أمّا المقام الأوّل :
فقال العلاّمة قدس سره علیٰ ما حُکی عنه: إنّ کلّ واحد من الشرطین فی الأوّل: إمّا علّة تامّة مستقلّة فی التأثیر ، أو لهما تأثیرٌ واحدٌ، أو لأحدهما المعیّن، أو الغیر المعیّن، والأقسام کلّها باطلة، إلاّ الأوّل.
فقال الشیخ قدس سره : إنّ مرجع ما ذکره إلیٰ دعاویٰ ثلاثة :
أحدها : أنّ کلّ واحد من الشرطین مؤثّر.
وثانیها : أنّ أثر الثانی غیر أثر الأوّل .
ثالثها : أنّ المُقتَضیٰ لکلّ واحد منهما غیر المقتَضی للآخر.
ثمّ أطال الکلام فی کلّ واحد من هذه الدعاویٰ :
أمّا الاُولیٰ : فاستدلّ لعدم التداخل بمقتضیٰ القواعد اللّفظیّة بوجوه تبعه فی کلّ واحد منها بعض الأعاظم :
الأوّل : ما تبعه فیه فی «الکفایة» : وهو أنّه لا إشکال فی أنّ الشرط علّة
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 293 مستقلّة للجزاء، وقضیّة ذلک تعدُّد الجزاء بتعدُّد الشرط، ومُقتضیٰ إطلاق الجزاء وإن کان اتّحاده، وأنّه نفس الطبیعة فی کلّ واحد منهما، لکن ظهور الشرطیّة حاکم علیٰ إطلاق الجزاء؛ لأنّه بیان، والإطلاق إنّما هو فیما لیس فیه بیان، فمقتضیٰ تعدُّد الشرط هو تعدُّد الجزاء، ویرفع الید عن إطلاق الجزاء، وأنّ الجزاء لکلّ واحد من الشرطین غیر الآخر.
الثانی : ما اختاره المیرزا النائینی قدس سره حیث قال ما حاصله : إنّ الأصل یقتضی عدم تداخل الأسباب والمسبّبات؛ لأنّ الأمر متعلّق بالجزاء، ومقتضاه هو إیجاد الطبیعة، والعقل حاکم بأنّ إیجاد الطبیعة یتحقّق بإیجاد فرد واحد منها، فکفایة الإتیان بالجزاء مرّة واحدة إنّما هو بحکم العقل؛ حیث إنّه اُخِذ بنحو صِرف الوجود، لا أنّه مقتضیٰ إطلاق الجزاء، لکن لو دلّ دلیل علیٰ أن المطلوب متعدِّد لا یعارضه حکم العقل؛ لأنّ کلّ مطلوب یتحقّق امتثاله بفرد واحد، وهو لا یُنافی حکم العقل بتحقّق الطبیعة بإیجاد فرد منها، وأمّا أنّ المطلوب متعدّد أو لا، فلا حکم للعقل فیه، فلو دلّ ظاهر الشرطین علیٰ تعدُّد المطلوب لم یُعارضه شیء أصلاً.
وقال المحقّق الأصفهانی صاحب الحاشیة قدس سره ما یقرب من ذلک؛ حیث قال: لایخفیٰ أنّ متعلَّق الجزاء نفس الماهیّة المهملة، والوحدة والتکرار خارجان، فهی بالنسبة إلیٰ الوحدة والتعدُّد لا اقتضاء، بخلاف أداة الشرط، فإنّها ظاهرة فی السببیّة المطلقة، ولا تعارض بین الاقتضاء واللا اقتضاء، ولکن الماهیّة وإن کانت فی حدّ نفسها کذلک، إلاّ أنّه لابدّ للمتکلّم الحکیم أن یُلاحظها علیٰ نهج الوحدة أو التعدُّد؛ أی أحدهما معیّناً؛ إذ لا یعقل تعلُّق حکم العقل بالمهمل، فهناک ظهوران متعارضان، خصوصاً إذا کان ظهور الأداة فی السببیّة المطلقة لا بالوضع.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 294 فالوجه للقول بعدم التداخل : أنّه إذا عُرضت القضیّتان علی العرف والعقلاء، یرون أنّ مقام الإثبات ومقام الثبوت مقترنان، ویحکمون بمقتضیٰ تعدُّد السبب بتعدُّد متعلَّق الجزاء، من غیر التفاتٍ إلی أنّ مقتضیٰ إطلاق المتعلّق خلافه، وهذا المقدار من الظهور العرفیّ کافٍ.
الثالث : ما أشار إلیه الشیخ الأعظم قدس سره وتبعه فیه المحقّق الهمدانی قدس سرهفی «المصباح» فی باب الوضوء؛ حیث قال: مقتضیٰ القواعد اللفظیّة هو سببیّة کلّ شرط للجزاء مستقلاًّ، ومقتضاه تعدُّد اشتغال ذمّة المکلّف بتعدُّد سببه؛ لأنّ مقتضیٰ إطلاق سببیّة کلّ شرط تنجُّزُ الجزاء عند حصوله، ومقتضیٰ تنجُّز الجزاء عند کلّ سبب، حصولُ اشتغال ذمّة المکلّف بفعل الجزاء بعدد الخطابات المتوجّهة إلیه، فکأنّ المولیٰ قال فیمثل «إن جاءک زید فأعطِهِ درهماً، وإن أکرمک فأعطِهِ درهماً»: «أعطِهِ درهمین» لأنّ إعطاء درهم واحد لا یعقل أن یکون امتثالاً لأمرین، إلاّ إذا کان الثانی تأکیداً للأوّل؛ ولم یوجب اشتغال الذمّة، وهو باطل بعد فرض تأثیر السبب الثانی فی الفعل.
ثمّ أشار إلی أنّ العلل الشرعیّة کالعلل التکوینیّة، فکما أنّ لکلّ علّة تکوینیّة معلول خاصّ، فکذلک العلل التشریعیّة.
واستدلّ فی «الدرر» بذلک؛ أی أنّ العلل الشرعیّة کالعلل التکوینیّة.
وهذه خلاصة الاستدلالات التی ذکرها الشیخ قدس سره .
أقول: لابدّ من ملاحظة أنّ ظهورالجملة الشرطیّة فیحدوث الجزاء عند حصول الشرط ـ ودلالتها علیٰ ذلک، کما فی «الکفایة» ، أو ظهورها فی أنّ الشرط علّة مُستقلّة للجزاء، کما عبّر به الشیخ قدس سره هل هو بالوضع، أو بالإطلاق ومقدّمات الحکمة؟
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 295 والاستدلالات المذکورة مبنیّة علیٰ الأوّل؛ أی أنّ الظهور المذکور بوضع الأداة لذلک، وحینئذٍ فظهور الجملة الشرطیّة حاکم علیٰ ظهور إطلاق الجزاء.
لکن لیس کذلک، بل کما أنّه یُتمسَّک لوحدة الجزاء بالإطلاق ومقدّمات الحکمة ـ لا بحکم العقل بقبح العقاب بلا بیان ونحوه ـ کذلک ظهور الجملة الشرطیّة ودلالتها علیٰ حدوث الجزاء عند حدوث الشرط، إنّما هو بالإطلاق، وأنّ مقتضیٰ الإطلاق فیها أنّ الشرط علّة مستقلّة للجزاء ـ سواء تقدّم علیه شرط آخر له، أم قارنه، أم تأخّر عنه ـ لا بالوضع، کما هو واضح.
وحینئذٍ فلو قال : «إذا بلت فتوضّأ» فلا تنافی بین إطلاقی الصدر والذیل، وکذا لو قال: «إذا نمت فتوضّأ» لا تنافی بین إطلاقی صدرها وذیلها، لکن بین الإطلاقات الأربع فی القضیّتین منافاة، والمعلوم إجمالاً هو رفع الید عن أحد الإطلاقین: إمّا إطلاق الشرط، أو إطلاق الجزاء، ولیس إطلاق الشرط حاکماً علیٰ إطلاق الجزاء؛ لما عرفت من أنّ حکومة ظهور الشرط علیٰ الظهور المستفاد من إطلاق الجزاء متوقّفة علیٰ أن یکون استفادة ظهور الشرط من الوضع، وأنّ أدوات الشرط موضوعة للدلالة علیٰ الحدوث عند الحدوث، وقد عرفت منعه، وجمیع الوجوه المذکورة مبنیّة علیٰ ذلک.
وأمّا قیاس العلل الشرعیّة علی العلل التکوینیّة، وأنّه کما یقتضی کلّ واحد من العلل التکوینیّة معلولاً مستقلاًّ واحداً، فکذلک العلل التشریعیّة.
فقد عرفت فساده غیر مرّة، وأنّه مع الفارق؛ لأنّ المعلول فی العلل التکوینیّة تابع لعلّته ولیس قبل المعلول تقدیر له، فالمعلول تمام حیثیّة العلّة، بخلاف العلّة التشریعیّة، فإنّه یتقدّر المعلول بقدرٍ معلوم أوّلاً، ثمّ یتعلّق به الإرادة، فالعلّة فیها تابعة للمعلول، فالآمر یُقدِّر المعلول أوّلاً : بأنّه نفس الطبیعة أو الطبیعة المقیَّدة بقید، ثمّ تتعلّق به إرادته.
ثمّ إنّه اعترف بعضهم : بأنّ ظهور الجملة الشرطیة فی الحدوث عند الحدوث،
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 296 إنّما هو بالإطلاق ـ أیضاً ـ کما فی الجزاء، کما ذکرناه، لکنّه مع ذلک قدّم إطلاق الشرط علی إطلاق الجزاء؛ من جهة حکم العقل: بأنّ العلّتین لا یمکن أن تُؤثِّرا فی واحد، فإطلاق الشرط ـ بضمیمة هذا الحکم العقلیّ ـ مقدَّم علی إطلاق الجزاء، ومقتضیٰ ذلک هو عدم التداخل، وأنّ الجزاء فی کلّ واحدة من القضیّتین جزاء خاص.
وفیه : أوّلاً : أنّ الجمع الذی حکموا بأنّه أولیٰ من الترجیح والطرح، هو الجمع العرفیّ العقلائیّ، وقضیّة عدم تأثیر الاثنین فی واحد حکم عقلیّ مبنیّ علیٰ برهان دقیق، کما بُیّن فی محلّه، ولا یصحّ ابتناء الجمع العرفیّ العقلائیّ علیٰ هذه المسألة الدقیقة العقلیّة.
وثانیاً : لو أغمضنا عن ذلک لکن یمکن أن یُعکس الأمر؛ بأن یقال: إنّ إطلاق الجزاء ـ بضمیمة هذا الحکم العقلیّ ـ یرجَّح علیٰ إطلاق الشرط ویُقدَّم علیه، ومُقتضیٰ ذلک هو التداخل.
والحاصل : أنّه لابدّ من التخلّص عن مخالفة هذا الحکم العقلیّ، ولا یمکن مع بقاء إطلاق کلّ واحد من الشرط والجزاء علیٰ حاله، فلابدّ من رفع الید عن أحد الإطلاقین ـ إطلاق الشرط، أو إطلاق الجزاء ـ ولا ترجیح لرفع الید عن الثانی، بل هما متساویان.
فالحقّ فی تقریر عدم التداخل هو ما اختاره صاحب الکفایة فی الحاشیة: وهو أنّ المتبادر فی التفاهم العرفیّ فیما إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء: أنّ کلّ واحد من الشرطین علّة تامّة للجزاء، وأنّ لکلّ واحد منهما جزاءً خاصّاً من دون التفات إلیٰ أنّ ذلک منافٍ لإطلاق الجزاء: إمّا لأجل قیاسهم العلل التشریعیّة علیٰ العلل
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 297 التکوینیّة؛ حیث إنّه یترتّب علیٰ کلّ واحد من العلل التکوینیّة معلول خاصّ، کالنار والشمس للحرارة، فإنّ لکل واحدة منهما حرارة خاصّة، وقد عرفت سابقاً أنّ هذا القیاس فاسد لکنّه لا یضرّ فی کونه منشأً للمتفاهم العرفیّ.
وإمّا لأنّهم یرون أنّ بین العلّة ونفس المعلول ارتباطاً ومناسبة، وأنّ فی موت الهرّة ـ مثلاً ـ فی البئر ونزح عشر دِلاء مناسبة، وکذلک بین موت الفأرة ونزح عشرة، فیحکمون بنزح عشرین فی موتهما معاً فیه، فکذلک یرون أنّ بین کلّ واحد من النوم والبول مناسبة مع الوضوء، فیتعدّد وجوب النزح المقدَّر عند تعدُّد الشرط عندهم.
وعلیٰ أیّ تقدیر فالتفاهم العرفیّ فی ذلک کافٍ فی تقدیم ظهور الشرطیّة ـ فی تأثیر کلّ واحد منهما أثراً مستقلاًّ ـ علیٰ ظهور إطلاق الجزاء، أو لأظهریّتها منه.
لکن أورد علیه بعضهم : بأنّه لاریب فی أنّ الأسباب الشرعیّة علل للأحکام المتعلّقة بأفعال المکلّفین، لا لنفس الأفعال؛ ضرورة لزوم الانفکاک علیٰ تقدیر علّیّتها لها، لا لأحکامها، فتعدّدها لا یوجب تعدّد الفعل، وإنّما یوجب تعدُّد معلولها، وهو الوجوب، وتعدّده لا یدلّ علیٰ وجوب إیجاد الفعل مکرّراً.
توضیح ذلک : أنّ هیئة الأمر ـ فی قوله : «توضّأ عند صدور البول» ـ موضوعة للبعث، الظاهر فی أنّه معلول لإرادة حتمیّة، ما لم ینضمّ إلیه قرینة دالّة علیٰ أنّه عن إرادة غیر حتمیّة، والوجوب مُستفاد من البعث المعلول عن إرادة حتمیّة، فلو قال بعد ذلک: «إذا نمت فتوضّأ» فهو ـ أیضاً ـ بعث معلول عن إرادة حتمیّة، لکن هذه الإرادة التی هی علّة لهذا البعث عین الإرادة التی هی علّة للبعث الأوّل، ومع ذلک هذا البعث غیر البعث الأوّل، والوجوب المستفاد منه غیر الوجوب المستفاد من البعث الأوّل، لکنّه لا یوجب تعدُّد الوجوب، بل هو تأکید للأوّل، ولیس معنیٰ التأکید أنّه مجاز، ولا أنّ الهیئة مستعملة فی التأکید، بل الهیئة مستعملة فی البعث إلیٰ الوضوء مثل
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 298 الأوّل، ومنشؤهما إرادة حتمیّة، کما هو کذلک فی الأوامر العرفیّة، فإنّه قد یأمر المولیٰ عبده بشیء، ویُؤکّد أمره بأمر آخر وثالث؛ لمکان أهمّیّة الغرض فی نظره، مع أنّ إرادته واحدة، والثانی مع أنّه بعث آخر تأکید للأوّل، ولیس معناه أنّه عین الأوّل. وحینئذٍ فالأمر دائر بین رفع الید عن ظهور إطلاق الشرط المقتضی لتعدّد الجزاء وبین رفع الید عن إطلاق الجزاء المقتضی لوحدة الجزاء ورفع الید عن ظهور السیاق فی أنّ الثانی تأسیس المقتضی لتعدد الجزاء، وحیث إنّ ظهور السیاق أهون من الأوّلین، فالأولی رفع الید عنه بحمل الثانی علی التأکید لا التأسیس. هذا غایة ما ذکروه من الإشکال.
واُجیب عنه بوجوه :
الوجه الأوّل : ما ذکره الشیخ الأعظم قدس سره : وهو أنّ ظاهر القضیّة الشرطیّة فی القضیّتین هو أنّ کلاًّ منهما علّة مُستقلّة لاشتغال ذمّة المکلّف، فالشرط الثانی ـ أیضاً ـ موجب لاشتغالٍ آخر غیر الاشتغال الحاصل من الأوّل؛ لوجود المقتضی وعدم المانع.
أمّا وجود المُقتضی فهو ظاهر؛ لأنّ المفروض أنّ کلّ واحد من الشرطین علّة مُستقلّة لوجوب الوضوء فی المثال.
وأمّا عدم المانع فلأنَّ المفروض أنَّ الجزاء قابل للتکثُّر، ومقتضیٰ تعدُّد الاشتغال هو تعدُّد المشتغَل به ـ بالفتح ـ وجوداً وقد فُرض أنّ الشرط علّة للوجوب، وإنّما یصحّ أن یُجعل الثانی تأکیداً للأوّل لو کان بینهما تقدّم وتأخّر، والشرطان بحسب الوجود الخارجی کذلک، فیوجد أحدهما بعد الآخر، لکن المناط هو التقدّم والتأخّر فی مقام الجعل والتشریع، ولیسا کذلک، فإنّ کلّ واحد من النوم والبول فی مقام الجعل والتشریع فی عَرْض واحد وفی رتبة واحدة، فلا یمکن أن یُجعل أحدهما تأکیداً للآخر.
ثمّ ذکر فی آخر کلامه : أنّه لو فرض أنّ أحد الشرطین علّة لجهة، والآخر علّة لجهة اُخریٰ، متصادقین علیٰ موضوع واحد، أمکن أن یُجعل أحدهما تأکیداً للآخر،
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 299 بخلاف ما لو کان الشرطان علّتین لعنوان واحد، وهو وجوب الوضوء، وما نحن فیه من قبیل الثانی، لا الأوّل. انتهیٰ.
أقول : أمّا ما ذکره : من أنّ الشرط الثانی علّة لاشتغال آخر فی الذمّة غیر الأوّل، فقد عرفت سابقاً ما فیه، فإنّه لا یوجب إلاّ اشتغال ذمّته بوجوب الوضوء، وقد کانت الذمّة مشغولة به، فیقع الثانی تأکیداً للأوّل.
وأمّا ما أفاده : من أنّه لو فرض أنّ أحد الشرطین علّة لجهة غیر الجهة التی هی معلولة للآخر، وتصادقا علیٰ موضوع واحد، أمکن أن یُجعل أحدهما تأکیداً للآخر، ولکن ما نحن فیه لیس کذلک.
فهو ـ أیضاً ـ کما تریٰ، فإنّه علیٰ فرض کونّ الجزاء لأحد الشرطین غیر ما للآخر، لم یمکن جعل أحدهما تأکیداً للآخر، فإنّه لو أفطر شخص فی صوم شهر رمضان بشرب الخمر، لارتکب محرّمین، وخالف تکلیفین، لا أنّه ارتکب حراماً مؤکّداً لتصادق العنوانین.
وأمّا ما ذکره : من أنّ الحمل علیٰ التأکید إنّما یصحّ لو تقدّم أحد الشرطین علیٰ الآخر فی مقام الجعل والتشریع، ففیه : أنّه لیس معنیٰ التأکید : أنّ الثانی مستعمل فی مفهوم التأکید، بل معنیٰ التأکید هو تکرار مطلب واحد ولو بغیر اللفظ، فلو قال لعبده: «اُخرج» وأشار بیده إلیٰ الخروج، فهو تأکید لبعثه إلیٰ الخروج؛ للفرق بینه وبین ما لو اقتصر علیٰ قوله: «اُخرج» بدون الإشارة إلیه بالید، فلو فرض إمکان بعثه إلیٰ شیء واحد باللفظ مرّتین، فالثانی تأکید للأوّل.
فما ذکره : من اعتبار عدم تقارن المؤکِّد والمؤکَّد، واعتبار تقدُّم أحدهما علی الآخر فی الحمل علی التأکید، أیضاً غیر مُستقیم.
الوجه الثانی : ما ذکره الشیخ الأعظم قدس سره أیضاً : من أنّه یمکن أن یقال بالتزام
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 300 أنّها أسباب لنفس الأفعال لا لأحکامها.
والاشکال بلزوم الانفکاک یمکن أن یدفع : بالقول بأنّ الجنابة ـ مثلاً ـ سبب جعلیّ للغُسل، لا عقلیّ ولا عادیّ، ومعنیٰ السبب الجعلیّ هو أنّ لها نحو اقتضاء للغسل فی نظر الجاعل، علیٰ وجهٍ لو انقدح ذلک فی نفوسنا نجزم بالسببیّة، ویکشف عن ذلک قول المولیٰ لعبده : «إذا جاء زید من السفر فأضفه»، فإنّ للضیافة نحو ارتباط بالمجیء من السفر، فالقول بأنّها لیست أسباباً لنفس الأفعال لا وجه له... إلیٰ أن قال:
لکن الإنصاف : أنّه ـ أیضاً ـ لایفید، فإنّ معنیٰ جعلیّة السبب لیس إلاّ مطلوبیّة المسبَّب عند وجود السبب، والارتباط المدّعیٰ بین الشرط والجزاء ـ من حیث إنّ الجزاء من الأفعال الاختیاریّة ـ معناه : أنّ الشرط منشأ لانتزاع أمر یصحّ جعله غایةً للفعل المذکور.
وأجاب المحقّق العراقی قدس سره أیضاً بهذا الجواب الذی ذکره أوّلاً؛ غفلةً عن رجوعه عنه بما ذکره.
الوجه الثالث : الذی ذکره ـ أیضاً ـ بعد الغضّ عن الوجه الثانی، وحاصله: أنّ مقتضیٰ تأثیر کلّ واحد من الشرطین مستقلاًّ هو الوجوب المستقلّ، بعد فرض أنّها أسباب للأحکام المتعلِّقة بالأفعال، لا لنفس الأفعال، وإلاّ فتأکّد الوجوب فی ظرف تکرار الشرط، یستلزم عدم استقلال الشرط فی التأثیر؛ لبداهة استناد الوجوب المتأکّد إلیهما، لا إلیٰ کلّ واحد منهما، وحینئذٍ فمن المعلوم اقتضاء الوجوبین المستقلّین وجودین کذلک، ولازم ذلک ـ أیضاً ـ عدم التداخل. انتهیٰ.
والأولیٰ فی وجه القول بعدم التداخل ما ذکرها : من أنّه المتبادر إلی الأذهان
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 301 العرفیّة، وهو کافٍ فی إثباته.
هذا کلّه فی المقام الأوّل أی ما إذا تعدّد جنس الشرط.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 302