الموقف الثانی: فی ذکر عمدة الوجوه الممکنة لأن تکون جامعاً للأعمّی
فمنها : ما نسب إلیٰ صاحب «القوانین» رحمه الله : من أنّ الموضوع له هی الأرکان بعرضها العریض، لا بحدّها الخاصّ، وأمّا سائر الأجزاء والشرائط فهی الداخلة فی المأمور به بالأدلّة المنفصلة، لا لاقتضاء الاسم ذلک. وهذا هو مختار بعض المعاصرین، وقد دافع عمّا تُوجّه إلیه فی کلمات القوم.
ولکنّ الذی یتوجّه إلیه، ولیس مدفوعاً عنه، ولایمکن دفعه: هو أنّ المسمّیٰ والموضوع له، لیس الأمر الشرعیّ والمعنی المخترع الإسلامیّ، حتّیٰ یقال: بأنّ
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 240 الصلاة بدون الرکن لیست بصلاة ولو کانت مستجمعة لجمیع الأجزاء والشرائط، أو یتشبّث بالأدلّة اللفظیّة، کما تشبّث بها الفاضل المذکور.
بل مسمّیٰ هذه اللفظة کغیرها، مأخوذ من العرف ومن العابدین بها الله تعالیٰ قبل الإسلام، ولم یتصرّف الشرع فی التسمیة، کما مضیٰ تفصیله، فإذن نجد وجداناً صدق «الصلاة» علیٰ فاقد الطهورین لغة.
بل قیل : «إنّ البحث فی الشرائط کلّها، خارج عن بحث الصحیح والأعمّ» وهل هذا إلاّ لکون المسمّیٰ، صادقاً مع فقد الرکن الشرعیّ؛ وهو الطهور حسب الأدلّة الموجودة؟!
وبعبارة اُخریٰ : کما أنّ البحث لغویّ، ویکون حول أنّ الموضوع له بهذه الألفاظ طرّاً، أعمّ أو أخصّ، کذلک مفهوم «الصحّة والفساد» المذکور فی کلامهم لغویّ، فلا معنی لدعوی الأخصّی أنّها لیست بصلاة عند الشرع، والأعمّی أنّها لیست بصحیحة عنده.
فالمناط علیٰ فهم العرف فی الموصوف والصفة، فکأنّ من تخیّل أنّ الجامع هی الأرکان المأخوذة من الشرع، غفل عن الجهة المبحوث عنها فی المقام.
وأمّا إذا جعلت الأرکان العرفیّة جامعاً، فلابدّ من بیانها، وإلاّ فهی الإغراء بالجهالة.
ولعمری، إنّ جعل الأرکان جامعاً للأخصّی، کان أولیٰ من جعله للأعمّی، خصوصاً مع الالتزام بالإهمال فی ناحیة عدد الأرکان، کما مضیٰ تفصیله من
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 241 صاحب «الحاشیة» بتقریب منّا.
وما یتوجّه إلیٰ هذه المقالة : من أنّ سائر الأجزاء والشرائط، إن کانت داخلة فلا تحقّق للمسمّیٰ بدونها، وإن کانت خارجة، فإطلاقها علی المجموع مجاز، مدفوع بما تقرّر فی کتاب الصلاة حول الشبهة فی أنّ قول المصلّی: «ورحمة الله وبرکاته» إن کان جزءً فی الماهیّة ومأموراً به بأمرها فیجب، وإن کان مستحبّاً بأمر آخر فلا منع من الإحداث قبله وحینه؛ لخروجه قبله من الصلاة، ویکون هو التعقیب لها.
وإجماله : أنّ من الأجزاء ماهی الدخیلة فی تحقّق الاسم، ومنها ماهی لو التحق بالمسمّیٰ یدخل، ویطلق علیه «الکلّ» قهراً، ولو لم یلتحق به یتحقّق المسمّیٰ بما هو الدخیل، کما فی عنوان «الدار والبیت والسوق والحمّام» فلاحظ وتدبّر جیّداً.
وقد عبّر عن هذا الوالد المحقّق ـ مدّ ظلّه ـ : بـ «لواحق المصداق» فی قبال قیود الطبیعة ومقوّماتها.
ومنها : ما نسبه شیخ مشایخنا إلی المشهور؛ وهو أنّ المسمّیٰ معظم الأجزاء.
وتحریر ذلک بوجه لایتوجّه إلیه ما وجّهه «الکفایة» وأتباعه، قد مضیٰ فی ذکر الوجوه المزبورة للأخصّی، عند نقل کلام صاحب «الحاشیة» بتقریب ذکرناه حوله، بعد وضوح أنّ المقصود لیس کون المعظم مسمّیٰ بعنوانه، حتّیٰ یکون
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 242 جامعاً عنوانیّاً، مع بطلانه بذاته.
وبعد ظهور عدم إرادتهم کون معظم الأجزاء فی کلّ صلاة بالنسبة إلیٰ أحوال المصلّین، هو الموضوع له، حتّیٰ یلزم کون الموضوع له خاصّاً، والوضع عامّاً، کما یظهر من الفاضل الإیروانیّ؛ ظنّاً أنّه مقصودهم.
بل المقصود : أنّ المسمّیٰ واقعُ أکثریّةِ الأجزاء؛ أی لو کانت صلاة المختار عشرة أجزاء، وأقلّ الصلوات أجزاءً هی المشتملة علی الستّة، فما هو المسمّیٰ هو الستّة علی الإهمال من غیر لزوم الإشکال؛ لعدم جواز الخلط بین المرکّبات الحقیقیّة والاعتباریّة، فلاحظ وتدبّر.
نعم ، یتوجّه إلی هذه المقالة : أنّ الصلوات المشتملة علی الأجزاء الیسیرة عند الاضطرار، لیست بصلاة حقیقة.
ولعلّهم یلتزمون بذلک؛ بدعویٰ مساعدة العرف علیٰ مجازیّة تسمیة صلاة الغرقیٰ والمیّت وبعض الأفراد الاُخر «صلاة» کما یلتزم به الآخرون، ولا داعی إلیٰ تصویر الجامع الکذائیّ، بل هو غیر معقول کما لایخفیٰ.
ویتوجّه إلیها ثانیاً : أنّ المراد من «المعظم» إن کان ماهو العظیم من حیث الدخالة فی الاسم بنظر العرف، فهو مجهول.
وإن کان بنظر الشرع، فهی راجعة إلی القول الأوّل فی الجامع.
وإن اُرید منه أکثریة الأجزاء، لا الأرکان، کما هو المتفاهم منه، فکثیر من الصلوات المشتملة علی الرکوع والسجدة والتکبیرة والسلام أو بعض الأجزاء الاُخر ـ عوضاً عمّا ذکرناها ـ صلاة عرفاً، وفاقدة للمعظم.
وبعبارة اُخریٰ : ماهو المشتمل علی الخمسة من العشرة، صلاة عرفاً؛ إذا کان من تلک الخمسة ماهو القائم به بعض الهیئة المعتبرة فی الصلاة، فلاتخلط.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 243 ومنها : الوجوه الاُخر التی ذکرناها فی طیّ الوجوه للأخصّی؛ فإنّ کثیراً منهم جعل ماهو الجامع للأخصّی، جامعاً للأعمّی، مع الاختلاف فی المعرّف.
مثلاً : الشیخ العلاّمة صاحب «الحاشیة» قدس سره بعد إفادة الجامع الاعتباریّ بمعرفیّة «معراج المؤمن» قال: «هذا هو الجامع للأعمّی؛ بمعرّفیة المعراجیّة بالشأن والاقتضاء».
وفیه : أنّ هذا الجامع لایحتاج إلی المعرّف؛ لأنّ ماهو المسمّیٰ لابدّ وأن یکون معلوماً بحدّه، لا مجملاً. مع أنّ الأجزاء المهملة من بین الأجزاء المعلومة، لیست مسمّاة إذا اعتبرت خالیة عن الهیئة؛ ضرورة أنّ الصلاة مرکّبة من الهیئة والمادّة، کما سیأتی تفصیله.
والسیّد الاُستاذ البروجردیّ أفاد فی جامع الأخصّی ماهو الأولیٰ بجامعیّة الأعمّی، وقد مضیٰ تفصیله، وعرفت أنّ الحالة المنطبقة علی الأجزاء لیست هی الصلاة، بل لایعقل انطباقها علی الأجزاء؛ لأنّها کیفیّة نفسانیّة قائمة قیام حلول بالمصلّی، والأجزاء هی الحرکات الصادرة قیام صدور بالإنسان، وقیامَ حلول بالهواء، فتکون من الکیفیّات المحسوسة، فکیف یمکن انطباق ذاک علیٰ هذا؟! کما لایخفیٰ.
وقد عرفت أیضاً إمکان جعل الدعاء جامعاً للأعمّی، لا الدعاء المطلق؛ فإنّه المعنی الأوّلی، بل الدعاء بطرز بدیع وشکل خاصّ، من غیر خروجه عن شکل
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 244 الدعاء.
فقوله صلی الله علیه و آله وسلم: «صلّوا کما رأیتمونی اُصلّی» أی ادعوا کما أدعو، فمفهوم الدعاء ذو عرض عریض، والصلاة مثله، إلاّ أنّها فی الشرع تطلق علی الدعاء الخاصّ المعروف عند المتشرّعة المعروف بقابلیّته للنهی «عَنِ الْفَحْشَاء»و «معراج المؤمن» وهکذا. وفیه مالایخفیٰ.
ومنها : الوجوه الإجمالیّة من غیر ذکر ماهو المسمّیٰ حقیقة، کما عرفت فی جعل الدعاء جامعاً؛ فإنّ هذه الوجوه غیر کافیة، لأنّ معلومیّة المسمّیٰ عند المتشرّعة غیر قابلة للإنکار، وهکذا فی اللّغة، والإیماء والإشارة والتمثیل بالأعلام المشخّصة، غیر مفید فیما هو المقصود فی المسألة.
مثلاً قد یقال : بأنّ المسمّیٰ ماهو المعروف عند العرف؛ من إطلاقه فی بعض الأحیان علیٰ بعض الأفراد، ومن عدم الإطلاق علی الأفراد الاُخر.
وفیه : أنّه لابدّ من الاطلاع علی المعنی قبل الإطلاق والحمل، کما مضیٰ فی علائم الحقیقة والمجاز.
وقد یقال : بأنّ المسمّیٰ هنا من قبیل المسمّیات لألفاظ المقادیر، کـ «المثقال والحقّة» فکما أنّها تطلق علی الناقص والزائد، فهی مثلها.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 245 وفیه : أنّه بیان مضیٰ تفصیله، ولکنّ التمثیل غیر صحیح؛ لأنّ هذه الألفاظ موضوعات للمعانی المقداریّة بالدقّة العرفیّة، ولا یعتنیٰ بالإطلاقات المسامحیّة.
وقد یقال : بأنّ لفظة «الصلاة» بالقیاس إلیٰ معناها القصیر والطویل والناقص والزائد، نظیر الأعلام الشخصیّة، فکما أنّ تلک الألفاظ صادقة مع اختلاف الحالات وجمیع اللواحق والخصوصیّات، کذلک ألفاظ العبادات.
وفیه : أنّ ما أفاده یرجع فیما نحن فیه إلیٰ ما شرحناه سابقاً؛ من أخذ الأجزاء الثلاثة المهملة من العشرة المفصّلة المعلومة موضوعاً، ولکنّه لایتمّ فی الأعلام الشخصیّة؛ للزوم الامتناع فیها، بداهة أنّ ما هو المسمّیٰ فی تلک الأعلام من الحقائق الخارجیّة، ولا یعقل الإهمال فیها فی تجوهر ذاتها، ولایمکن تبدّل الذات؛ فإنّ الذاتیّات لاتختلف ولا تتخلّف فی أنحاء الوجودات، فلایصحّ قیاس الاعتباریّات بالحقائق؛ فإنّ فیه الزلل الکثیر، والبعد عن محیط الشرع والتقنین، کما هو الواضح الظاهر.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 246