فصل (4) فی القبر الحقیقی و أنّه روضة من ریاض الجنّة أو حفرة من حفر النیران

‏‏فصل (4) فی القبر الحقیقی و أنّه روضة من ریاض الجنّة أو حفرة من حفر النیران‏

‏‏ ‏

‏‏قوله:‏‏ فارقت الـبدن.‏‏[‏‏9 : 218 / 14‏‏]‏

‏‏قد مرّ: أنّ شیئیّـة الـشیء بکمالـه و شیئیّـة الـبدن بالـنفس، فلا یعقل‏‎ ‎‏مفارقـة الـنفس من الـبدن، و ما تفارقـه لیس بدناً بل هی خِرْقـة ترفضها‏‎ ‎‏الـنفس؛ لعدم الـمناسبـة بینها و بین وعائها الـثانی. فَمِثْلُ هذا الـبدن الـعرفی‏‎ ‎‏غیر متعلِّق بـه الـنفسُ بعد الـموت مطلـقاً، و الـبدن الـحقیقی الـذی هو‏‎ ‎‏الـقائم بالـنفس کالـبدن الـذی یراه فی الـنوم و تکون فی خیالـها کسائر‏‎ ‎‏الـصور الـمقداریـة و الـمتشکّلـة و الـمتلـوّنـة هو متعلّق بـه تمام الـتعلّق؛‏‎ ‎‏لأنّها معلولـة و موجودة. فلا معنیٰ لقولـه ثانیاً مع بقاء تعلّق مّا لها بالـبدن.‏

‏‏و کأنّـه  ‏‏قدس سره‏‏ یرید أن یصعب علـیٰ الـطالـبین بعضَ الـمطالـب‏‎ ‎‏الـمتعارفـة فیأتی بعبائر مشکلـة، مع أنّ ما سمعت منّی فی هذه الأسطرة تمام‏‎ ‎‏مقصده مع ما یرد علـیـه. و إن کنت أهل الـتخلـیـة یظهر و یتجلّیٰ لک حقیقـة‏‎ ‎‏الـقبر و کیفیـة قیام الـبدن بالـنفس، فلاحظ و تدبّر.‏

‏‏قوله:‏‏ إمّا روضـة.‏‏[‏‏9 : 219 / 11‏‏]‏

‏‏ثبوت هذا الـحدیث غیر معلـوم فالإسناد إلـیـه صلّی الله تعالـیٰ علیـه‏‎ ‎‏بالـبَتّ غیر تمام.‏

‏
‏‎

‎‏قوله:‏‏ الـبعث.‏‏[‏‏9 : 219 / 13‏‏]‏

‏‏سیأتی الـبحث عنـه فی الـفصل الـمخصوص بـه، و الـذی نذکره هو‏‎ ‎‏أنّـه کیف اختار الـتقوّی و الإرتقاء مع فقد الـمادّة و الـهیولیٰ الـفاقدة للإمکان‏‎ ‎‏الاستعدادی؟! فالاشتداد بَعْدَ الـضعف غیر معقول إلاّ علـیٰ ما سلـکناه.‏

‏‏ثمّ إنّ قضیـة ما وصل من الـشرع الأقدس اجتماع الـناس طُرّاً إلـیٰ یوم‏‎ ‎‏الـقیامـة فی الـقبر و الـبرزخ، ثمّ بعد ذلک یُحشرون. فبعض الـنفوس یبقیٰ‏‎ ‎‏فیـه اَعْوام و بعضها لا یبقی إلاّ عامٌ مثلاً، و هذا ممّا لایساعد علـیـه الـقواعد‏‎ ‎‏الـعقلـیـة؛ للـزوم الـجزاف فی الـفعل الإلهی، فلا تغفل.‏

‏‏نجف، لیلة الإثنین جمادی الاُولیٰ، 86‏

‏‏قوله:‏‏ کما یخرج الـجنین.‏‏[‏‏9 : 219 / 13‏‏]‏

‏‏تمثیل الـحقائق بالـحرکات الـطبیعیّـة فی الأین و الـوضع الـمعلـومـة‏‎ ‎‏لـکلّ أحد یورث الـتعمیـة.‏

‏‏قوله:‏‏ کإدراک الـنائم.‏‏[‏‏9 : 220 / 3‏‏]‏

‏‏من هذا الـتعبیر یعلـم: أنّـه ظنّ أنّ الـمسألـة لُغویّةٌ؛ و هذا فرار منـه من‏‎ ‎‏إذاعة الـحقّ الـصرف فی الـمسألـة؛ خوفاً من الـجهّال، أو لم یَصِلْ إلـیٰ ما هو‏‎ ‎‏الـتحقیق فی مسألـة الـبرزخ و الـقیامـة علـیٰ وجـه ینطِق علـیـه الـقواعد‏‎ ‎‏الـشرعیـة و الـعقلـیـة، و الله الـعالـم.‏

‏‏قوله:‏‏ لا تزاحم بین الأجساد.‏‏[‏‏9 : 216 / 22‏‏]‏

‏‏لا تمسّ الـحاجـة إلـیٰ تصدیق هذه الـمقالـة؛ لإمکان الـوعاء الأوسع‏‎ ‎‏من هذه الـعوالـم بل تکون غیرَ متناهٍ، فلا تزاحم إلاّ إذا فرضنا حشر‏‎ ‎‏الـموجودات فی هذه الأرض کما تخیّل فإنّـه حینئذ یلـزم الإشکال.‏

‏
‏‎

‎‏ثمّ إنّ لنا کلاماً آخر مع الـمصنّف و هو: أنّ هؤلاء الأعاظم اعتقدوا‏‎ ‎‏بالـمادّة الـمبدعـة الـمقرونـة بالـصور الـفلـکیـة، و هذا یورث صحّـة کون‏‎ ‎‏الـصور الـمبدعـة بالـنفس فی الآخرة مقارنةً مع الـمادّة، و تکون متشکّلـة‏‎ ‎‏بأشکالٍ مختلـفـة و متلـوّنةً بألوان متشتّـتة و متزاحمةً بعضُها مع الـبعض، فکما‏‎ ‎‏أنّ أجرام الـفلـکیـة فیها الـتزاحم ـ لأنّها مادّیـة ـ کذلک تلـک الـصور. بل‏‎ ‎‏مُقتضیٰ ظهور ما فی الـخیال فی الـخارج فی الـدار الآخرة أنّ تلـک الـصور‏‎ ‎‏بینها الـتزاحم؛ لأنّ الأشیاء بأنفسها تحضر لدیٰ الـنفس فتظهر عندها إذا هتکت‏‎ ‎‏الـحجب و بلـغتْ إلـیٰ الـغایـة الـقصویٰ.‏

‏‏فبالـجملـة کون الـصور ناشئـة من الـتصوّرات الـنفسانیـة لایورث‏‎ ‎‏قصوراً فی نحو وجودها، بل الـوجود الـلایق بالـماهیات یتعلّق بها بالـنفس‏‎ ‎‏کما یتعلّق بها فی هذه الـنشأة بغیرها و مبادئ آخر طبیعیـة. و بذلک الـبیان‏‎ ‎‏جمعنا بین الأحکام الـعقلـیـة و الـظواهر الـشرعیـة، فلاحظ و تدبّر.‏

‏‏ ‏