المبحث الثامن فی الأصل عند الشّک فی الملازمة
ثمّ لو شکّ فی ثبوت الملازمة وعدمه، فهل یوجد فی المقام أصل موضوعی أو حکمی یرجع إلیه أو لا؟
فأقول : یظهر من المحقّق العراقی قدس سره وکذا صاحب الکفایة رحمه الله : أنّه لا أصل موضوعی فی المقام یرجع إلیه؛ لأنّ الملازمة وعدمها أزلیّة؛ لأنّها من لوازم الماهیّة؛ أی ماهیّة وجوب المقدّمة ووجوب ذیها، وأنّ لازم الماهیّة عبارة عمّا هو لازم لها مع قطع النظر عن الوجود الذهنی والخارجی، کالزوجیّة لماهیّة الأربعة.
أقول : لکنّه لیس کذلک، فإنّ ثبوت الزوجیّة للأربعة لا معنیٰ له إلاّ أنّ الأربعة بحیث إذا لوحظت مع الزوجیّة، یجزم العقل بأنّها لازمة لها؛ أی لماهیّتها بدون دخالة الوجود الذهنی أو الخارجی فی ثبوتها لها، لکن هذا اللحاظ هو وجود ذهنیّ للأربعة بحسب الواقع ونفس الأمر وإن لا یستشعر اللاحظ بذلک حین اللحاظ ولا یلتفت
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 92 إلیه.
والحاصل : أنّ الوجودین وإن لم یکونا دخیلین فی ثبوت اللازم للماهیّة، لکنّهما لا ینفکان عن نحو وجود لها.
وعلیٰ أیّ تقدیر فالاستصحاب الموضوعی ـ أی استصحاب عدم الملازمة ـ غیر جارٍ؛ لأنّ عدم الملازمة لوجوب المقدّمة، إمّا بنحو السلب المحصل، أو بنحو سلب الحمل، کأن یقال: وجوب المقدّمة لم یکن لازماً لوجوب ذی المقدّمة، أو وجوب المقدّمة الذی لم یکن لازماً :
فعلیٰ الأوّل فحیث إنّ السالبة یمکن صدقها بانتفاء الموضوع لم یجرِ الاستصحاب.
وعلیٰ الثانی لم یتحقّق عدم وجوب المقدّمة فی زمانٍ مع اتّصافه بعدم لزومه لوجوب ذی المقدّمة کی یستصحب .
مُضافاً إلیٰ أنّه یعتبر فی الاستصحابات الموضوعیّة ترتُّب أثر شرعیّ علیه، ولیس فی المقام ذلک الأثر الشرعی العملی، فإنّ القائل بعدم الملازمة ـ أیضاًـ قائل بوجوب المقدّمة عقلاً ولو مع القطع بعدم الملازمة، فضلاً عن استصحابه.
وأمّا الاستصحاب الحکمی ـ أی استصحاب عدم الوجوب ـ فهو وإن کان مسبوقاً بالعدم ولو قبل وجوب ذی المقدّمة، لکن لا أثر عملی یترتّب علیٰ هذا الاستصحاب؛ لما عرفت من أنّ القائل بعدم الملازمة ـ أیضاً ـ قائل بوجوب المقدّمة عقلاً.
فتلخّص : أنّه لا أصل موضوعی أو حکمی عند الشکّ فی وجوب المقدّمة.
وأمّا توهّم : أنّ الاستصحاب الحکمی یستلزم التفکیک بین الوجوبین،
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 93 فمدفوع: بأنّ المفروض أنّ الملازمة مشکوکة، فکیف یتوهّم استلزامه لذلک؟!
وأجاب عنه فی «الکفایة» : بأنّ الاستصحاب إنّما یستلزم التفکیک بین الوجوبین الفعلیّین ـ لو کان هو المدّعیٰ ـ لا الوجوبین الواقعیّین.
وفیه : أنّک قد عرفت أنّ المفروض أنّ الملازمة مشکوکة، ولیست ثابتة، ومعه لا وقع لهذا الجواب.
مع أنّه لو فرض جریان الاستصحاب فالملازمة شأنیّة علیٰ فرض ثبوتها واقعاً، کما حُقّق ذلک فی مقام الجمع بین الحکم الظاهری والواقعی.
والحاصل : أنّه لو تمّ أرکان الاستصحاب فلا مانع من جریانه باحتمال عدم إمکانه واقعاً، وإلاّ یلزم عدم جریانه فی کثیر من موارده لمکان هذا الاحتمال فیها.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 94