ثمرة القول بوجوب المقدّمة الموصلة :
ثمّ إنّه ذکر بعضهم : أنّه تظهر ثمرة القول بوجوب المقدّمة الموصلة فی بطلان العبادة فیما إذا توقّف الواجب الأهمّ کالإزالة علیٰ ترک الصلاة؛ بناءً علیٰ توقّف فعل الضدّ علیٰ ترک فعل الضدّ الآخر، فعلیٰ القول بوجوب مطلق المقدّمة ـ کما اختاره فی «الکفایة» ـ فترک الصلاة فی المثال واجب، فیحرم ضدّه المطلق، وهو فعل الصلاة، فتفسد لو فعلها، فإنّ فعلها وإن لم یکن نقیضاً لترک الصلاة الواجب مفهوماً، فإنّ نقیض کلّ شیء رفعه وعدمه، وهو ترک ترکها، لکن الصلاة متّحدة معه فی الخارج، فتصیر منهیّاً عنها وفاسدة، بخلاف ما لو قلنا بوجوب المقدّمة الموصلة، فإنّ الواجب هو ترک الصلاة الخاصّ؛ أی المقیّد بالإیصال إلیٰ فعل الإزالة، فالواجب هو الترک الخاصّ، ونقیضه المحرّم هو رفع هذا المقیّد، وحیث إنّ له فردین : أحدهما فعل الصلاة، وثانیهما الترک المجرَّد؛ لأنّ عدم الترک الخاصّ أعمّ من فعل الصلاة والترک المجرّد عن فعل الصلاة والإزالة، فلا تصیر الصلاة منهیّاً عنها ولا فاسدة، فإنّ ترکها لیس مقدّمة واجبة مطلقاً، بل إذا کان موصلاً إلیٰ فعل الإزالة ومع فعلها انتفیٰ الإیصال فلا تحرم.
وأورد علیه الشیخ الأعظم قدس سره علیٰ ما فی التقریرات بأنّ الصلاة علیٰ کلا
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 82 التقدیرین لیست نقیضاً للترک الواجب مقدّمة بعینه، سواء قلنا بوجوب مطلق المقدّمة، أم خصوص المقدّمة المُوصلة، بل هی من مصادیق النقیض وأفراده، غایة الأمر أنّه بناءً علیٰ وجوب مطلق المقدّمة، هی مصداق الترک الواجب مقدّمة، ومنحصرة فی واحد، وهو الفعل، وبناءً علیٰ وجوب المقدّمة الموصلة للنقیض مصداقان: أحدهما الصلاة، وثانیهما ترک الترک مجرّداً عن فعل ذی المقدّمة، وهذا لیس ممّا یوجب الفرق؛ لتکون الصلاة محرّمة بناءً علیٰ وجوب مطلق المقدّمة، وغیر محرّمة بناءً علیٰ وجوب المقدّمة الموصلة، فإن لم یکفِ ذلک فی حرمتها وفسادها فهو کذلک فی الصورتین، وعلیٰ کلا القولین لما عرفت من عدم الفرق بینهما کی یوجب الفساد فی احداهما دون الاُخریٰ.
وأجاب فی «الکفایة» عن ذلک بأنّ الصلاة علیٰ القول بالمقدّمة الموصلة من مقارنات النقیض المحرّم؛ حیث إنّها قد توجد، وقد لا توجد مع تحقّق النقیض، وهو ترک الترک الخاصّ فی کلتا الصورتین، بخلاف ما لو قلنا بوجوب مطلق المقدّمة، فإنّ الصلاة وإن کانت مغایرة للنقیض مفهوماً، لکنّها متّحدة مصداقاً ـ وفی الخارج ـ معه، فتفسد.
وأمّا علیٰ القول بالمقدّمة الموصلة فالصلاة من مقارنات النقیض المحرّم ولا یتعدّیٰ حکم الشیء إلیٰ ما یلازمه، فضلاً عمّا یقارنه.
نعم ، لا یمکن أن یکون الملازم محکوماً بحکم آخر مغایر لحکم اللازم.
أقول : لو قلنا إنّ نقیض کلّ شیء رفعه فنقیض ترک الصلاة المقیّد بالإیصال رفع ذلک المقیّد؛ وبعبارة اُخریٰ ترک الترک الخاصّ، وهو أمر عدمی، والصلاة فعل وجودی، وحیثیّة الوجود تناقض حیثیّة العدم، فلا یعقل أن تکون الصلاة عین ترک
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 83 الترک الخاصّ لا مفهوماً ولا مصداقاً؛ کی یقال إنّها متّحدة معه خارجاً وذاتاً، وکذلک لو قلنا بوجوب مطلق المقدّمة، فإنّ ترک الترک المطلق ـ حینئذٍ ـ نقیض للواجب مقدّمة، والصلاة أمر وجودی، وقد عرفت أنّ حیثیّة الوجود تطرد حیثیّة العدم، ولا یعقل الاتّحاد الذاتی بینهما.
فما ذکره من الفرق بین القولین فی الثمرة غیر سدید، وقضیّة ما ذکرنا عدم بطلان الصلاة علیٰ کلا القولین، کما أفاده الشیخ قدس سره.
وإن قلنا : إنّه یکفی فی الحرمة والفساد لو کان بینهما نحو اتّحاد عَرَضیّ، وفی اصطلاح بعض : مصدوقیّة شیء للمحرّم وإن لم یتّحدا ذاتاً، فمقتضاه فساد الصلاة علیٰ کلا القولین، فلا وجه للتفصیل بینهما.
هذا کلّه لو قلنا : إنّ نقیض کلّ شیء رفعه.
وإن قلنا : إنّ نقیض کلّ شیء رفعه، أو المرفوع به ـ لعدم قیام الدلیل علیٰ الأوّل ـ فالصلاة ـ حینئذٍ ـ نقیض للترک الواجب علیٰ کلا القولین؛ لأنّها ممّا یرفع به الواجب، وهو ترک الصلاة، فلا فرق بین القولین حینئذٍ ـ أیضاً ـ وذلک لأنّ الصلاة کما أنّها نقیض للواجب بهذا المعنیٰ علیٰ القول بوجوب مطلق المقدّمة، کذلک هی نقیض له علیٰ القول بوجوب المقدّمة الموصلة، لا أنّها من مقارناته.
وتوهّم : أنّها من مقارنات النقیض علیٰ مذهب صاحب الفصول؛ باعتبار أنّه قد یتحقّق النقیض بدونها، فلیس بصحیح؛ لأجل أنّ عدم کونها نقیضاً له إنّما هو باعتبار سلب الموضوع، ففی صورة عدم الإتیان بها فهی لیست موجودة حتّیٰ تکون نقیضاً، وإلاّ فهی مع وجودها نقیض لازم للترک الخاصّ الواجب.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 84 وبالجملة : ما ذکروه ثمرةً للقول بالمقدّمة الموصلة غیر صحیح.
وقال بعض المحقّقین فی المقام: إنّ المراد بالمقدّمة الموصلة هی العلّة التامّة، فهی تنحلّ إلیٰ ذات العلّة والإرادة، أو المقدّمة التی لا ینفک وجودها عن وجود ذی المقدّمة، وهی ـ أیضاً ـ تنحلّ إلیٰ ذاتٍ وقیدِ عدمِ الانفکاک، وعلیٰ أیّ تقدیر فإرادة المولیٰ متعلّقة بمجموع المقدّمة المرکّبة من الجزءین، ونقیض ذلک المجموع هو مجموع نقیض کلّ واحد من الجزءین، وهو المنهیّ عنه المحرّم، فالواجب ـ فیما نحن فیه ـ مقدّمةً هو مجموع ترک الصلاة مع الإرادة أو عدم الانفکاک، فنقیض ترک الصلاة هو الصلاة، ونقیض الإرادة أو عدم الانفکاک عدمُهما، فمجموع الصلاة مع عدم الإرادة أو الانفکاک هو المنهیّ عنه المحرّم، فالصلاة منهیّ عنها، فتصیر فاسدة؛ لأنّه مع الإتیان بالصلاة یتحقّق الجزء الآخر للنقیض، وهو عدم الإرادة أو عدم عدم الانفکاک لا محالة؛ بناءً علیٰ القول بوجوب المقدّمة الموصلة.
وبالجملة : أنّ صاحب الکفایة زعم: أنّ نقیض المرکّب واحد، وهو رفعه، وأنّ الصلاة من مقارناته، فلا تصیر محرّمة، لکنّه لیس کذلک، فأنّ نقیض المرکّب هو المرکّب من نقیض کلّ واحد من أجزائه. انتهیٰ ملخّص کلامه.
وقال المحقّق العراقی قدس سره مثل قوله، وزاد ما ملخّصه : أنّ اللازم من تعدُّد النقیض للواجب المتعدّد، هو مبغوضیّة أوّل نقیض یتحقّق فی الخارج؛ لأنّه بوجود یتحقّق عصیان الأمر، فیسقط، فلا یبقیٰ موضوع لمبغوضیّة غیره؛ لعدم الأمر علیٰ الفرض، فأوّل نقیض یتحقّق فی الخارج هو فعل الصلاة، فتصیر مبغوضة؛ لصیرورتها نقیضاً لترک الصلاة الموصل، وإذا کان الآتی بالصلاة غیر مُرید للإزالة علیٰ تقدیر عدم الإتیان بالصلاة، فعدم إرادة الإزالة هو المبغوض، ولا تصل النوبة إلیٰ مبغوضیّة
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 85 الصلاة؛ لسقوط الأمر الغیری بعصیانه بترک الإرادة.
أقول : الکلام هنا إمّا فی مقام الثبوت والواقع، وإمّا فی متعلّق الإرادة:
أمّا الأوّل : فمجموع المرکّب من أمرین أو أکثر لیس من الموجودات التکوینیّة سویٰ وجود الأجزاء، فإنّ مجموع زید وعمرو لیس أمراً متحقّقاً غیر وجودهما، بل المجموع أمر اعتباری، وحینئذٍ فنقیض ذلک ـ أیضاً ـ کذلک، فنقیض زید عدمه، ونقیض عمرو کذلک، ولیس مجموعهما أمراً ثالثاً غیر کلّ واحد، لا مجموع النقیضین. هذا کلّه فی مقام الثبوت.
وأمّا إذا لاحظنا متعلّق الإرادة ـ بناءً علیٰ القول بالمقدّمة الموصلة ـ فإرادة المولیٰ تعلّقت بمجموع ترک الصلاة مع إرادة الإزالة ـ مثلاً ـ باعتبارهما شیئاً واحداً واستراح المحقّق العراقی قدس سره منه؛ حیث ذهب إلی أنّ وحدة الموضوع وتعدّده إنّما هو بوحدة الحکم وتعدّده، ولکن قد تقدّم: أنّ هذا فاسد، فإنّ المرید لمجموعٍ مرکّب من أجزاء یلاحظه ویعتبره شیئاً واحداً أوّلاً، ثمّ یبعث نحوه، فیکون متعلّق البعث واحداً اعتباراً قبل تعلّق الحکم به، وعلیٰ أیّ تقدیر فالمراد والمبعوث إلیه شیء واحد اعتباری، ونقیضه ـ أیضاً ـ أمر اعتباری متعلَّق للإرادة الأکیدة، وهو مجموع نقیض الجزءین، وهو عدم ذلک الأمر الاعتباری، وحینئذٍ فإن قلنا: ـ إنّه یکفی فی فساد الصلاة انطباق العنوان المحرّم بنحوٍ ما وإن لم یکن المنطبق متّحداً مع المنطبق علیه ذاتاً وحقیقةً ـ تصیر الصلاة محرّمة بناءً علیٰ القول بالمقدّمة الموصلة أیضاً.
وإن قلنا بأنّه لا یکفی فی الفساد ذلک، بل لابدّ فیه من اتّحادها مع عنوان المحرّم حقیقةً، فلا تصیر باطلة.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 86