المبحث السادس فی الواجب الأصلی والتبعی
قد یقسّم الواجب إلیٰ الأصلیّ والتبعیّ، واختلفوا فی أنّ هذا التقسیم هل هو بلحاظ الواقع وفی مقام الثبوت، أو فی مقام الإثبات والدلالة؛ أی ظاهر الأدلّة؟
فذهب صاحب الفصول إلی الثانی؛ حیث قال: ینقسم الواجب إلیٰ أصلیّ وتبعیّ، والأصلیّ ما فُهم وجوبه من خطاب مُستقلّ؛ أی غیر لازم لخطاب آخر وإن کان وجوبه تابعاً لوجوب آخر، والتبعیّ بخلافه، وهو ما فُهم وجوبه لا بخطاب مستقلّ، بل لازم خطاب آخر؛ أی ما فهم وجوبه تبعاً لخطاب آخر وإن کان وجوبه مستقلاًّ، والمراد بالخطاب هنا ما دلّ علیٰ الحکم الشرعی، فیعمّ اللفظی وغیره.
یعنی یشمل الدلالة الالتزامیّة أیضاً، فدلالة الإشارة داخلة فی القسم الثانی مثل دلالة الآیتین، وهما قوله تعالیٰ: «وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً» وقوله تعالیٰ: «وَالْوَالِداتُ یُرْضِعْنَ أَولادَهُنَّ حَوْلَیْنِ کَامِلَیْنِ» علیٰ أنّ أقلّ الحمل ستّة أشهر.
وهذا التقسیم الذی ذکره تقسیم معقول لکنّه لا ینتج نتیجة.
وقال فی «الکفایة» : إنّ هذا التقسیم إنّما هو بلحاظ الأصلیّة والتبعیّة فی مقام الثبوت والواقع؛ حیث إنّ الشیء إمّا متعلَّق للإرادة والطلب مستقلاًّ؛ للالتفات إلیه بما
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 87 هو علیه ممّا یوجب طلبه، فیطلبه نفسیّاً أو غیریّاً، وإمّا متعلّق لهما تبعاً للإرادة الاُخریٰ الملازمة للاُولیٰ، من دون التفات إلیٰ ما یوجب إرادته، لا بلحاظ الأصالة والتبعیّة فی مقام الدلالة والإثبات.
وفیه : أنّ هذا التقسیم غیر سدید، فإنّ المناسب ـ حینئذٍ ـ أن یقول : إمّا أن یکون الشیء مُلتفَتاً إلیه بالنسبة للمولیٰ المرید مفصّلاً، فهو الأصلیّ، أو لا کذلک، فهو التبعیّ.
ولذا عدل عنه بعض الأعاظم من الُمحشّین وذهب إلیٰ أنّ هذا التقسیم إنّما هو فی مقام الإثبات والدلالة، وقال: إنّه لمّا کانت إرادة ذی المقدّمة علّة لإرادة المقدّمة وفاعلیّة الفاعل یترشّح وینشأ منها إرادة المقدّمة؛ باعتبار أنّ إرادة ذی المقدّمة علّة لإرادة المقدّمة فوجوب المقدّمة غیریّ، ووجوب ذیها نفسیّ، وباعتبار أنّ وجوب المقدّمة ترشّحیّ وناشٍ من إرادة ذی المقدّمة، فوجوب المقدّمة تبعیّ، ووجوب ذیها أصلیّ.
وفیه : أنّه قد مرّ مراراً: أنّه لا معنیٰ لترشّح إرادة من إرادة اُخریٰ، بل کلّ واحدة منها مستقلّة مغایرة للاُخریٰ، ولیست إحداهما علّة للاُخریٰ، بل الفاعل للإرادة هو النفس فی إرادة المقدّمة وذی المقدّمة کلیهما، وأنّ إرادة ذی المقدّمة ناشئة عن الاشتیاق إلیه، وتتبعه إرادة المقدّمة، ولو کانت إرادة ذی المقدّمة علّة لإرادة المقدّمة للزم وجوب شیءٍ یعتقد المرید أنّه مقدّمة، مع أنّه لیس بمقدّمة واقعاً وفی علم المکلَّف؛ لوجود العلّة، وهی إرادة ذی المقدّمة.
فالحقّ هو ما ذکره صاحب الفصول قدس سره فی مقام التقسیم، وأنّ هذا التقسیم إنّما
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 88 هو فی مقام الإثبات والدلالة.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 89