المقام الأوّل : فی إمکان الرجوع إلی الجمیع
فقد یقال: إنّ آلة الاستثناء : إمّا اسمٌ مثل «غیر» ونحوه، أو حرفٌ مثل «إلاّ».
وعلیٰ أیّ تقدیر المستثنیٰ : إمّا کلّیّ مثل الفسّاق، أو جزئیّ ینطبق علیه عناوین موضوعات الجمل التی قبله، وإمّا مشترک کزید المشترک بین زید بن عمرو وزید بن بکر، وکان من أفراد موضوعات الجمل من یسمّیٰ بزید.
فهذه ستّة أقسام .
فلو کان آلة الاستثناء اسماً، والمستثنیٰ کلّیّاً أو جزئیّاً، ینطبق علیه عناوین
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 403 موضوعات کلّ واحد من الجمل المتعدّدة، فلا ریب فی إمکان رجوع الاستثناء إلیٰ الجمیع وعدم استحالته، وعدم الإشکال فیه؛ لا من ناحیة آلة الاستثناء، ولا من ناحیة المستثنیٰ:
أمّا الأوّل : فلأنّ الموضوع له فیها عامّ کالوضع.
وأمّا الثانی : فلأنّ المستثنیٰ أمر کلّیّ قابل الانطباق علیٰ الجمیع أو خصوص الأخیرة.
وأمّا لو کان المستثنیٰ جزئیّاً مشترکاً امتنع الرجوع إلی الجمیع؛ لأنّه وإن لا یلزم منه محذور من ناحیة آلة الاستثناء؛ لأنّ المفروض أنّها اسم والموضوع له فیها عامّ، لکن المحذور إنّما هو من ناحیة المستثنیٰ؛ حیث إنّ رجوعه إلیٰ الجمیع یستلزم استعمال اللفظ المشترک فی أکثر من معنیً واحد، وهو المستثنیٰ، وهو محال، فلا یتصوّر رجوعه إلیٰ الجمیع.
وأمّا لو کان آلة الاستثناء حرفاً : فإن قلنا: إنّ الموضوع له فی الحروف عامّ کالوضع، فالکلام فیه هو الکلام فیما لو کان اسماً فی جمیع الأقسام.
وإن قلنا : إنّ الموضوع له فیها خاصّ امتنع الرجوع إلیٰ الجمیع فی القسم الثالث، بل هو أسوء حالاً ممّا لو کانت اسماً؛ لأنّه یمتنع الرجوع إلی الجمیع ـ حینئذٍ ـ لوجهین :
أحدهما : لزوم استعمال اللفظ المشترک فی أکثر من معنیٰ واحد، وهو لفظ المستثنیٰ، وهو محال.
الثانی : استعمال لفظ آلة الاستثناء فی أکثر من معنیً واحد أیضاً، بل حیث إنّ الحروف غیر مستقلّة بالمفهومیّة، وأنّ معانیها آلة وحالة للغیر، فاستعمالها فی أکثر من معنیٰ واحد مستلزم لفناء اللفظ الواحد فی أکثر من واحد، وهو محال.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 404 أقول : هذا مبنیّ علیٰ القول بعدم جواز استعمال اللفظ المشترک فی أکثر من معنیً واحد فی استعمال واحد، لکن عرفت سابقاً: أنّ الحقّ هو جوازه، بل هو استعمال شائع فی العرف، وعرفت أنّه لیس بین المعانی الحرفیّة جامع مشترک حرفیّ هو الموضوع له للحروف، وأنّه لا یمکن حکایة جامع اسمیّ عنها وعن خصوصیّاتها، فلا محیص عن الالتزام بأنّها تابعة لمتعلَّقاتها ومدخولها فی الاستعمال، فإن کان متعلَّقها ممّا یدلّ علی الکثرة، مثل «کلّ» ونحوه من ألفاظ العموم، فهی ـ أیضاً ـ مستعملة فی الکثرة تبعاً له، وأنّ لفظة «من» الابتدائیّة فی مثل «سر من البصرة إلی الکوفة» أو «سر من أیّة نقطة من البصرة»، مستعملةٌ فی الکثرة.
وأمّا ما ذکره بعضهم : من أنّ اللفظ المستعمل فی المعنی فانٍ فیه، فلا معنیٰ له.
وحینئذٍ فجمیع الأقسام الستّة متصوّرة وممکنة.
مضافاً إلیٰ أنّه یمکن أن یقال : إنّه إذا کانت آلة الاستثناء حرفاً، فهی مستعملة فی معنیً واحد ولو مع الرجوع إلیٰ جمیع الجمل؛ لأنّه لو فرض أنّ المستثنیٰ من العناوین الکلّیّة مع اشتماله علی ضمیر راجع إلی المستثنیٰ منه، مثل: «أضف التجار، وأکرم العلماء، وجالس الطلاّب إلاّ الفُسّاق منهم»، فآلة الاستثناء مستعملة فی إخراج الفسّاق، وهو معنیً واحد؛ سواء رجع الضمیر إلی الجمیع أو إلی خصوص الأخیرة بلا فرق بینهما؛ لأنّه لیس فی الأوّل إخراجات متعدِّدة، بل إخراج واحد، وهو إخراج فسّاقهم.
وتقدّم أنّ الضمائر والموصولات وأسماء الإشارات حروف لا أسماء، وأنّها موضوعة للإشارة لا المشار إلیه، غایة الأمر أنّ الإشارة فی مثل «هذا» إنّما هو للإشارة إلیٰ المحسوس المشاهد، وفی الضمائر والموصولات إلیٰ الغائب، فلا فرق فی الإشارة بالضمیر فی «إلاّ الفُسّاق منهم» بین الرجوع إلیٰ الجمیع أو البعض؛ فی أنّ
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 405 «إلاّ» مستعملة فی معنیً واحد، وهو الإخراج ، وکذلک فی المستثنیٰ الجزئی المشترک، فإنّ رجوع الاستثناء فیه إلیٰ الجمیع ـ باستعمال المستثنیٰ فی أکثر من معنیً واحد ـ لایستلزم استعمال أداة الاستثناء فی أکثر من معنیً واحد، فإنّ لفظة «إلاّ» مستعملة فی إخراج زید بما له من المعنیً المتعدّد، وإن قلنا بعدم جواز استعمال لفظ المشترک فی أکثر من معنیً واحد، فزید المستثنیٰ من الجمیع مستعمل فی مسمّیً ب «زید»، فالمخرج ب «إلاّ» هو مسمّیً ب «زید».
وبالجملة : رجوع الاستثناء إلیٰ الجمیع لا یستلزم استعمال أداة الاستثناء إلاّ فی معنیً واحد، وهو الإخراج، لا الإخراجات المتعدّدة، وذلک واضح.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 406