الطائفة الخامسة : الروایات المشتملة علیٰ أنّ «لکلّ مَلِک حِمی، وحِمی الله محارمه»
وهی مضافاً إلیٰ ضعف إسنادها، ظاهرة فی بیان رجحان الاحتیاط؛ وأنّه لایرتکب المشتبهات لما یوشک أن یوقع فیها، ضرورة أنّه لا یمکن الاجتناب عن الآثار الوضعیّة المضرّة بالروح أو الجسد ضرراً قابلاً للجبران، أو غیر ممنوع؛ لأجل المصالح السیاسیّة الکلّیة، إلاّ بالاجتناب عن الشبهات، وربّما یقع فیها ولو اجتنب؛ لأنّ من الممکن کثیراً تبیّن حرمة الواجب، أو وجوب المحرّم، فلا تغفل.
جولة إجمالیّة حول المسألة
اعلم: أنّه إذا راجعنا مجموع هذه الطوائف، وحاولنا الفحص عن خصوصیّاتها، والبحث حول الکلّ، نجد أنّه لا یستفاد منها أمراً إلزامیّاً شرعیّاً؛ لاختلاف ألسنة الأخبار الراجعة إلیٰ شیء واحد.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 180 وتوهّم: أنّه ربّما تکون فی الواجبات القطعیّة ألسنة الروایات مختلفة، کما فی مثل الصوم والصلاة، غیر نافع؛ لأنّ وجوبها ضروریّ، ولا یستکشف من الآثار والأخبار، فلا یضرّ به اختلاف المآثیر، بخلاف الوجوب المشکوک، کما نحن فیه.
ثمّ إنّ شریعة الإسلام شریعة سهلة سمحة، لها المبادئ المختلفة، وبحسب تلک المبادئ المختلفة تختلف الآثار والأخبار، مثلاً من المبادئ ملاحظة سیاسة المدن والمنزل، وملاحظة سهولة الأمر علی المسلمین، وترغیب الناس فی الإسلام، فإذا کان هذا مبدأً فلا یصدر منه إلاّ «کلّ شیءٍ حلال» و«کلّ شیء طاهر» و«رفع... مالا یعلمون» وأمثالها.
وحیث إنّه شرع یحافظ علیٰ مصالح العباد الروحیّة والجسمیّة الفردیّة، ویلاحظ أنّ الترغیب المذکور ربّما یوجب التهتّک، فیصدر بمبدئیّة ذلک أوامرَ التوقّف والاحتیاط، وأنّ «ما اشتبه علیک علمه فالفظه، وما أیقنت بطیب وجهه فنل منه».
فلا تهافت بین هذه الروایات؛ لاختلاف تلک المبادئ الراجعة إلیٰ سیاسة کلّیة لازمة، وسیاسة فردیّة راجحة، أو لازمة فی المجموع، لا بلحاظ الضرر فرداً، فإنّه إذا کان المولیٰ یجد تجنّب جمع ندباً عن الشبهات، فله الأمر الندبیّ به ولو کان لازماً فی الجملة؛ لوصوله إلیٰ مقصوده، فلا تخلط.
ثمّ إنّه لا وجه یعتنیٰ به للتفصیل بین الشبهات التحریمیّة الحکمیّة
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 181 والوجوبیّة؛ ضرورة أنّ اختصاص أخبار البراءة بالموضوعیّة بلا وجه، واختصاص أخبار الاحتیاط کذلک.
وتوهّم: أنّ الأوامر الواردة فی الوقوف، ظاهرة فی الشبهات التحریمیّة، فعلیها یحمل غیرها، غیر صحیح؛ لأنّهما من الموجبتین، فلا منع من کون إطلاق أخبار الاحتیاط محکّم والرجوع إلی الإجماع خروج عن دأب الأخباریّین، مع أنّه غیر تامّ عندنا أیضاً؛ لأنّه إجماع معلّل غیر تعبّدی.
إلیٰ هنا تمّ ما هو الدلیل الوحید للأخباریّ، وبقیت بعض الوجوه العقلیّة تحت عنوان «جولة حول حکم العقل»:
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 182