التنبیه الثالث : فی تداخل الأسباب والمسبَّبات
إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء، نحو: «إذا بلت فتوضّأ، وإذا نمت فتوضّأ»، فهل یتداخل فیه الأسباب أو المسبّبات أو لا؟ ولابدّ فیه ـ أیضاً ـ من تقدیم اُمور :
الأمر الأوّل : محطّ البحث : هو ما إذا اُحرز أنّ کلّ واحد من الشرطین علّة تامّة للجزاء، ومستقلّ فی التأثیر علیٰ فرض انفراده، فیقع البحث فیه فی التداخل، وأمّا إذا لم یُحرز ذلک، واحتُمل عدم استقلال کلّ واحد منهما فی التأثیر، وأنّ المؤثّر والعلّة التامّة هو مجموعهما، أو فرض احتمال الأعمّ من ذلک وممّا إذا اُحرز أنّ کلّ واحد منهما علّة تامّة مستقلّة، فلیس هو محطّ البحث فی التداخل وعدمه.
الأمرالثانی : أنّ محلّ البحث : هو ما إذا کان الجزاء الواحد قابلاً للتکثُّر؛ لأجل أنّ الجزاء هو الطبیعة، وهی قابلة للتکثُّر فی أفرادها کالوضوء، أو لأجل أنّ المأخوذ فی الجزاء فی أحد الشرطین طبیعة من الوضوء، وفی الآخر طبیعة اُخریٰ منه بنحوٍ من أنحاء التغایر، بخلاف ما لیس کذلک کالقتل، فإنّه لیس محلَّ البحثِ والکلامِ هنا.
ولا فرق ـ أیضاً ـ بین أن یکون الشرطان تحت طبیعة واحدة ومن جنس واحد ـ کما لو قال : «إذا بلت فتوضّأ»، فبال المکلّف مرّتین ـ وبین اختلافهما فی الجنس والطبیعة، کما لو قال: «إذا بلت فتوضّأ، وإذا نمت فتوضّأ».
الأمر الثالث : معنیٰ تداخل الأسباب هو أنّ المؤثِّر فی المسبَّب هو مجموعها أو أحدها علیٰ فرض انفراده، ومعنیٰ تداخل المسبَّبات هو أنّ المُقتضَیٰ ـ بالفتح ـ واحدٌ، وأنّ لکلّ واحد من الشرطین أثراً مُستقلاًّ، ومثّلوا لذلک بما لو قال: «أکرمْ عالماً، وأکرم هاشمیّاً» فأکرم هاشمیّاً عالماً، فإنّه لاریب فی أنّه امتثال لأمرین بإکرام واحد، لکن فی هذا المثال نظر؛ لأنّ مورد تداخُل المسبّبات هو بعنیه مورد تداخل الأسباب،
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 291 ولکنّه علیٰ فرض القول بعدم تداخل الأسباب قد یقال بتداخل المسبّبات، وقد عرفت أنّ محطّ البحث فی تداخل الأسباب : هو ما إذا اتّحد الجزاء لکلٍّ من الشرطین، والمثال لیس کذلک؛ لأنّ الإکرام المتعلِّق بالعالم غیر الإکرام المتعلِّق بالهاشمیّ، فتأمّل جیّداً.
الأمر الرابع : أنّ البحث فی التداخل وعدمه إنّما هو فی اقتضاء القواعد اللفظیّة اللُّغویّة ذلک، فلابدّ أن یُفرض بعد الفراغ عن إمکانه عقلاً، وإلاّ فلو امتنع التداخل أو عدمه عقلاً، لاتصل النوبة إلیٰ البحث فی مقتضیٰ القواعد اللُّغویّة وانّه ماذا؟
فذهب بعضهم إلیٰ امتناع عدم التداخل عقلاً؛ لأنّه لاریب فی أنّه یمکن أن یقال: «إذا جاءک زید فأکرمه، وإذا أکرمک زید یجب علیک إکرامه مرّتین»، وکذا لو قال: «إذا نمت وبلت یجب علیک وضوءان»، ولکن لو قال: «إذا نمت یجب علیک الوضوء، وإذا بلت یجب علیک الوضوء»، فعلیٰ فرض عدم تداخلهما، ووجوب الإتیان بالوضوء مرّتین، لابدّ أن یُقیِّده بقیدٍ، ولا یصحّ ذلک إلاّ أن یقول: «إذا بلت فتوضّأ، وإذا نمت توضّأ وضوءً آخر» وهذا القید ـ أیضاً ـ إنّما یصحّ فیما لو تقدّم أحد الشرطین فی الوجود والصدور من المکلّف دائماً، وتأخّر الآخر کذلک، وفیما نحن فیه لیس کذلک؛ فإنّه قد یوجد المتأخّر متقدِّماً والمتقدّم متأخّراً، فلا یصحّ التقیید بالآخر ـ أی بهذا اللفظ ـ أیضاً، ومع عدم تقیید أحد الجزاءین بقید، فلا یتعدّد الجزاء، فیتداخلان، فلا یمکن عدم التداخل، فلا تصل النوبة إلی الاستظهار من الأدلّة.
وفیه : أنّه یمکن التقیید بقیدٍ آخر غیر ما ذکره ـ أی قید «آخر» ـ لأنّه یمکن أن یقال: «إذا بلت فتوضّأ وضوءً من قِبَل البول، وإذا نمت فتوضّأ وضوءً من قِبَل النوم».
لا یقال: لایجوز أن یُقیَّد المعلول بعلّته؛ لأنّه یلزم وقوعهما فی رتبة واحدة، وأن یکون المعلول فی رتبة العلّة.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 292 لأنّه یقال : نعم تقیید المعلول بعلّته تکویناً وبذاته ممتنع للمحذور المذکور، وأمّا إذا لم یکن کذلک، بل قیّده المتکلّم بذلک، فلا یلزم المحذور المذکور.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 293