وهذا هو المقام الثانی . والمراد بالضدّ العامّ هو نقیضه؛ لیترتّب علیه وقوع الصلاة فی مثال الإزالة منهیّاً عنها؛ لأنّها نقیض وضدّ عامّ لترک الصلاة الواجب مقدّمةً، فنقول:
إن أراد أنّ الأمر بالشیء عین النهی عن ضدّه العامّ؛ أی أنّ البعث إلیٰ ترک الصلاة عین الزجر عن فعلها، ففیه: أنّ الأمر لا یدلّ علیٰ الزجر لا بهیئته ولا بمادّته، فإنّ هیئة الأمر موضوعة للبعث، والمادّة موضوعة للطبیعة، وشیء منهما لا یدلّ علیٰ النهی عن الضدّ، ولیس للمجموع منها ـ أیضاً ـ وضعٌ علیٰ حِدة، وأیضاً لا یعقل أن یکون الأمر عین النهی.
وإن أراد أنّ الأمر بالشیء یدلّ بالتضمّن علیٰ النهی عن ضدّه، فهو ـ أیضاً ـ غیر معقول؛ لأنّه لا یعقل القول بأنّ الهیئة موضوعة للأمر بشیء والنهی عن ضدّه؛ أی مجموعهما.
وأمّا ما ذکروه لبیان ذلک ـ من أنّ الأمر موضوع لطلب الفعل مع المنع عن الترک ـ ففساده أوضح من أن یخفیٰ.
وأمّا دلالته علیه بالالتزام فقال بعض الأعاظم قدس سره فی تقریبه : إنّه ینسبق إلیٰ أذهاننا من الأمر بشیء النهی عن ضدّه العامّ، فیدلّ بالالتزام علیٰ ذلک.
وفیه : أنّ مجرّد تصوّر ذلک وانسباقه إلیٰ الذهن لا یدلّ علیٰ أنّ الآمر أراد ذلک أیضاً، ومجرّد التصوّر غیر کافٍ فی ذلک، بل لابدّ من التصدیق بأنّ المولیٰ أراد بأمره
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 113 النهی عن ضدّه أیضاً.
فتلخّص : أنّ الأمر بالشیء لا یدلّ بواحدة من الدلالات الثلاث علیٰ النهی عن ضدّه العامّ.
وأمّا القول بالمُلازمة بین إرادة الأمر بشیء وإرادة النهی عن ضدّه، فهو ـ أیضاً ـ فاسدٌ؛ لابتنائه علیٰ ما ذکروه: من أنّ الإرادة غیر اختیاریّة لا تحتاج إلیٰ مبادئها، فإنّ دعویٰ الملازمة علیٰ هذا المبنیٰ ممکنة، وأمّا بناءً علیٰ ما هو التحقیق من أنّها مسبوقة بالمبادئ ـ أی التصوّر والتصدیق بالفائدة وغیرهما ولو ارتکازاً ـ فلا یستقیم دعواها، فإنّه لا فائدة فی النهی عن الضدّ بعد الأمر بضدّه، فإنّه کافٍ فی تحقّق الطلب الأکید، وأنّه لا یرضیٰ بترکه.
فتلخّص : أنّ المقدّمات الثلاث المذکورة بأسرها فاسدة، فلا یصحّ القول بأنّ الأمر بالشیء مُستلزم للنهی عن ضدّه الخاصّ من جهة المقدّمیة.
وأمّا استلزامه للنهی عن ضدّه الخاصّ من جهة الملازمة بینهما فی الخارج، فتوضیحه یحتاج إلیٰ رسم مقدّمات:
إحداها : أنّ الضدّ مع نقیض ضدّه الآخر متلازمان، کالسواد مع عدم البیاض، فإنّ السواد إمّا أن یصدق علیه البیاض أو اللابیاض، وإلاّ فإن لم یصدق کلّ واحد منهما علیه یلزم ارتفاع النقیضین، فلابدّ أن یصدق علیه أحدهما، ولا یصدق علیه البیاض؛ للزوم اجتماع الضدّین، فلابدّ أن یصدق علیه اللابیاض، وهو المطلوب من ثبوت الملازمة بین أحد الضدّین ونقیض الضدّ الآخر، کما هو مقتضیٰ مصداقیّة شیء لعنوانین.
وثانیتها : أنّ المتلازمین محکومان بحکم واحد، وإلاّ فلو وجب أحد المتلازمین، وحُرم الآخر، لزم المحال، وکذلک لو جاز ترکه بالجواز بالمعنیٰ الأعمّ فإنّه ـ أیضاً ـ کذلک فلابدّ أن یکون محکوماً بحکم الآخر ـ أی الوجوب فی المثال ـ ولا
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 114 یجوز خلوّه عن الحکم أصلاً، فإنّه یمتنع خلوّ الواقعة عن الحکم، فإذا فُرض وجوب الإزالة لزم وجوب ترک الصلاة، الذی هو نقیض ضدّها الملازم لها وجوداً.
الثالثة من المقدّمات : أنّ الأمر بالشیء یستلزم النهی عن ضدّه العامّ، ولیس المراد من الضدّ العامّ الترک، کما یظهر من بعض، بل المراد منه نقیض المأمور به، وهو فعل الصلاة.
فنقول : مع التلازم بین ترک الصلاة والإزالة، کما هو مقتضیٰ ما ذکر فی المقدّمة الاُولیٰ، وأنّ ترک الصلاة واجب عند الأمر بالإزالة، کما هو مقتضیٰ المقدّمة الثانیة، وأنّ فعل الصلاة محرّم بمقتضیٰ المقدّمة الثالثة، یتمّ المطلوب من استلزام الأمر بالشیء النهی عن ضدّه الخاصّ؛ لکن هذا القول والاستدلال مبنیّ علیٰ تمامیّة المقدّمات الثلاث، ولکنّها بأسرها مخدوشة :
أمّا الاُولیٰ : فلوقوع مُغالطة فیها، وهی توهّم صدق نقیض البیاض ـ أی اللاّبیاض ـ علیٰ السواد بنحو الموجبة المعدولة المحمول.
والصحیح أن یقال : لابدّ أن یصدق علیه البیاض أو لا یصدق علیه البیاض، لا أنّه یصدق علیه اللاّبیاض بنحو المعدولة الموجبة، ولیس نقیض صدق البیاض علیٰ السواد هو صدق اللابیاض علیٰ السواد بنحو المعدولة لإمکان ارتفاعهما، بل عدم صدق البیاض علیه بنحو السلب المحصّل.
وأمّا المقدّمة الثانیة ففیها : أنّ العدم والعدمیّ لیسا من الوقائع حتّیٰ یقال لابدّ أن یکون محکوماً بحکمٍ من الأحکام، فإنّ الأحکام إنّما هی للوقائع وأفعال المکلّفین، والعدم لیس من أفعالهم. وأمّا ما یُتراءیٰ من حکمهم علیٰ العدم ـ مثل وجوب تروک الإحرام ـ فهو مسامحة فی التعبیر، وإلاّ فالفعل محرّم، لا أنّ الترک واجب.
وأمّا ثانیاً : فلأنّا لا نسلّم امتناع خلوّ الواقعة عن حکم؛ فإنّ الممتنع خلوّها
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 115 عن الحکم واقعاً لا الحکم الفعلیّ، فإنّه لا یمتنع خلوّها عن الحکم الفعلیّ.
وثالثاً : إن اُرید بالإباحة الإباحة الاقتضائیّة؛ لوجود مصلحة مقتضیة لها فی صیرورة الفعل مباحاً: فإنّ الفعل إمّا فیه مصلحة مقتضیة لفعله بنحو اللزوم فهو الواجب، أو مقتضیة للترک کذلک فهو المحرّم، أو للفعل لا بنحو اللزوم فهو المستحبّ، أو مقتضیة للترک کذلک فهو المکروه.
وإمّا أن لا یوجود فیه اقتضاء للفعل والترک : فإمّا أن توجد مصلحة خارجة عنه مقتضیة للإباحة فهی الإباحة الاقتضائیّة، وإلاّ فهی الإباحة اللااقتضائیّة، وحینئذٍ فإن اُرید من تنافی وجوب أحد المُتلازمین مع إباحة الملازم الآخر الإباحةُ الاقتضائیّة فهو مُسلّم، لکن یمکن أن یحکم بالإباحة اللااقتضائیّة، فإنّه لا تنافی بین وجوب أحد المُتلازمین وإباحة المُلازم الآخر بهذا المعنیٰ.
وأمّا المقدّمة الثالثة : فقد تقدّم الکلام فیها وفی عدم تمامیّتها، وحینئذٍ فلا یتمّ القول باستلزام الأمر بالشیء النهیَ عن ضدّه الخاصّ بنحو الاستلزام أیضاً.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 116