مقالة الشیخ البهائی قدس سره
ثمّ لو سُلِّم أنّ الأمر بالشیء یستلزم النهی عن ضدّه، وأنّه یستلزم فساده لوکان عبادة، فهل یصحّ ما ذکره الشیخ البهائی قدس سره ردّاً علیٰ الثمرة المذکورة: من أنّه یکفی فی فساد العبادة عدم الأمر بها، فهی فاسدة، سواء قلنا باستلزام الأمر بالشیء النهیَ عن ضدّه أم لا؛ لأنّه لا أقلّ من عدم الأمر بها، وهو کافٍ فی بطلانها، فلا یحتاج إلیٰ إثبات أنّ الأمر بالشیء یستلزم النهی فی بطلان الضدّ العبادی؟
قال فی «الکفایة» ردّاً علیه : إنّه یکفی فی صحّة العبادة وجود ملاک الأمر فیها وإن لم یتعلّق بها أمر فعلاً لمانع، والملاک موجود فی الصلاة مع ضدّیّتها للإزالة، ولا یحتاج إلیٰ تعلّق الأمر بها.
وقال المحقّق الثانی قدس سره : إنّ الأمر متعلِّق بالصلاة فی الفرض، وموجود فیما إذا فُرض أنّ وقتها موسّع، والأمر المتعلّق بالإزالة مضیّق؛ لأنّه فوریّ عند الزوال؛ وقال تعالیٰ: «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلیٰ غَسَقِ اللَّیْلِ» فبناءً علیٰ ما هو الحقّ من تعلُّق الأوامر والنواهی بالطبائع المطلقة من دون دَخْلٍ لخصوصیّات الأفراد فیه أصلاً، فالتخییر بین الأفراد عقلیّ لا شرعیّ، فبما أنّ للواجب الموسّع أفراداً غیر مزاحمة أمکن أن یتعلّق الأمرُ بالطبیعة؛ أی طبیعة الصلاة؛ لأنّ بعض أفرادها لا مُزاحم له، والأمرُ بالإزالة ـ أیضاً ـ فوراً معاً؛ لأنّ المفروض أنّ الأمر بالصلاة موسّع بالأصالة، ولو فُرِض صیرورتها مُضیّقة بتأخیرها إلیٰ أن بقی من الوقت بمقدار فعلها، وفُرض الأمر بالإزالة ـ أیضاً ـ فی ذلک الوقت، فلا مانع ـ حینئذٍ ـ من الالتزام بتعلُّق الأمر بطبیعة
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 119 الصلاة ولو ضاق وقتها، وکذا بطبیعة الإزالة؛ حیث إنّ هذا الفرد من الصلاة وإن انحصرت أفراد طبیعتها به بالعَرض، لکن أصل الطبیعة (هی) المتعلَّقة للأمر، فیمکن أن یُؤتیٰ بهذا الفرد بقصد الأمر المتعلّق بالطبیعة. انتهیٰ حاصل کلامه.
أقول : لا إشکال فیما ذکره قدس سره من تعلّق الأوامر بالطبائع المجرّدة من الخصوصیات الفردیّة، لکن المقصود من الأمر بها إیجادها فی الخارج، والطبیعة قد تکون لها أفراد، وقد تنحصر فی فرد، والأفراد ـ أیضاً ـ إمّا عرضیّة، کالصلاة فی هذا المکان وذاک، أو أفراد طولیّة کثیرة، کالصلاة فی أوّل الوقت وثانیه وثالثه إلیٰ آخر الوقت، ولا ریب فی عدم إمکان الأمر بالضدّین فیما لو انحصرت الطبیعة فی فرد، کما إذا ضاق الوقت وبقی بمقدار فعل الصلاة فقط والمسجد متنجِّس، فإنّ الأمر بالصلاة والأمر بالإزالة فی الفرض لیس أمراً بالضدّین؛ لأنّ الأمرین متعلّقان بالطبیعتین، لکن ملاک استحالة الأمر بالضدّین موجود هنا؛ حیث إنّ الأمر وإن تعلّق بالطبیعة، لکن المقصود منه هو إیجاد الطبیعة، وملاک استحالة الأمر بالضدّین هو عدم قدرة العبد علیٰ امتثالهما، وهو متحقّق فیما نحن فیه أیضاً.
وأمّا لو فرض أنّ للطبیعة أفراداً طولیّة، کما لو أمر بالإزالة فی أوّل الوقت، وأمر بالصلاة لدلوک الشمس إلیٰ غسق اللیل، فإنّه لیس فی أوّل الوقت أمر بالضدّین؛ لتعدّد الأمر ـ تعلّق أحدهما بطبیعة الصلاة، والثانی بطبیعة الإزالة ـ ولیس فیه ـ أیضاً ـ ملاک الأمر بالضدّین لسعة وقت الصلاة، لکن لا یمکن الأمر الفعلیّ بالصلاة فی أوّل الوقت؛ لأنّه ینتهی إلیٰ الاستحالة، وکذلک لو فرض للطبیعة أفراد عرضیّة، لکن بالنسبة إلیٰ الفرد المزاحَم لا غیر.
وبالجملة : ما ذکره لتصحیح وجود الأمر بالصلاة محلّ إشکال ومنع؛ فإنّه وإن لم یکن أَمرَ بالضدّین، لکن ملاک الاستحالة فی الصورة الاُولیٰ موجود، وفی الصورة
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 120 الثانیة والثالثة ـ أیضاً ـ بالنسبة إلیٰ الفرد المزاحم، فإنّه فیهما ـ أیضاً ـ ینتهی فعلیّة الأمر بالصلاة إلیٰ الاستحالة.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 121