الخامس من الاُمور : المقدّمة المتأخرة
أنّ المقدّمة تنقسم إلیٰ أقسام بحسب تقدّمها وتأخّرها عن ذی المقدّمة واقترانها: إلیٰ المقدّمة المتقدّمة بحسب الوجود عن ذی المقدّمة، والمتأخّرة، والمقارنة.
واختلفوا فی تصویر المتأخّرة وإمکانها، وعبّروا عنها بالشرط المتأخّر، کالأغسال اللیلیّة للمستحاضة بالنسبة إلیٰ صحّة صوم الیوم الماضی، وکالإجازة
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 15 فی البیع الفضولی علیٰ القول بالکشف الحقیقی، بل وکذلک فی الشرط المتقدّم علیٰ أقوال:
أحدها : إمکانهما مطلقاً، سواء کان فی التکوینیّات، أم فی التشریعیّات.
وثانیها : عدم إمکانهما مطلقاً.
ثالثها : التفصیل بین التکوینیّات فلا یمکن، وبین التشریعیات فیمکن.
واستدلّوا علیٰ عدم الإمکان : بأنّ الشرط من أجزاء العلّة التامّة، فلا یمکن تأثیر المتأخّر منه وکذلک المتقدّم منه علیٰ المشروط؛ لوجوب اقتران العلّة التامّة بمعلولها، فکذلک أجزاؤها.
واختار فی «الکفایة» الإمکان مطلقاً فی التکوینیّات والتشریعیّات، سواء کان شرطاً للتکلیف أو الوضع أو المأمور به، لکنّه لم یبیّن وجه الإمکان فی مقام الاستدلال فی التکوینیّات.
واختاره المحقّق العراقی قدس سره أیضاً، واستدلّ علیه بأنّه لا شبهة فی أن المقتضی لوجود المعلول لیس هو طبیعة العلّة، بل حصّة خاصّة منها؛ مثلاً: النار تقتضی الإحراق، لکن لیس المؤثر فیه هو طبیعة النار، بل حصّة خاصّة منها، وهی التی تُماسّ الجسم المستعدّ بالیبوسة لقبول الاحتراق، وأمّا الحصّة التی لا تُماس الجسم المستعدّ للاحتراق فلا یعقل أن تؤثّر فی الإحراق، فهذه الحصّة المقتضیة لابدَّ لها من محصِّل خارجی، فما به تحصل خصوصیّة الحصّة المؤثّرة یسمّیٰ شرطاً، والخصوصیّة المذکورة: عبارة عن النسبة القائمة بتلک الخصوصیّة الحاصلة من إضافة الحصّة المزبورة إلیٰ شیء ما، وذلک الشیء المضاف إلیه هو الشرط، فالمؤثِّر هو نفس الحصّة الخاصّة المقتضیة، والشرط هو محصِّل خصوصیّتها، وهو طرف الإضافة المذکورة، وما شأنه
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 16 ذلک جاز أن یتقدّم علیٰ ما یضاف إلیه، أو یقترن به، أو یتأخّر عنه.
ثمّ أورد علیٰ ذلک : بأنّ ذلک یقتضی تأثیر الحصّة من النار مع الیبوسة المتقدّمة أو المتأخّرة فی الجسم.
وأجاب : بأنّا لم ندّعِ أنّ مطلق الإضافة توجب خصوصیّة فی المضاف یکون بها مقتضیاً للمعلول، بل الإضافة الخاصّة.
والحاصل : أنّ الشرط هو مُحصِّص الحصّة ومحصّلها، وهو الإضافة، والمؤثّر هو الحصّة. انتهیٰ ملخّصه.
أقول : لاریب فی أنّ الإضافة التی ذکرها من الاُمور الاعتباریّة، فمع تسلیم ما ذکره من الحصّة یلزم أن یؤثّر الأمر الاعتباری فی التکوینی، وهو واضح البطلان؛ لأنّ ما ذکره من الحصّة ـ أیضاً ـ من الاُمور الاعتباریّة، وهو صحیح فی مثال النار، لکن لا یختصّ النزاع به، بل هو أعمّ، مضافاً إلیٰ أنّ ما ذکره غیر معقول أصلاً.
توضیحه : أنّ القضیّة : إمّا موجبة أو سالبة، وکلّ واحد منهما إمّا محصّلة أو معدولة، والسالبة لا تستدعی وجود الموضوع، لکن الموجبة مطلقاً ـ سواء کانت معدولة أو محصّلة ـ تستدعی وجود الموضوع: إمّا ذهناً، مثل قولنا: المعدوم المطلق لا یُخبر عنه، وإمّا خارجاً إلاّ أن یرجع إلیٰ السالبة، مثل : «شریک الباری ممتنع»، فإنّ مرجعه أنّه لیس بموجود البتّة؛ لأنّ ثبوت شیء لشیء فرع ثبوت المثبت له.
إذا عرفت ذلک نقول : إنّه قدس سره إن أراد أنّ صوم المستحاضة صحیح فعلاً؛ لإضافته إلیٰ الأغسال اللیلیّة الآتیة ـ أی الأغسال المتوهّمة الخیالیّة بأن یکون طرف الإضافة هو الغسل المتوهّم الخیالی ـ ففساده واضح؛ لاستلزامه القول بأنّ الشرط هو الغسل الخیالی المتوهّم.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 17 وإن أراد أنّ طرف الإضافة هو نفس الغسل حقیقة، وأنّها فعلاً موجودة، فهو طرف الإضافة لاحتیاج الإضافة إلیٰ متضایفین، مع أنّه معدوم فعلاً.
ففیه : أنّ صدق الموجبة ـ کما عرفت ـ یتوقّف علیٰ وجود الموضوع، فلا یصحّ أن یقال: إنّ غسل اللیلة الآتیة طرف للإضافة الفعلیّة، وهو مضاف.
ویرد هذا الإشکال علیٰ من جعل الشرط هو تعقُّب صوم المستحاضة بالغسل، أو تعقُّب العقد الفضولی بالاجازة، وهو مقارن للصوم والعقد، ولیس متأخّراً؛ وذلک لأنّه کما أنّ الإضافة تستدعی وجود المتضایفین فعلاً، وبدونه لا یمکن تحقُّقها فعلاً، کذلک المعنیٰ الإضافی کعنوان التعقُّب، فإنّه یستدعی وجود المتعقِّب ـ بالکسر ـ أی الإجازة والمتعقَّب ـ بالفتح ـ أی العقد، فلا یمکن وجود عنوان التعقُّب بدون وجود المتعقِّب، وهو الإجازة فعلاً.
والتحقیق فی دفع الإشکال : هو أنّ منشاء وقوع هذا البحث والنزاع هو ما وقع فی الشریعة من الشرط المتأخِّر فی التکلیف والوضع والمأمور به: فالأوّل کما إذا کان العبد قادراً فی الغد فقط علیٰ الفعل، فیأمره الیوم بإتیانه فی الغد، فإنّ التکلیف صحیح مع تأخّر القدرة عن زمان التکلیف، والثانی کصحّة البیع الفضولی مع وقوع الإجازة بعده، والثالث کصوم المستحاضة المأمور به فعلاً بشرط فعل الأغسال اللیلیّة الآتیة أو أغسال اللیلة الماضیة فی الشرط المتقدّم.
فنقول : لا یمکن دفع الإشکال فی هذه الأقسام بنهج واحد، بل یختلف:
فالجواب عن الأوّل : هو أنّ القدرة التی هی شرط فی التکلیف من المولیٰ لیست هی القدرة الواقعیّة؛ کی یقال بأنّه لا یمکن التکلیف من المولیٰ مع عدم قدرة العبد فعلاً علیه، بل الشرط هو تشخیص المولیٰ قدرة العبد علیه فی الغد فی المثال، وهو موجود حال التکلیف، والشاهد علیٰ ذلک هو الوجدان، فإنّ الآمر إذا علم أنّ
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 18 عبده قادر علیٰ فعل المکلّف به غداً صحّ تکلیفه به، فإن کان قادراً علیه فی الواقع فهو، وإن تبیّن خطؤه فی التشخیص فالتکلیف قد تمشّیٰ منه وصح لوجود شرطه، وهو تشخیص المولیٰ أنّه قادر علیه فی الغد حین التکلیف، والظاهر أنّ هذا هو المراد ممّا أجاب به فی «الکفایة» فی القسمین الأوّلین، وإن علم بعدم قدرته علیٰ الفعل غداً لم یصحّ منه التکلیف المذکور فعلاً.
وإن أخطأ فی التشخیص وتبیّن قدرته علیه غداً، فارتفع الإشکال حینئذٍ؛ لأنّ الشرط هو تشخیص المولیٰ مقدوریّة الفعل للعبد، وهو مقارن للتکلیف.
وقد وقع هنا خلط فی کلام المحقّق العراقی قدس سره ؛ لأنّه قال ما حاصله: إنّ الشرط عبارة عمّا له دَخْل فی تحقُّق المصلحة فی المأمور به، وحینئذٍ فللمأمور به فی هذه الصورة إضافة إلیٰ القدرة مثلاً، وهذه الإضافة هی المحصّصة والمحصّلة للحصّة المؤثّرة.
توضیح الخلط : أنّه لم یفرّق بین الشرائط الشرعیّة والعقلیّة، فإنّ القدرة التی هی شرط للتکلیف لیست دخیلة فی تحقّق المصلحة فی المکلّف به فإنّه ذو مصلحة قدر العبد علیٰ فعله أو لا مضافاً إلی ما یرد علیه من الإشکال المتقدّم ذکره.
وأمّا الجواب عن الإشکال بالنسبة إلیٰ الوضع والمأمور به: أمّا بالدقّة العقلیّة فهو أنّ الزمان متصرِّم الوجود، وبعض أجزائه متقدّم علیٰ الآخر؛ لأنّه یوجد وینعدم شیئاً فشیئاً ذاتاً بدون أن یصدق ویطلق علیه عنوانا المتقدّم والمتأخّر؛ لما عرفت من أنّ عنوانی التقدّم والتأخّر من العناوین المتضایفة، التی لابدّ فیها من وجود طرفی الإضافة فعلاً فی رتبة واحدة عقلاً، بل ذات العلّة ومصداقها متقدّمة علیٰ المعلول، وذات المعلول متأخّر، فذات الیوم متقدّم علیٰ ذات الغد بدون أن یطلق علیهما عنوانا
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 19 المتقدّم والمتأخّر، فکما أنّ الزمان کذلک کذلک الزمانیّات، فهی ـ أیضاً ـ بعضها مقدّم علیٰ الآخر لا ذاتاً وحقیقةً، بل تبعاً للزمان وبالعرض، بدون أن یطلق علیهما عنوانا التقدّم والتأخّر؛ لیرد علیه الإشکال الذی ذکرناه، وحینئذٍ نقول العقد الفضولی ـ مثلاً ـ وکذا صوم المستحاضة لا یخلو عن أحد أمرین: إمّا أن یقع بعدهما الإجازة والغسل فی الواقع ونفس الأمر أو لا، فعلیٰ الأوّل فالشرط موجود حال العقد والصیام؛ لأنّهما متّصفان بوقوع الإجازة والغسل بعدهما فی الواقع بخلافهما فیما إذا لم یقع الإجازة والغسل بعدهما فإنّهما لا یتّصفان بهذه الصفة واقعاً، فلو دلّ علیٰ صحّة العقد الفضولی مع الإجازة ولو بناءً علیٰ الکشف، لایلزم منه محذور عقلی، وکذلک صوم المستحاضة، وحینئذٍ فما قیل ـ من أنّ الشرط هو تعقُّب الإجازة ـ فهو یرجع إلیٰ ما ذکرناه، لکن لا بعنوان التعقُّب لیرد علیه الإشکال العقلی، بل التعقُّب الواقعی ومصداقه. هذا کلّه بحسب الدقّة العقلیّة.
وأمّا بحسب النظر العرفی العقلائی فنقول : لا إشکال فی أنّ الإجازة المتأخّرة، وکذا أغسال اللیلة الآتیة، شرطان للعقد السابق وصوم الیوم الماضی؛ إذ لا تأثیر وتأثّر فیه حقیقة، بل التأثیر والتأثّر عرفیان عقلائیان، فإنّه لا إشکال عرفی وعقلائی فی الشرط المذکور، والشارع ـ أیضاً ـ بیّن الأحکام بلسان أهل العرف وبحسب نظرهم وفهمهم، والمصلحة الواقعیّة الاُخرویّة غیر معتبرة فی المأمور به، خصوصاً فی الأحکام الوضعیّة، ویکفی فی صحّة بیع الفضولی وجود مصلحة نظامیّة ترجع إلیٰ نظام العقلاء فی معاشهم ومعاملاتهم.
ولیعلم أنّ ما ذکرنا فی دفع إشکال الشرط المتأخّر بالنسبة إلیٰ التکلیف إنّما هو فی التکالیف الجزئیّة المتوجّهة إلیٰ الأشخاص، وأمّا التکالیف العامّة الکلّیّة، کالأوامر الشرعیّة وکأوامر السلاطین بالنسبة إلیٰ العموم المتعلّقة بالعناوین الکلّیّة، مثل «یا
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 20 أیّها الناس» و«یا أیّها الذین آمنوا»، فلا یستقیم ما ذکرنا فیها، ولکنّ الإشکال غیر وارد فیها أصلاً؛ لأنّ المناط فی تمشّی الإرادة والتکلیف فیها: هو قدرة بعض الأفراد علیٰ فعل المکلّف به وإن لم یقدر علیه بعض آخر منهم، ولا یحتاج إلیٰ ما ذکرناه من أنّ الشرط هو تشخیص المولیٰ قدرة العبد علیه.
نعم : لو کان للواجدین للشرط عنوان خاصّ، وللفاقدین عنوان آخر ، لزم توجیه الخطاب إلیهم بهذا العنوان الخاصّ، ولا یصحّ توجیهه إلیٰ الجمیع حتّیٰ الفاقدین، بخلاف ما إذا لم یکن لهم عنوان خاصّ، فإنّه لاریب فی صحّة الإرادة وتوجیه التکلیف بالنسبة إلیٰ العموم، غایة الأمر أنّ الفاقد للشرط معذور عقلاً، ولایجب علیه فعل المکلّف به.
وقال المحقّق النائینی قدس سره فی المقام ما حاصله : إنّه لاریب فی أنّ المقدّمات العقلیّة خارجة عن محلّ الکلام؛ لامتناع تأخّرها عن المعلول ووجوده قبل وجود علّته التامّة بتمام أجزائها، ولا إشکال ـ أیضاً ـ فی خروج العناوین الانتزاعیّة عن محلّ النزاع ـ أیضاً ـ لأنّها إنّما تنتزع عمّا تقوم به، ولیس للطرف الآخر دخل فی انتزاعها عن منشأ انتزاعها أصلاً، مثل الاُبُوّة والبُنُوّة ینتزع کلّ منهما عن شخص باعتبار حیثیّة قائمة به، لا عنه وعن الآخر.
فتوهم : أنّ عنوان السبق إنّما یُنتزع من السابق باعتبار دَخْل الأمر اللاحق فیه، فإن کان شرطاً لوضع أو تکلیف فمرجعه إلیٰ دخل الأمر اللاحق فیهما.
مدفوع بأنّ السبق إنّما ینتزع عن نفس السابق بالقیاس إلیٰ ما یوجد بعده، ولا دخل للسابق ـ أیضاً ـ فی انتزاع اللحوق عن اللاحق، وبناء علیه لو قام دلیل علیٰ ثبوت الملکیّة بالمعاملة الفضولیّة حینها علیٰ فرض تعقُّبها، بالإجازة کشف ذلک عن انتزاعها من نفس عنوان التعقُّب الثابت للبیع المنتزع عنه بلحاظ تحقّق الإجازة فی ظرفها.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 21 والتحقیق : خروج شرائط المأمور به عن حریم النزاع ـ أیضاً ـ بداهة أنّ شرطیّة شیء للمأمور به لیست إلاّ بمعنیٰ أخذه قیداً للمأمور به، فکما یجوز تقییده بأمر سابق أو مقارن یجوز تقییده بأمر لاحق ـ أیضاً ـ کتقیید صحّة صوم المستحاضة بأغسال اللیلة اللاحقة؛ إذ کما أنّه لا إشکال فی إمکان تأخّر الأجزاء بعضها عن بعض، کذلک، لاینبغی الإشکال فی جواز تأخّر الشرط عن المشروط به أیضاً.
ثمّ إنّه لاریب فی أنّ العلّة الغائیّة والملاکات المترتّبة علیٰ متعلّقات الأحکام التی هی علل تشریعها، لا تکون بوجودها الخارجی مؤثّرة فی تشریعها وجعلها؛ بداهة أنّها متأخّرة فی الوجود الخارجی عن متعلّقات الأحکام، فضلاً عن نفسها، بل المؤثّر دائماً هو علم الجاعل والمشرِّع بترتُّب الملاک علیٰ متعلّق حکمه، ومن الواضح أنّ العلم بالترتُّب مقارن للجعل دائماً، وإنّما المتأخّر هو ذات المعلوم.
فظهر من ذلک: أنّ شرائط الجعل خارجة عن حریم النزاع، فالنزاع منحصر فی شرائط المجعول.
توضیحه : أنّ القضایا علیٰ قسمین: حقیقیّة وخارجیّة:
أمّا الثانیة: فلا یتوقّف الجعل فیها إلاّ علیٰ دواعی الحکم المؤثّرة فیه بوجودها العلمی طابق الواقع أو لا، وهذا القسم خارج عن محلّ النزاع، فإن الحکم فیها یدور مدار علم الحاکم فقط.
وأمّا الاُولیٰ : فإن قلنا : إنّ المجعول الشرعی فی القضایا الحقیقیّة هی السببیّة دون المسبب عند وجود أسبابها کان تأخّر الشرط عن المشروط به من قبیل تأخّر المعلول عن علّته حقیقة وهو واضح الاستحالة، مثلاً لو قلنا بأنّ المجعول للشارع سببیّة الدلوک لوجوب الصلاة، لا نفس وجوبها عند الدلوک کان الدلوک من أجزاء علّة الوجوب حقیقةً ومرجع تأخّره عن الحکم إلیٰ تقدّم المعلول عن علّته. وإن قلنا: إنّ المجعول هو نفس المسبّب، وإنّما تنتزع السببیّة من جعل المسبّبات عند اُمور خاصّة
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 22 ـ کما هو الحقّ ـ فقد عرفت أنّه لابدّ أن یکون نسبة الشرائط إلیٰ الأحکام نسبة الموضوعات إلیها، وکما یمتنع وجود المعلول قبل وجود علّته؛ للزوم الخُلف والمناقضة، کذلک یمتنع وجود الحکم قبل وجود موضوعه المقدّر وجوده فی مقام الجعل.
وبالجملة : إذا کان وجود الأمر المتأخّر دخیلاً فی فعلیّة الحکم ـ سواء کان دخله علیٰ وجه العلیّة أو الموضوعیّة ـ ففرضُ وجود الحکم قبل تحقّق ذلک یستلزم الخلف والمناقضة.
فظهر أنّ مقتضی القاعدة بعد امتناع الشرط المتأخّر هو الالتزام بالنقل فی باب البیع الفضولی دون الکشف. انتهی محصّل کلامه.
أقول : أمّا ما ذکره من عدم الإشکال فی خروج المقدّمات العقلیّة فهو مسلّم.
وأمّا خروج العناوین الانتزاعیّة فهو ـ أیضاً ـ کذلک بالأصالة؛ لأنّ النزاع بالأصالة إنّما هو فی موارد معدودة وقعت فی الشریعة وإن وقع النزاع فی الاُمور الانتزاعیّة ـ أیضاً ـ تبعاً.
وأما ما ذکره من خروج شرائط المأمور به فهو غیر صحیح؛ لأنّ النزاع لیس فی جواز الأمر والتکلیف مع تأخّر شرطه، بل النزاع إنّما هو فی أنّه لو دلّ دلیل علیٰ صحّة صوم المستحاضة لو فعلت الأغسال فی اللیلة اللاحقة، فهل یلزم منه محذور عقلی أو لا ؟ ولا فرق فیه بین المأمور به والوضع والتکلیف.
وأمّا قوله : إنّ السبق إنّما ینتزع من نفس وجود السابق کالاُبُوّة، ففیه ما لایخفیٰ؛ لعدم إمکان تحقّق التضایف إلاّ من أمرین متضایفین، وعنوان السبق والاُبُوّة من هذا القبیل.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 23