مطلع 10
فإذا انفتح بصیرتک بما ألقی إلیک من الأصول و انکشف الأمر لدیک فی ضمن القواعد و الفصول. یمکن لک أن ترتقی بقدم المعرفة إلی أوج الحقیقة، فتعرف بعض ما أرمز فی روایة الکافی الشریف عن مولانا، أبی جعفر الباقر، علیه الصلاة و السلام، قال:
لَمّا خَلَقَ الله تعالی العقلَ. استَنطَقَهُ. ثُمَّ قالَ لَهُ: أَقبِل. فَأََقبَلَ. ثُمَّ قالَ لَهُ: أَدبِر. فَأَدبَرَ. ثُمَّ قالَ: وَ عزّتی وَ جَلالی ما خَلَقَتُ خَلقاً هُوَ أَحَبُّ إلیَّ مَنکَ، وَ لا أَکمَلتُکَ إلّا فیمَن أُحبُّّ. أما، إنّی إیّاکَ آمُرُ و إیّاکَ أَنهَی؛ و إیّاکَ أُثیبُ؛ وَ إیّاکَ أُعاقِبُ.
کتابمصباح الهدایة الی الخلافة والولایةصفحه 70 صدق ولیّ الله تعالی. و قد شرحه المحقّقون الکاملون، رضی الله عنهم؛ و لکن لمّا لم یشیروا، قدّس الله أنفسهم، إلی بعض أسراره، فنحن نشیر إلیه مع قلّة الباع و نقصان الإطّلاع. کیف، و عطایاهم لا یحمل إلّا مطایاهم؛ و لیس لمثلی هذا المحلّ الأعلی و المنزل الأبهی الأسنی.
فنقول: قوله(ع): إستنطقه أی، جعله ذا نطق و إدراک بنفس جعل ذاته. فإنّ العلم و الإدراک فی المبادئ العالیّة، و لا سیّما العقل الّذی هو أوّل التعیّنات، عین ذاتها. و هذا بوجه نظیر قوله تعالی: «و عَلَّمَ آدَمَ الأسماءَ کُلَّها.» فإنّ «التعلیم» فی ذلک المقام بإیداع صورالأسماء و الصفات بنحو اللفّ و الإجمال و أحدیّة الجمع فیه؛ لا أنّه خلقه مجرّداً عن العلم بالأسماء ثمّ علّمها إیّاه. فإنّ الإنسان مظهر اسم «الله» الأعظم الجامع لجمیع المراتب و الأسماء و الصفات بنحو أحدیّة الجمع؛ و العقل أیضاً مظهر علم الحقّ. فهو عالم فی مرتبة هویّته و لبّ حقیقته.
و قوله: أقبِل أمر من حضرة الجمع إلی المظهر الأوّل بظهوره فی جمیع مراتب التعیّنات من عالم الملک و الملکوت. فهو النافذ فی جمیع العوالم بأمر بارئه، لیظهر الکمالات الّتی فی عالم الأسماء و الصفات، و ینشر الخیرات فی مراتب الکائنات، و یهدیهم إلی الصراط المستقیم و یرشدهم إلی الطریق القویم.
و قوله(ع): أدبِر أی، أدبر من عالم التفصیل إلی الحضرة الجمع بجمیع المظاهر إلی الإسم المناسب لمقامک و مقام مظاهرک: إمّا إلی الإسم «الرحمن»، فتثاب؛ أو إلی الإسم «المنتقم»، فتعاقب. فالعقل الظاهر فی العوالم النازلة یثاب و یعاقب باعتبار اتّحاد الظاهر و المظهر. و معاد کلّ شیء بتوسّطه؛ بل بمعاده؛ فإنّ الأشیاء الکونیّة لا تعود إلی الحقّ مالم تصل إلی العالم العقلی، أو تفنی فیه؛ و إن کان معاد الکلّ بتوسّط الإنسان الکامل الّذی کان العقل هو مرتبة عقله.
و قوله(ع): و لا أکملتک إلّا فیمن أحبّ. إشارة إلی أنّ ظهور العقل فی مراتب الموجودات علی قدر استعدادهم الّذی قدّر لهم فی الحضرة العلمیّة بالحبّ الذاتی. و لولا ذلک الحبّ، لما یظهر موجود من الموجودات و لا یصل أحد إلی کمال من الکمالات؛ فإنّ بالعشق قامت السموات.
و فی قوله(ع): أیّاک آمر و إیّاک أنهی و إیّاک أثیب و إیّاک أعاقب بلا تخلّل «الباء» إشارة واضحة عند أرباب الذوق بما قلنا من أنّ العقل هو الظاهر و الباطن، و هو
کتابمصباح الهدایة الی الخلافة والولایةصفحه 71 النافذ فی الملک و الملکوت، و النازل من مقامه الأرفع إلی المنزل الأدنی بلا تجاف عن محلّه الأعلی و مقامه الأرفع الأسنی. و الله الموفّق فی الآخرة و الأولی.
کتابمصباح الهدایة الی الخلافة والولایةصفحه 72