیٰ فعله أو لا مضافاً إلی ما یرد علیه من الإشکال المتقدّم ذکره.‏

وأمّا الجواب عن الإشکال‏ بالنسبة إلیٰ الوضع والمأمور به: أمّا بالدقّة العقلیّة‏‎ ‎‏فهو أنّ الزمان متصرِّم الوجود، وبعض أجزائه متقدّم علیٰ الآخر؛ لأنّه یوجد وینعدم‏‎ ‎‏شیئاً فشیئاً ذاتاً بدون أن یصدق ویطلق علیه عنوانا المتقدّم والمتأخّر؛ لما عرفت من‏‎ ‎‏أنّ عنوانی التقدّم والتأخّر من العناوین المتضایفة، التی لابدّ فیها من وجود طرفی‏‎ ‎‏الإضافة فعلاً فی رتبة واحدة عقلاً، بل ذات العلّة ومصداقها متقدّمة علیٰ المعلول،‏‎ ‎‏وذات المعلول متأخّر، فذات الیوم متقدّم علیٰ ذات الغد بدون أن یطلق علیهما عنوانا‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 19

‏المتقدّم والمتأخّر، فکما أنّ الزمان کذلک کذلک الزمانیّات، فهی ـ أیضاً ـ بعضها مقدّم‏‎ ‎‏علیٰ الآخر لا ذاتاً وحقیقةً، بل تبعاً للزمان وبالعرض، بدون أن یطلق علیهما عنوانا‏‎ ‎‏التقدّم والتأخّر؛ لیرد علیه الإشکال الذی ذکرناه، وحینئذٍ نقول العقد الفضولی‏‎ ‎‏ـ مثلاً ـ وکذا صوم المستحاضة لا یخلو عن أحد أمرین: إمّا أن یقع بعدهما الإجازة‏‎ ‎‏والغسل فی الواقع ونفس الأمر أو لا، فعلیٰ الأوّل فالشرط موجود حال العقد‏‎ ‎‏والصیام؛ لأنّهما متّصفان بوقوع الإجازة والغسل بعدهما فی الواقع بخلافهما فیما إذا لم‏‎ ‎‏یقع الإجازة والغسل بعدهما فإنّهما لا یتّصفان بهذه الصفة واقعاً، فلو دلّ علیٰ صحّة‏‎ ‎‏العقد الفضولی مع الإجازة ولو بناءً علیٰ الکشف، لایلزم منه محذور عقلی، وکذلک‏‎ ‎‏صوم المستحاضة، وحینئذٍ فما قیل ـ من أنّ الشرط هو تعقُّب الإجازة‏‎[8]‎‏ ـ فهو یرجع‏‎ ‎‏إلیٰ ما ذکرناه، لکن لا بعنوان التعقُّب لیرد علیه الإشکال العقلی، بل التعقُّب الواقعی‏‎ ‎‏ومصداقه. هذا کلّه بحسب الدقّة العقلیّة.‏

وأمّا بحسب النظر العرفی العقلائی فنقول :‏ لا إشکال فی أنّ الإجازة المتأخّرة،‏‎ ‎‏وکذا أغسال اللیلة الآتیة، شرطان للعقد السابق وصوم الیوم الماضی؛ إذ لا تأثیر‏‎ ‎‏وتأثّر فیه حقیقة، بل التأثیر والتأثّر عرفیان عقلائیان، فإنّه لا إشکال عرفی وعقلائی‏‎ ‎‏فی الشرط المذکور، والشارع ـ أیضاً ـ بیّن الأحکام بلسان أهل العرف وبحسب‏‎ ‎‏نظرهم وفهمهم، والمصلحة الواقعیّة الاُخرویّة غیر معتبرة فی المأمور به، خصوصاً فی‏‎ ‎‏الأحکام الوضعیّة، ویکفی فی صحّة بیع الفضولی وجود مصلحة نظامیّة ترجع إلیٰ‏‎ ‎‏نظام العقلاء فی معاشهم ومعاملاتهم.‏

‏ولیعلم أنّ ما ذکرنا فی دفع إشکال الشرط المتأخّر بالنسبة إلیٰ التکلیف إنّما هو‏‎ ‎‏فی التکالیف الجزئیّة المتوجّهة إلیٰ الأشخاص، وأمّا التکالیف العامّة الکلّیّة، کالأوامر‏‎ ‎‏الشرعیّة وکأوامر السلاطین بالنسبة إلیٰ العموم المتعلّقة بالعناوین الکلّیّة، مثل ‏‏«‏یا

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 20

أیّها الناس‏»‏‏ و‏‏«‏یا أیّها الذین آمنوا‏»‏‏، فلا یستقیم ما ذکرنا فیها، ولکنّ الإشکال‏‎ ‎‏غیر وارد فیها أصلاً؛ لأنّ المناط فی تمشّی الإرادة والتکلیف فیها: هو قدرة بعض‏‎ ‎‏الأفراد علیٰ فعل المکلّف به وإن لم یقدر علیه بعض آخر منهم، ولا یحتاج إلیٰ ما‏‎ ‎‏ذکرناه من أنّ الشرط هو تشخیص المولیٰ قدرة العبد علیه.‏

نعم :‏ لو کان للواجدین للشرط عنوان خاصّ، وللفاقدین عنوان آخر ، لزم‏‎ ‎‏توجیه الخطاب إلیهم بهذا العنوان الخاصّ، ولا یصحّ توجیهه إلیٰ الجمیع حتّیٰ‏‎ ‎‏الفاقدین، بخلاف ما إذا لم یکن لهم عنوان خاصّ، فإنّه لاریب فی صحّة الإرادة‏‎ ‎‏وتوجیه التکلیف بالنسبة إلیٰ العموم، غایة الأمر أنّ الفاقد للشرط معذور عقلاً،‏‎ ‎‏ولایجب علیه فعل المکلّف به.‏

وقال المحقّق النائینی ‏قدس سره‏‏ فی المقام ما حاصله :‏‏ إنّه لاریب فی أنّ المقدّمات‏‎ ‎‏العقلیّة خارجة عن محلّ الکلام؛ لامتناع تأخّرها عن المعلول ووجوده قبل وجود‏‎ ‎‏علّته التامّة بتمام أجزائها، ولا إشکال ـ أیضاً ـ فی خروج العناوین الانتزاعیّة عن محلّ‏‎ ‎‏النزاع ـ أیضاً ـ لأنّها إنّما تنتزع عمّا تقوم به، ولیس للطرف الآخر دخل فی انتزاعها‏‎ ‎‏عن منشأ انتزاعها أصلاً، مثل الاُبُوّة والبُنُوّة ینتزع کلّ منهما عن شخص باعتبار‏‎ ‎‏حیثیّة قائمة به، لا عنه وعن الآخر.‏

فتوهم :‏ أنّ عنوان السبق إنّما یُنتزع من السابق باعتبار دَخْل الأمر اللاحق‏‎ ‎‏فیه، فإن کان شرطاً لوضع أو تکلیف فمرجعه إلیٰ دخل الأمر اللاحق فیهما.‏

‏مدفوع بأنّ السبق إنّما ینتزع عن نفس السابق بالقیاس إلیٰ ما یوجد بعده،‏‎ ‎‏ولا دخل للسابق ـ أیضاً ـ فی انتزاع اللحوق عن اللاحق، وبناء علیه لو قام دلیل‏‎ ‎‏علیٰ ثبوت الملکیّة بالمعاملة الفضولیّة حینها علیٰ فرض تعقُّبها، بالإجازة کشف‏‎ ‎‏ذلک عن انتزاعها من نفس عنوان التعقُّب الثابت للبیع المنتزع عنه بلحاظ تحقّق‏‎ ‎‏الإجازة فی ظرفها.‏


کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 21

والتحقیق :‏ خروج شرائط المأمور به عن حریم النزاع ـ أیضاً ـ بداهة أنّ‏‎ ‎‏شرطیّة شیء للمأمور به لیست إلاّ بمعنیٰ أخذه قیداً للمأمور به، فکما یجوز تقییده‏‎ ‎‏بأمر سابق أو مقارن یجوز تقییده بأمر لاحق ـ أیضاً ـ کتقیید صحّة صوم المستحاضة‏‎ ‎‏بأغسال اللیلة اللاحقة؛ إذ کما أنّه لا إشکال فی إمکان تأخّر الأجزاء بعضها عن‏‎ ‎‏بعض، کذلک، لاینبغی الإشکال فی جواز تأخّر الشرط عن المشروط به أیضاً.‏

‏ثمّ إنّه لاریب فی أنّ العلّة الغائیّة والملاکات المترتّبة علیٰ متعلّقات الأحکام التی‏‎ ‎‏هی علل تشریعها، لا تکون بوجودها الخارجی مؤثّرة فی تشریعها وجعلها؛ بداهة‏‎ ‎‏أنّها متأخّرة فی الوجود الخارجی عن متعلّقات الأحکام، فضلاً عن نفسها، بل المؤثّر‏‎ ‎‏دائماً هو علم الجاعل والمشرِّع بترتُّب الملاک علیٰ متعلّق حکمه، ومن الواضح أنّ العلم‏‎ ‎‏بالترتُّب مقارن للجعل دائماً، وإنّما المتأخّر هو ذات المعلوم.‏

‏فظهر من ذلک: أنّ شرائط الجعل خارجة عن حریم النزاع، فالنزاع منحصر‏‎ ‎‏فی شرائط المجعول.‏

توضیحه :‏ أنّ القضایا علیٰ قسمین: حقیقیّة وخارجیّة:‏

أمّا الثانیة:‏ فلا یتوقّف الجعل فیها إلاّ علیٰ دواعی الحکم المؤثّرة فیه بوجودها‏‎ ‎‏العلمی طابق الواقع أو لا، وهذا القسم خارج عن محلّ النزاع، فإن الحکم فیها یدور‏‎ ‎‏مدار علم الحاکم فقط.‏

وأمّا الاُولیٰ :‏ فإن قلنا : إنّ المجعول الشرعی فی القضایا الحقیقیّة هی السببیّة‏‎ ‎‏دون المسبب عند وجود أسبابها کان تأخّر الشرط عن المشروط به من قبیل تأخّر‏‎ ‎‏المعلول عن علّته حقیقة وهو واضح الاستحالة، مثلاً لو قلنا بأنّ المجعول للشارع‏‎ ‎‏سببیّة الدلوک لوجوب الصلاة، لا نفس وجوبها عند الدلوک کان الدلوک من أجزاء‏‎ ‎‏علّة الوجوب حقیقةً ومرجع تأخّره عن الحکم إلیٰ تقدّم المعلول عن علّته. وإن قلنا:‏‎ ‎‏إنّ المجعول هو نفس المسبّب، وإنّما تنتزع السببیّة من جعل المسبّبات عند اُمور خاصّة‏

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 22

‏ـ کما هو الحقّ ـ فقد عرفت أنّه لابدّ أن یکون نسبة الشرائط إلیٰ الأحکام نسبة‏‎ ‎‏الموضوعات إلیها، وکما یمتنع وجود المعلول قبل وجود علّته؛ للزوم الخُلف والمناقضة،‏‎ ‎‏کذلک یمتنع وجود الحکم قبل وجود موضوعه المقدّر وجوده فی مقام الجعل.‏

وبالجملة :‏ إذا کان وجود الأمر المتأخّر دخیلاً فی فعلیّة الحکم ـ سواء کان‏‎ ‎‏دخله علیٰ وجه العلیّة أو الموضوعیّة ـ ففرضُ وجود الحکم قبل تحقّق ذلک یستلزم‏‎ ‎‏الخلف والمناقضة.‏

‏فظهر أنّ مقتضی القاعدة بعد امتناع الشرط المتأخّر هو الالتزام بالنقل فی باب‏‎ ‎‏البیع الفضولی دون الکشف‏‎[9]‎‏. انتهی محصّل کلامه.‏

أقول :‏ أمّا ما ذکره من عدم الإشکال فی خروج المقدّمات العقلیّة فهو مسلّم.‏

‏وأمّا خروج العناوین الانتزاعیّة فهو ـ أیضاً ـ کذلک بالأصالة؛ لأنّ النزاع‏‎ ‎‏بالأصالة إنّما هو فی موارد معدودة وقعت فی الشریعة وإن وقع النزاع فی الاُمور‏‎ ‎‏الانتزاعیّة ـ أیضاً ـ تبعاً.‏

‏وأما ما ذکره من خروج شرائط المأمور به فهو غیر صحیح؛ لأنّ النزاع لیس‏‎ ‎‏فی جواز الأمر والتکلیف مع تأخّر شرطه، بل النزاع إنّما هو فی أنّه لو دلّ دلیل علیٰ‏‎ ‎‏صحّة صوم المستحاضة لو فعلت الأغسال فی اللیلة اللاحقة، فهل یلزم منه محذور‏‎ ‎‏عقلی أو لا ؟ ولا فرق فیه بین المأمور به والوضع والتکلیف.‏

‏وأمّا قوله : إنّ السبق إنّما ینتزع من نفس وجود السابق کالاُبُوّة، ففیه ما‏‎ ‎‏لایخفیٰ؛ لعدم إمکان تحقّق التضایف إلاّ من أمرین متضایفین، وعنوان السبق والاُبُوّة‏‎ ‎‏من هذا القبیل.‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 23

  • )) فوائد الاُصول 1 : 271، کفایة الاُصول : 118.
  • )) کفایة الاُصول : 118 .
  • )) کفایة الاُصول : 118 ـ 120 .
  • )) بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) 1 : 320 ـ 321 .
  • )) انظر الفصول الغرویّة : 80 سطر 36 .
  • )) کفایة الاُصول : 118 ـ 119 .
  • )) بدائع الأفکار (تقریرات المحقق العراقی) 1 : 323 ـ 324 .
  • )) الفصول الغرویّة : 80 سطر 36 .
  • )) أجود التّقریرات 1 : 220 ـ 226 .