فصل (2) فی الإرادة
قوله: بإرادة الـمعاصی.[4 : 113 / 22]
مغزیٰ الـکلام هو أنّ الإرادة مصحّح الـعقوبـة علـیٰ الـمعصیـة، و الـمثوبـة علـیٰ الإطاعـة.
قوله: لاحتاجَ إلـیٰ قصد آخر و یلـزم الـتسلـسل.[4 : 114 / 4]
أقول: و هذه شبهـة عویصـة اختلـفت کلـمات أساطین الـفنّ فی ذلک، و لمّا انحلّها الـوالـد الـمحقّق الـنحریر فی کلّ صناعـة و أفرد رسالـة علیٰ حدةٍ لحلّ سائر الـمعضلات الـمتعلّقـة بهذه الـمسألـة، أردنا أن ننقل بعض ما قیل و قال هو ـ مدّ ظلّـه الـعالـی ـ فنقول:
اختار الـسیّد الـمحقّق الـداماد ـ الـمتوفّیٰ سنـة 1042 ـ : إنّ الإرادة حالـة شوقیـة إجمالـیـة متأکّدة؛ بحیثما إذا قیست إلـیٰ نفس الـفعل و کان هو الـملـتفت إلـیـه باللـحظ بالـذات، کانت شوقاً و إرادة بالـقیاس إلـیـه؛ و إذا ما قیست إلـیٰ إرادتـه و الـشوق الإجماعی إلـیـه و کان الـملـتفت إلـیـه
کتابتعلیقات علی الحکمه المتعالیه [صدرالدین شیرازی ]صفحه 300 باللـحظ بالـذات تلـک الإرادة والشوق لا نفس الفعل، کانت هی شوقاً وإرادة بالـقیاس إلـیٰ الإرادة من غیر شوقٍ آخر مستأنَف و إرادة اُخریٰ جدیدة. و کذا الأمر فی إرادة الإرادة، و إرادة الإرادة الإرادة إلـیٰ سائر الـمراتب. فاذن کلّ من تلـک الإرادات الـمفصّلـة یکون بالإرادة و الاختیار، و هی بأسرها مضمّنـة فی تلـک الـحالـة الـشوقیـة الإجمالـیـة الـمعبّر عنها بإرادة الـفعل و اختیاره، انتهیٰ.
و قال الـمصنّف قدس سره فی مبحثٍ آخر ما یکون تحکّماً عنده هنا و بیانـه ـ مع تغییرٍ مّا ـ : «أنّ الإرادة بما هی من الـصفات الـحقیقیـة ذاتِ الإضافـة، وزانها وزان سائر الـصفات الـکذائیـة. فکما أنّ الـمعلـوم ما تعلّق بـه الـعلم لا ما تعلّق بعلمـه الـعلـم، و الـمحبوب ما تعلّق بـه الـحبّ لا ما تعلّق بحبّـه الـحُبّ، و هکذا، کذلک الـمراد ما تعلّقت بـه الإرادة لا ما تعلّقت بإرادتـه الإرادة، و الـمختار من یکون فعلـه بإرادتـه لا إرادتـه و اختیاره، و الـقادر من یکون إذا أراد الـفعل فعل. ولو توقّف الـفعل الإرادی علـیٰ کون الإرادة الـمتعلّقـة بـه متعلَّقاً للإرادة، لزم أن لایوجد فعل إرادی قطُّ حتّیٰ ما صدر عن الـواجب» انتهیٰ کلامـه بتوضیح منـه مدّ ظلّـه.
و قال والـدی الـمحقّق بتلـخیص منّا: «الأفعال الاختیاریـة الـصادرة من الـنفس علـیٰ ضربین:
أحدهما: ما یصدر منها بتوسّط الآلات الـجرمانیـة کالـکتابـة و الـصیاغـة و الـضرب.
کتابتعلیقات علی الحکمه المتعالیه [صدرالدین شیرازی ]صفحه 301 الـثانی: ما یصدر عنها بلاوسط جسمانی کالـتصوّر و الـتصدیق و الإرادة و الإجماع.
فالـضرب الأوّل تکون الـنفس بالـقیاس إلـیها فاعلـة طبیعیـة و بالآلـة، و فی الـضرب الـثانی تکون فاعلـة إلـهیـة و بغیر الآلـة. و أیضاً فی الـضرب الأوّل یتوسّط الاُمور الـنفسانیـة و الـفعلـیـة مثل الـفَوْر إلـیٰ الإرادة و الـجزم، و فی الـضرب الـثانی لایمکن توسیط تلـک الـوسائط بینها و بین الـنفس؛ بداهـة عدم إمکان کون الـتصوّر مبدأ للـتصوّر بل نفسـه حاصل بخلاّقیـة الـنفس. و هی بالـنسبـة إلـیها فاعل بالـعنایـة بل بالـتجلّی؛ لأنّها مجرّدة و الـمجرّد واجد لفعلیّات ما هو معلـول لـه فی مرتبـة ذاتـه، فخلاّقیتـه لا تحتاج إلـی تصوّر زائد بل الـواجدیـة الـذاتیـة تکفی للـخلاّقیـة، کما لایحتاج إلـیٰ تصوّر و قصد و عزم زائد علـیٰ نفسـه.
إذا عرفت ذلک فاعلـم: أنّ تلـک الاُمور من أفعال الـنفس و لم یکن سبیلـها سبیل الـشوق و الـمحبّـة من الاُمور الانفعالـیـة، فالـنفس مبدأ الإرادة و الـتصمیم، و لم تکن مبدئیتها بالآلات الـجرمانیـة بل هی موجدة لها بلا وسط جرمانی و موجدة لها بالـعلـم و الاستشعار الـتی فی مرتبـة ذاتها. و کما أنّ الـمبدأ للـصور الـعلـمیـة واجد لها فی مرتبـة ذاتها الـبسیطـة بنحو اعلـیٰ و أشرف و أکمل، فکذا الـفاعل للإرادة. لـکن لمّا کانت الـنفسُ ـ مادامت متعلّقـة بالـبدن و مسجونـة فی الـطبیعـة ـ غیرَ تامّـة الـتجرّد تجوز علـیها الـتبدّلات و الـفاعلـیـة تارة و عدمها اُخریٰ، فلایجب أن تکون فعالـه علـیٰ الـدوام. نعم لو حصل الـتجرّد الـتامّ لیصیر علـیٰ الـدوام فائضـة»
کتابتعلیقات علی الحکمه المتعالیه [صدرالدین شیرازی ]صفحه 302 انتهیٰ ملـخّصـة.
و تشیر إلـیٰ هذه قاعدة «الـنفس فی وحدتها کلّ الـقویٰ».
مصطفیٰ عفی عنه
کتابتعلیقات علی الحکمه المتعالیه [صدرالدین شیرازی ]صفحه 303