تحقیق المسألة
وهو حدیث بطلان الإجارة خصوصاً ولو کانت سائر الـنواقل صحیحـة؛ وأنّها باطلـة من الأوّل ولو لـم یفسخ ذو الـخیار؛ وذلک لأنّ مالـکیّتـه بالـنسبـة إلـی الـمنفعـة غیر معلومـة، بخلاف الـعین؛ ضرورة أنّـه مع فقد الـعین یردّ الـمثل فی الـفسخ، وأمّا مع وجودها فتردّ الـعین، والـمنفعـة تابعتها، وحیث إنّ الـفسخ غیر معلوم فالـملکیّـة الـمعتبرة فی الإجارة غیر معلومـة.
والـتعلیل بأنّها متزلزلـة، علیل؛ لـما تحرّر من أنّ الـملکیّـة الـمتزلزلـة لا معنیٰ لـها، وأنّ الإجارة لاتـتقوّم بالـملکیّـة الـمستقرّة، بخلاف مسألـة جهالـة الـملکیّـة، فالـفسخ لـو وقع وإن کان حلاًّ لـلعقد من الـحین، إلاّ أنّ صحّـة الإجارة منوطـة بالـملکیّـة الـمعلومـة فی مدّة الإجارة.
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 345 ولو قلنا: بأنّ ثمرة الـفسخ عود الـعین بجمیع خصوصیّاتها إلـیٰ ذی الـخیار، تکون الإجارة هنا أسوأ حالاً من إجارة الـبطن الأوّل لـلوقف، مع أنّ الإجارة هناک صحیحـة عندنا؛ لأنّها تابعـة لـکیفیّـة الـوقف، ولاشبهـة فی إمکان الـوقف علیٰ وجـه یکون الـطبقـة الـمتأخّرة متلقّیـة من الـطبقـة الـمتقدّمـة، کما فی الإرث، فلاتخلط.
أقول: الإجارة سواء کانت مشتملـة علیٰ نقل الـمنفعـة، إمّا لـکون ماهیّتها هی نقل الـمنفعـة، أو تکون مستـتبعـة لـها إیقاعاً وعقداً، أو شرعاً وعرفاً، أو لـم تکن مشتملـة علیـه رأساً - کما هو الأشبـه، وتکون ثمرة إجارة الـعین انتقال حقّ إلـیـه، وتفصیلـه فی محلّـه - لاتبطل بتلک الـجهالـة؛ لأنّها کالـجهالـة الـناشئـة عن بقاء الـعین تکویناً، وکما أنّها مرفوعـة بأصالـة الـسلامـة، کذلک هنا مرفوعـة باستصحاب بقاء الـملک، أو الأصل الـسببیّ؛ وهو عدم طروّ الـفسخ لـو لـم یکن مثبتاً.
ویجوز دعویٰ: أنّ تصرّف الـمؤجر کتصرّف سائر الـملاّک، فکما لایبطل بموتهم إجارتهم؛ لـکون الـملکیّـة مرسلـة ولو لـم یکن الـمالـک مرسلاً، وتنتقل الـعین إلـی الـوراث مسلوب الـمنفعـة، کذلک الأمر هنا.
وتوهّم: تنافی الإجارة مع مقتضی الـفسخ بالـمطابقـة، أو بالاستلزام، فی غیر محلّـه؛ لأنّ من الـممکن عدم طروّ الـفسخ خارجاً، فالـدلیل أخصّ. مع أنّ من الإجارات ما لایقتضی تسلیم الـعین؛ کی یقع الـتهافت بینهما، فلا
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 346 یتمّ الـوجـه الـمزبور من هذه الـجهـة أیضاً.
مع أنّ ماهیّـة الـفسخ لاتقتضی إلاّ انهدام الـعقد؛ من غیر استـتباعـه أمراً آخر إلاّ حکم الـعقلاء، ولا شبهـة فی جواز کون حکمهم هنا ردّ الـعین مسلوبـة الـمنفعـة؛ لأنّـه بـه یجمع بین ملک الـملکیّـة الـمرسلـة وهذا الـفسخ مع وجود الـعین.
فتحصّل لـحدّ الآن: أنّ الـفسخ والإجارة متلائمان، فلا تلزم الـجهالـة فی ملکیّـة الـمنفعـة، فلا قصور فی ناحیـة الاقتضاء لـصحّـة الإجارة، ولا مانع یمنع، کما فی کلمات الـشیخ وأتباعـه، بل قضیّـة الـجمع بین الاُمور الـمذکورة؛ صحّـة الإجارة والـفسخ، وردّ الـعین بعد مضیّ وقتها، والـقول باستـتباع الـمنفعـة لملکیّـة الـعین باطل عاطل؛ لأنّ دلیلـه لـبّی، وهو حکم الـعقلاء فی غیر أمثال الـمقام.
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات (ج. 4)صفحه 347