فصل (9) فی الحشر
قوله: نوع واحد.[9 : 225 / 9]
اعلـم: أنّ الـمقرّر عندنا فی «الـقواعد الـحکمیـة» هو أنّ کلّ موجود نوع منحصر فی فرده، و ما یدلّ علـیٰ ثبوت الـصورة الـنوعیـة یدلّ علـیٰ ذلک. و ما أفاده هنا أقمناه هناک حول إثبات هذا الـغرض الأعلـیٰ. و لا معنیٰ لـکون شیء نوعاً واحداً متّفق الأفراد فی هذا الـعالـم؛ لأنّ الـذاتیات و الاُمور الـحقیقیـة لاتخلّف حسب الإضافات و الـعوالـم.
ثمّ إنّک احطت خُبراً بأنّ ما ذکره تعلـیلاً فی الـمقام غیر تمام؛ ضرورة أنّ هذه الـصور الـمتکثّرة حسب تکثّر الـملـکات الـمکتسبـة لیست من الـفصل الـذاتی لحقیقـة الـشیء، بل هی أفاعیل الـنفس فی الـدار الآخرة قائمةً علـیها و محمولها، و فی دعاء أبیحمزة الـثمالـی: «حاملاً ثقلـی علـیٰ ظهری» فإنّـه معناه قیام الأفعال بالـنفس دون الاُمور الآخر.
ثمّ إنّـه ـ بعد اللّـتیا و الـتی ـ فرّ من مسألـة الـحشر و أنّـه کیف یکون الـنقل من الـبرزخ إلـیٰ الـقیامـة، و کیف یُعقلُ الـحیاة الـبرزخیـة و ما الـفرق بین الـصورة و الـبدن فی الـبرزخ و فی الـقبر؟
لمحرّره السیّد مصطفیٰ الخمینی
15 رمضان ـ نجف 86
قوله: هی مادّة قابلـة.[9 : 225 / 10]
بل هی فاعلـة للـصور الـمختلـفـة.
کتابتعلیقات علی الحکمه المتعالیه [صدرالدین شیرازی ]صفحه 691 قوله: بصورة تناسبها.[9 : 227 / 3]
ربّما یظهر لبعض أرباب الـکشف و الـیقین: أنّ للإنسان الـعالِم الـمتخلّق بالأخلاق الـمختلـفـة شؤوناً متفاوتةً حسب تلـک الـملـکات. فربّما یتصوّر بصورة تحسن عندها الـقِرَدة و الـخنازیر، و ربّما ینعکس الأمر، و ربّما یتجلّیٰ بتجلّیاتٍ کثیرة. و لعلّ قولـه تعالـیٰ: «فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً» إشارة إلـیٰ أنّ کلّ واحد منهم یأتی أفواجاً
یا حٰارُ هَمْدان مَنْ یَمُتْ یَرنی
من مؤمنٍ أو منافقٍ قبلاً
قوله: متدرّجاً من الأضعف.[9 : 229 / 9]
و ربّما یکون الـحرکـة إلـیٰ الأدنیٰ و الأرذل و إلـیٰ جوهر الـشقاوة کما صرّح بـه مراراً.
قوله: لأنّ الـدنیا.[9 : 229 / 23]
لا معنیٰ لـه؛ لأنّ مجازیـة الـدنیا لا تؤثّر فی الآخرة، فهی فیها معذّبٌ بالـصور و أفاعیلـها و الـنار و مراتبها، و ما فعلـه فی الـدنیا کان یؤثّر فی تقویـة الـنفس فی خلـق هذه الـصور الـمؤلّمـة. و ذلک لأنّ الـنفس فیها جمیع الـملـکات بالـقوّة، و إذا طَلَعَ صبح الـقیامـة تقلب منها إلـیٰ الـفعلیّـة الـمحضـة، فتتّحد ما فی باطنها ظاهرة. و قد یتّفق ذلک فی الـمنام و لأهل الـمکاشفـة فی الـیقظـة أیضاً.
م . ص .
قوله: محترقاً بنار الـجحیم.[9 : 230 / 8]
کتابتعلیقات علی الحکمه المتعالیه [صدرالدین شیرازی ]صفحه 692 اعلـم: أنّ ما سلـکـه أرباب الـعرفان و الـشهود فی مسائل الـبرازخ و الـقیامـة و کیفیّـة تنعّم الـموجودات بعد الـحشر و تعذّبهم و الـکیفیات الـمناسبـة الـحاصلـة لهم فیهما و الـمؤلمات الـمؤذیـة الـحاضرة لدیهم هو ممّا یشهد علـیـه الـبراهین و یساعده الـذوق و بعض الاُمور الاُخر. بل قد اقمنا أنّ بناء إرسال الـرسل و الـکتب علـیٰ هذه الـمقالـة و إلاّ لاتمسّ الـحاجـة الـیهم أصلاً، و لا سیّما بعد ما نجد أنّ الـدنیا تکون منظّمـة بأحسن الـنظام و تتعیّش الـخلائق أتمّ الـعیش، و نریٰ أنّ الـممالـک الـراقیـة بعیدة عن اسم الإسلام فضلاً عن رسمـه و بالـعکس، فیعلـم منـه أنّ الـرسل أطبّاء الـنفوس و تذکار الـمصالـح الـقهریّـه، و تکون الـجنّـة و الـنار من الـتبعات الـطبیعیّـة للأفعال و الأعمال و الأفکار و الاعتقادیات، و تنقسم عندهم إلـیٰ جحیم الـذات و الـصفات و الأعمال و جنّـتها هکذا.
ولـکن مقتضی هذه الـمقالـة عدم تختّم الـرسل و لزوم کونهم فی جمیع الأعصار و الأمصار أزید من آلافٍ و عشرات منها؛ لأنّ الاکتفاء بواحدٍ یستلـزم وقوع الـناس فی الـهلـکات و هو ممنوع فی ضرورة الـعقل، و لایجوز عنده الاکتفاء ببعض الـظواهر و الـنصوص. فعلـیـه لابدّ من الـجمع بین هذه الاُمور. و الـذی یظهر أنّ مطلـق الـصفات الـمذمومـة و الـذوات الـبعیدة عن الـحقّ و الأفعال غیر الـمطابقـة للـشرع لایلازم تلـک الـدَرَکات الـثلاثـة، بل الـنفس الـمتربّی ضدّ الـشرع و الاُلوهیّـة ـ نعوذن منها ـ تُعاقَبُ بعواقب عجیبـه و غیرُها مشمولُ رحمـة الله الـبارئ، فتدبّر.
قوله: مشعر الـتعقّل.[9 : 229 / 4]
لا معنیٰ محصّل لهذه الـمرحلـة بحسب الـعین و الـخارج؛ ضرورة أنّ
کتابتعلیقات علی الحکمه المتعالیه [صدرالدین شیرازی ]صفحه 693 الـعقل من مراتب الـنفس الإنسانیـة، بل هو فعلُ الـنفس و الإنسان بحسب الـقوّة مرکّب من تلـک الـنشآت لا أنّـه مرکّب خارجی منها، بل فی الإنسان قوّة وجوب الـوجود و صیرورتها واجباً أبدیاً فانیاً باقیاً ببقاء الله موجوداً بوجوده تعالـیٰ. نعم للنفس إطلاق آخر و هی الـحیثیـة الـتی تضاف إلـیٰ الـبدن ولـکنّـه لیس من آثاره الـتخیّل، فتدبّر.
ثمّ إنّـه غیر خفیّ أنّ إیراد هذه الـمطالـب لا دخالـة لها فی الـمقصود و هو الـمعاد و أحوال الإنسان فی الـبرزخ، ولـکن فیها مواضع للـنظر.
و الذی هو الحقّ: أنّ أفاعیل الـنفس فی الـبرزخ و الـمعاد تابعةٌ للـقوّة الـحاصلـة فیها فی الـدنیا الـمسانخـة معها، و کان علـیٰ الإنسان تربیتها بتعالـیم إلـهیـة و ریاضات شرعیـة حتّیٰ یُخرجها من الـجحیم إلـیٰ الـجنّـة؛ فإنّ الـطبیعـة هی الـممرّ من الـغیب الـمطلـق إلـیٰ الـشهود و من الـشهود إلـیٰ الـشهادة الـمحضـة. و إذا بلـغت إلـیٰ هذه الـمرحلـة اکتسبت فی الأصلاب و الأرحام مبانئ کثیرةً لو غفل عنها یحشر معها بصور مسانخـة إیّاها.
فعلـیٰ الإنسان الـذّکی صَرْف الـوقت فی تَجْلـیـة الـنفس بالـملـکات و تَخَلّیها عن الـکثافات الـمکمونـة فیها، و لادخالـة لهذه الـنشأة و صورها إلاّ فی تقویـة الـملـکات الـمودوعـة فیها من الـسوابق و اللـواحق. ولو کانت دار الـدنیا من الاُمور الـحقیقیـة و الـمظاهر الأصلـیـة و تمرّ الـنفس علـیها و لایهذّبها الإنسان، فهی تحشر علـیٰ صورٍ تحسن عندها الـقردة و الـخنازیر. ففی الـحقیقـة الـدنیا فی حکم الـکبریت و الـفتنـة لابدّ من الـعبور عنها و رفض الـمسانخات معها و کسب ما یناسب الـنشأة الـثانیـة و الـثالـثـة. و حملُ الـقاذورات إلـیٰ الـباغات الـمملـوّة عن الـروائح الـحسنـة و الـطیّبات
کتابتعلیقات علی الحکمه المتعالیه [صدرالدین شیرازی ]صفحه 694 یوجب إزدیاد تأثّر الـحامل عمّا کان فی الـمحالّ الـمسانخـة لها، و هذا هو الاُمور الـمشاهد بالـحسّ و الـعیان.
و إن شئت قلـت: الـملـکات فی الـنفس الإنسانیـة کأمعاء الـحیوان بعد موتـه، فإنّـه مادام لم ینکشف بِرَدّ جلـده لایعلـم تعفّنها و نتنها، و إذا رُدّ ذلک یفرّ الـناس منها. فإذا أصبحتم فی الـنشأة الـباقیـة فی الـبرزخ کان أوفیٰ الـقیامـة الـخالـدة یفتح باب الـصندوق، و یظهر ما فیـه علـیک و علـیٰ الـملائکـة الـحافّین بک، فأنت تفرّ من نفسک و هی معک و هم یفرّون منک و یقرب منک الـملائکةُ الـمناسبةُ مع هذه الـصور الـمؤلمة، والله من ورائهم محیط. فما أفاده الـماتن غیر قابل للـتصدیق و ربّما یرجع إلـیٰ ما لایساعده لسان الـشریعـة الـمقدّسـة، فإنّـه یظهر منـه میلـه إلـیٰ أن تألّم الإنسان من ألـم الـفراق عمّا یحبّـه، و هو لیس ألـماً شدیداً؛ لما نجد فی هذه الـنشأة مثل هذه الآلام مراراً و عذاب الآخرة أکبر لو کانوا یعلـمون و لیس مسانخاً لما فی هذه الـنشأة.
لمحرّره مصطفیٰ
کتابتعلیقات علی الحکمه المتعالیه [صدرالدین شیرازی ]صفحه 695