النظر الثانی : فی المراد من «العوارض»
اعلم : أنّه قد یطلق «العرض» ویراد منه ما هو الخارج عن الشیء وملحق به؛ بمعنیٰ أنّ العقل یدرکه منه، وهذا هو العرض فی المنطق فی الإیساغوجی؛ أی الکلّیّات الخمسة.
وهذا أعمّ من العرض فی باب مشارکة الحدّ والبرهان؛ فإنّ العرض هنا ما هو الخارج عن ذات الشیء؛ سواء کان قابلاً للجعل، أو لم یکن، بخلاف العرض فی باب البرهان، فإنّه ما هو القابل للجعل، مقابل الذاتیّ فی ذلک الباب؛ وهو ما لایقبل الجعل، وإن کان ذاتیّ بابی الأوّل والثانی لایقبل الجعل، ومشترکاً من هذه الجهة، إلاّ أنّ الذاتیّ فی باب الکلّیّات، ذاتیّ أخصّ من ذاتیّ باب البرهان؛ لأنّ المراد منه ما هو الأعمّ منه ومن خارج المحمول الذی لاتناله ید الجعل.
وهذا العرض أقسام :
لأنّه تارة : یکون نفس ذات الشیء کافیة فی اعتباره، کالإمکان بالنسبة إلی الماهیّة، ولایکون العرض فی الخارج.
واُخریٰ : لابدّ من اعتبار اللحاظ الزائد علی الماهیّة، کالحرارة للنار، فإنّها موضوعة لها، ولکنّه لابدّ من الوجود الخارجیّ فی ترتّبها علیها؛ من غیر کون الخارج قیداً فی الموضوع، بل القضیّة من قبیل القضایا الحینیّة، ویکون العرض من
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 42 الوجودات الخارجیّة.
وثالثة : لابدّ من اللحاظ الزائد، إلاّ أنّه قید فی الموضوع، کالحرارة بالنسبة إلی الماء.
وهذا أیضاً قد یکون القید الزائد ثابتاً لذی الواسطة، وهی النار فی المثال المذکور.
وقد لایکون، کما فیما إذا کانت الشموس واسطة؛ بناءً علیٰ رأی القدماء، فإنّها لیست بذات الحرارة، إلاّ أنّها دخیلة فی ظهور حرارة الأجسام، وتخرجها من القوّة إلی الفعل.
وهذا العرض الخارج عن حقیقة الشیء، قد یکون متّحداً مع الشیء فی الوجود، ومختلفاً معه فی الماهیّة والاعتبار، کالأجناس بالنسبة إلی الفصول وبالعکس، فإنّ کلّ جنس عرضیّ بالنسبة إلی الفصل، فالحیوان عرض للناطق، وبالعکس، ولمکان الاتحاد یصحّ الحمل. وهذا هو المعروف ب«الأعراض التحلیلیّة».
ومن مثالها الوجود والماهیّة فإنّ کلّ واحد منهما عرضیّ للآخر، ویحمل علیه، فیقال: «الماهیّة تعرض الوجود، ومن عوارضها، والوجود یعرضها» والکلّ بحسب الذهن دون الخارج؛ لاتحادهما هویّة وعیناً.
وقد لایکون متّحداً مع الشیء فی الوجود أیضاً، کالحرارة بالنسبة إلی النار، فإنّها من آثارها، والتعجّب والضحک بالنسبة إلیٰ طبیعة الإنسان.
وقد یطلق «العرض» ویراد منه مقابل الجوهر الذی لایکون وجوده إلاّ فی
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 43 الموضوع، وهو المقولات التسع العرضیّة. وهذه العوارض تثبت لموضوعاتها؛ لأجل الحیثیّات التقییدیّة الثابتة فیها من الخصوصیّات والإضافات، ولذلک تعدّ من المحمولات بالضمیمة.
وقد یطلق ویراد منه ما یقابل الحقیقة، فیقال مثلاً: «السفینة متحرّکة، وجالسها متحرّک بالعرض، لا بالحقیقة والواقع» فالمراد منه المجاز، کما قیل بذلک فی الوجود والماهیّة؛ بدعویٰ أنّ الموجودیّة ثابتة للوجود بالحقیقة، وللماهیّات بالعرض والمجاز. وهذا هو الإطلاق العرفیّ حسب الاستعمالات اللغویّة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 44