المقام الثانی : التخصیص بالمفهوم المخالف
وأمّا الکلام فی المفهوم المخالف، وأنّه هل یصحّ تخصیص العامّ به أو لا؟
ولیس محطّ البحث فی ذلک أنّه هل القید فی قوله علیه السلام: (إذا بلغ الماء قدر کُرٍّ لا یُنجِّسه شیء) ـ یعنی البلوغ قدر الکرّ ـ له دَخْل فی ثبوت الحکم؛ لیکون تعارضه مع قوله علیه السلام: (خلق الله الماء طَهوراً لا یُنجِّسه شیء) بالإطلاق والتقیید، فیقیّد المطلق به أو لا؟ فإنّه لا ریب فی تقیید المطلق به.
بل محلّ البحث إنّما هو فی تخصیص العموم به وعدمه بعد ثبوت المفهوم، کما لو قال : «أکرم العلماء»، ثمّ قال: «إن جاءک زید فلا تهن فسّاق العلماء»، وفُرض أنّ مفهومه المخالف: أنّه لو لم یجیء زید جاز إهانة فسّاق العلماء، فهل یجوز تخصیص «أکرم العلماء» بهذا المفهوم؛ سواء کانت استفادة العموم بطریق مسلک القدماء، أم مسلک المتأخّرین؟
فنقول : دلالة العامّ علی العموم إمّا بالوضع والظهور اللّفظی، وإمّا بالإطلاق ومقدّمات الحکمة، وکذلک دلالة الشرطیّة ـ مثلاً ـ علیٰ المفهوم: إمّا من جهة الوضع والظهور اللفظی، أو من جهة الإطلاق ومقدّمات الحکمة. وعلیٰ أیّ تقدیر: إمّا أن یکون العامّ وما له المفهوم متّصلین وفی کلام واحد، أو منفصلین وفی کلامین:
فإن قلنا: إنّ دلالة کلّ واحد منهما بالوضع وظهور اللفظ، فلا ینعقد للعامّ ظهور
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 399 فی العموم فی صورة اتّصالهما؛ لوجود ما یصلح للمخصِّصیّة قبل انعقاد ظهوره، فیقع الإجمال فی البین، وفی صورة الانفصال یصیر کلٌّ منهما مجملاً.
وکذلک لو فُرض أنّ دلالة العامّ علی العموم بالإطلاق، ودلالة الشرطیّة ـ مثلاً ـ علی المفهوم بالوضع وظهور اللفظ.
وإن قلنا : إنّ دلالة العامّ علی العموم بالوضع وظهور اللفظ ـ کما هو التحقیق ـ ودلالة الشرطیّة ـ مثلاً ـ علیٰ المفهوم بالإطلاق، فالعامّ یصلح لأن یکون بیاناً مع الاتّصال، وأمّا مع الانفصال فهو مبنیّ علیٰ أنّ المراد بالبیان ـ الذی یعتبر عدمه فی الأخذ بالإطلاق ومقدّمات الحکمة ـ هل هو الأعمّ من المتّصل والمنفصل، أو أنّه خصوص المتّصل؟
فعلیٰ الأوّل لا یصحّ التمسُّک بالإطلاق، ویُقدَّم العامّ، بخلافه علیٰ الثانی، فإنّه یقع الإجمال مع الانفصال.
وإن قلنا : إنّ دلالة کلیهما بالإطلاق ـ لا بالوضع ـ یقع الإجمال أیضاً.
وأمّا ما یقال (القائل المحقّق المیرزا النائینی قدس سره): حیث إنّ المفهوم مستفاد من إناطة الجزاء بالشرط، والإناطة مدلولة للّفظ ومن جهة ظهوره، فیقدّم علی العامّ.
ففیه : أنّ الإناطة وإن کانت کذلک لکن مجرّد إناطة الجزاء بالشرط لا یُفید المفهوم، بل لابدّ من إثبات العِلِّیّة المُنحصرة للشرط، وهی إنّما تثبت بالإطلاق، کما اعترف هو قدس سره به، غایة الأمر أنّه رحمه الله تمسَّک لذلک بإطلاق الجزاء، وغیرُه بإطلاق الشرط.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 400