الفصل السابع فی متعلّق الأوامر و النواهی
نقد و تحصیل‏: فی المراد من وجود الطبیعی خارجاً
نسخه چاپی | ارسال به دوستان
برو به صفحه: برو

نوع ماده: کتاب فارسی

پدیدآورنده : سبحانی تبریزی، جعفر

محل نشر : تهران

ناشر: موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی(ره)

زمان (شمسی) : 1387

زبان اثر : عربی

نقد و تحصیل‏: فی المراد من وجود الطبیعی خارجاً

نقد وتحصیل : فی المراد من وجود الطبیعی خارجاً

‏ ‏

‏إذا أمعنت النظر فیما ذکرنا تعرف : أنّ تخییر المکلّف فی إیجاد الطبیعة فی‏‎ ‎‏ضمن أیّ فرد شاء تخییر عقلی لا شرعی ، کیف وقد عرفت أنّ انفهام الإیجاد من‏‎ ‎‏الأمر لیس لدلالة اللفظ علیه ، بل لانتقال العرف بعقله وفکره إلی أنّ الطبیعة‏‎ ‎‏لا تتحقّق إلاّ بالوجود ، من دون تنصیص من المولی علیه ، ومعه کیف یکون التخییر‏‎ ‎‏بین الإیجادات شرعیاً ؟‏

‏وبالجملة : أنّ ما تعلّق به الطلب هو نفس الطبیعة ، ولکن العقل یدرک أنّ‏‎ ‎‏تفویض الطبیعة إلیه لا یمکن إلاّ بالتمسّک بذیل الوجود ، ویری أنّ کلّ فرد منها وافٍ‏‎ ‎‏بغرضه ، فلا محالة یحکم بالتخییر بین الأفراد . وأمّا المولی فلیس الصادر منه سوی‏‎ ‎‏البعث إلی الطبیعة تعییناً ، لا تخییراً .‏

نعم ، یظهر عن بعض محقّقی العصر ‏رحمه الله‏‏ کون التخییر شرعیاً بین الحصص ،‏‎ ‎‏وحاصل ما أفاده بطوله : هو أنّه إذا تعلّق الأمر بعنوان علی نحو صرف الوجود فهل‏‎ ‎‏یسری إلی أفراده تبادلاً ، فتکون الأفراد بخصوصیاتها تحت الطلب ، أو لا ؟‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 495

‏وعلی الثانی فهل یسری إلی الحصص المقارنة للأفراد ـ کما فی الطبیعة‏‎ ‎‏الساریة ـ أولا ، بل الطلب یقف علی نفس الطبیعة ؟‏

قال :‏ توضیح المراد یحتاج إلی مقدّمة ؛ وهی أنّ الطبیعی یتحصّص حسب‏‎ ‎‏أفراده ، وکلّ فرد منه مشتمل علی حصّة منه مغایرة للحصّة الاُخری باعتبار‏‎ ‎‏محدودیتها بالمشخّصات الفردیة ، ولا ینافی ذلک اتّحاد تلک الحصص بحسب‏‎ ‎‏الذات ، وهذا معنی قولهم‏‎[1]‎‏ : إنّ نسبة الطبیعی إلی أفراده نسبة الآباء إلی الأولاد ،‏‎ ‎‏وإنّ مع کلّ فرد حصّة من الطبیعی غیر الآخر ، ویکون الآباء مع اختلافها بحسب‏‎ ‎‏المرتبة متّحدة ذاتاً .‏

ثمّ قال :‏ التحقیق یقتضی وقوف الطلب علی نفس الطبیعة ، وأقام علیه دلیلین .‏

ثمّ قال :‏ إنّ عدم سرایة الطلب إلی الحصص إنّما هو بالقیاس إلی الحیثیة التی‏‎ ‎‏بها تمتاز الحصص الفردیة بعضها عن البعض الآخر المشترک معه فی الحقیقة‏‎ ‎‏النوعیة .‏

‏وأمّا بالنسبة إلی الحیثیة الاُخری التی بها تشترک تلک الحصص وتمتاز بها‏‎ ‎‏عن أفراد النوع الآخر المشارکة لها فی الجنس القریب ؛ وهی الحیثیة التی بها قوام‏‎ ‎‏نوعیتها فلا بأس بدعوی السرایة إلیها ، بل لعلّه لا محیص عنها ؛ من جهة أنّ‏‎ ‎‏الحصص بالقیاس إلی تلک الحیثیة واشتمالها علی مقوّمها العالی لیست إلاّ عین‏‎ ‎‏الطبیعی . ونتیجة ذلک کون التخییر بین الحصص شرعیاً لا عقلیاً .‏

‏إن قلت : إنّ الطلب تعلّق بالعناوین والصور الذهنیة لا المعنونات الخارجیة ،‏‎ ‎‏فیستحیل سرایته إلی الحصص الفردیة ؛ حیث إنّها تباین الطبیعی ذهناً ؛ وإن کان کلّ‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 496

‏من الحصص والطبیعی ملحوظاً بنحو المرآتیة .‏

‏قلت : إنّ المدّعی هو تعلّق الطلب بالطبیعی بما هو مرآة للخارج ، ولا ریب‏‎ ‎‏فی أنّ وجود الطبیعی فی الخارج لا یمتاز عن وجود الحصص ، بل هو الجهة‏‎ ‎‏المشترکة الجامعة بین الحصص ، والمرئی بالطبیعی الملحوظ مرآة للخارج لیس إلاّ‏‎ ‎‏تلک الجهة الجامعة بین الحصص ، وهذا مرادنا من سرایة الطلب من الطبیعی إلی‏‎ ‎‏حصصه . بل التعبیر بها مسامحی ؛ إذ بالنظر الدقّی یکون الطلب المتعلّق بالطبیعی‏‎ ‎‏الملحوظ مرآة للخارج متوجّهاً إلی الجهة الجامعة بین الحصص ، فمتعلّق الطلب فی‏‎ ‎‏الحقیقة هی تلک الجهة الجامعة بعینها‏‎[2]‎‏ ، انتهی .‏

أقول :‏ الظاهر أنّه أشار فی تحقیق الکلّی الطبیعی إلی ما اشتهر بین‏‎ ‎‏تلامذته ‏‏قدس سره‏‏ ؛ نقلاً عنه من أنّ الحصص بالنسبة إلی الأفراد کالآباء والأولاد ،‏‎ ‎‏والطبیعی هو أب الآباء ، وهو الجهة المشترکة بین الحصص ، ویکون الطبیعی مرآة‏‎ ‎‏لهذه الجهة المشترکة الخارجیة .‏

‏وزعم : أنّ المراد من قول بعض أهل المعقول : إنّ الطبیعی بالنسبـة إلی‏‎ ‎‏الأفراد کالآباء بالنسبة إلی الأولاد ، هو الحصص ، وأنّ هنا آباء ؛ هـی الحصص ،‏‎ ‎‏وأب الآباء ؛ وهو القدر المشترک بینها ، الذی یکون الطبیعی مرآة له ، غفلةً عـن أنّ‏‎ ‎‏ما ذکروا من أنّ نسبة الطبیعی إلی الأفراد نسبة الآباء إلی الأبناء إنّما هـو لأجل‏‎ ‎‏الفرار عن الأب الواحد الذی التزم به الرجل الهمدانی ، الذی صادفه الشیخ فی‏‎ ‎‏مدینـة همدان‏‎[3]‎‏ ، وهذا المحقّق جمع بین الالتزام بمقالة الرجل الهمدانی وبین‏‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 497

‏ماهـو المشهور فی ردّه‏‎[4]‎‏ ؛ غفلةً عن حقیقة الحال .‏

‏ولمّا کان ذلک منشأ للخلط والاشتباه فی مواضع کثیرة فلا بأس بالإشارة إلی‏‎ ‎‏ماهو المحقّق فی محلّه :‏

فنقول :‏ إنّ الطبیعی من الشیء هو حدّ الشیء وذاتیة ومقوّمه ؛ بحیث یوضع‏‎ ‎‏بوضعه ویرتفع برفعه ، وهو حدّ الشیء بما هو حدّه ، لا معدوم ولا موجود ولا واحد‏‎ ‎‏ولا کثیر ، بل هو فی مرتبة فوق هذه الأوصاف والعوارض .‏

‏نعم ، قد یقع فی مرتبة دونها مجالیاً لهذه الأوصاف ، فیصیر موجوداً وکثیراً ،‏‎ ‎‏لکن کلّ ذلک فی مرتبة متأخّرة عن رتبة الطبیعی وذاته .‏

‏وبعبارة اُخری : إنّ مأخذ الطبیعی والماهیة المؤلّفة من الجنس والفصل هو‏‎ ‎‏الموجودات الخارجیة بما أنّها واقعة فی صراط التکامل ومدارج الکمال ،‏‎ ‎‏والموجود إذا وقع فی بعض المدارج یدرک منه مفهوم عامّ ، کالجسم یندرج تحته‏‎ ‎‏عدّة من الأشیاء المشترکة مع هذا الموجود فی هذا المفهوم ، ثمّ یدرک منه مفهوم‏‎ ‎‏آخر یمیّز ذلک الموجود عن بقیة الأشیاء ، وهذان المفهومان بما هما أمران مفصّلان‏‎ ‎‏حدّ تفصیلی لذلک الموجود ، ویعبّر عنهما بالجنس والفصل ، والمفهوم البسیط‏‎ ‎‏الإجمالی المنتزع من هذین یسمّی نوعاً .‏

‏ثمّ إذا أدرکه الکمال الآخر ودخل فی مرتبة اُخری وصار جسماً نامیاً یدرک‏‎ ‎‏له جنس وفصل آخر ، فکلّما زاد الشیء فی تکامله ومدارجه ینتزع فی کلّ مرتبة‏‎ ‎‏مفهوم من ذاته ، مغایر مع ما کان ینتزع قبل الوصول إلیها .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 498

‏ثمّ إذا فرضنا موجوداً آخر مثل ذلک ؛ بحیث دخل فی المدارج التی دخل‏‎ ‎‏فیها الموجود السابق ینتزع منه فی کلّ مرتبة مثل ما ینتزع من الآخر ، وهکذا فی‏‎ ‎‏الثالث والرابع . فحینئذٍ فالمراد من الطبیعی هو المفاهیم المنتزعة عن الشیء باعتبار‏‎ ‎‏درجاته ومراتبه . وعلیه یتعدّد الطبیعی بتعدّد أفراده ؛ إذ ینال العقل من کلّ فرد‏‎ ‎‏مفهوماً مغایراً مع ما یناله من الآخر ، ولکن تغایراً بالعدد .‏

‏فإن قلت : یلزم علی هذا أن یکون الطبیعی نفس الصور المنتزعة القائمة‏‎ ‎‏بالذهن ، ومع التقیّد بالوجود الذهنی کیف یکون حدّاً للشیء الموجود فی الخارج ؟‏

‏قلت : التعبیر بالانتزاع وما أشبهه لأجل تقریب المطلب ، وإلاّ فهو بما أنّه أمر‏‎ ‎‏منتزع موجود فی وعاء الذهن من مراتب الوجود ، ولا یعقل أن یکون حدّاً‏‎ ‎‏للموجود ، بل الماهیة هی الشیء الذی یراه الإنسان تارة موجوداً فی الذهن ،‏‎ ‎‏واُخری موجوداً فی الخارج ، وثالثة غیر موجود فیهما ، ولکن العلم لا یتعلّق‏‎ ‎‏بالماهیة المجرّدة إلاّ بلحاظها فی الذهن وتجریدها عن سائر الخصوصیات ، ومع‏‎ ‎‏ذلک لا تکون ماهیة مجرّدة ، بل مختلطة بالوجود الذهنی .‏

وبذلک یظهر :‏ أنّ الماهیة المحضة بلا شیء معه لا ینالها الإنسان ؛ إذ الطریق‏‎ ‎‏إلیها إنّما هو التصوّر والإدراک الذهنی ، وکلّما تصوّرتها فهو ینصبغ بالوجود ، وکلّما‏‎ ‎‏جرّدتها فقد أخلیتها .‏

‏وأمّـا جعلها حـدّاً للشیء فإنّما هـو لأجل الغفلة عـن الوجـود الذهنی‏‎ ‎‏وتحصّله فیه . فحینئذٍ إذا کان معنی الطبیعی هو المفهوم الذی ینتزعه الذهن من‏‎ ‎‏الشیء بحسب مواقفـه أو ما یراه النفس موجـوداً فی الخارج تارة وفی الذهن‏‎ ‎‏اُخـری ، فلا محالـة لـو فرض حصول مصداق ـ کزید مثلاً ـ لهـذا الطبیعی فی‏‎ ‎‏الخارج فقد وجد الطبیعی فیه بتمام شؤونه ، ولو فرض حصول مصداق ثانٍ‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 499

‏ـ کخالد ـ فقد وجد فیه الطبیعی بتمام أجزائه أیضاً ، وهکذا لو فرض ثالث .‏

‏فهاهنا أفراد وإنسانات بحسب عدد الأفراد ویتکثّر بتکثّرها ؛ فزید إنسان تامّ ،‏‎ ‎‏وخالد إنسان تامّ آخر ، وهکذا الثالث ، لا أنّه حصّة من الإنسان أو جزء منه حتّی‏‎ ‎‏یصیر کلّ واحد من الأفراد ناقصاً فی الإنسانیة ، ویکون الإنسان التامّ شیئاً قائماً مع‏‎ ‎‏هذه الأفراد ، کما زعمه الرجل الهمدانی .‏

‏نعم ، إنسانیة زید غیر إنسانیة خالد فی الخارج ، وطبیعی الأوّل غیر طبیعی‏‎ ‎‏الثانی ؛ تغایراً بالعدد ، ولکن العقل إذا جرّد إنسانیة هذا وذاک عن العوارض المفردة‏‎ ‎‏ینال من الجمیع شیئاً واحداً بالنوع ؛ لارتفاع المیز ، وهذا لا ینافی تعدّده وتکثّره فی‏‎ ‎‏الخارج ، وسیجیء نصّ الشیخ الرئیس علی ما ذکرنا‏‎[5]‎‏ .‏

‏وإن شئت قلت : إنّ الطبیعی موجود فی الخارج لا بنعت الوحدة النوعیة ولا‏‎ ‎‏بوصف الجامعیة ، بل العموم والاشتراک لاحقٌ به فی موطن الذهن ، والجهة‏‎ ‎‏المشترکة لیس لها موطن إلاّ العقل ، والخارج موطن الکثرة ، والطبیعی موجود فی‏‎ ‎‏الخارج بوجودات متکثّرة ، وهو متکثّر حسب تکثّر الأفراد والوجودات ، لا بمعنی‏‎ ‎‏تحصّصه بحصص ؛ فإنّه لا محصّل له ، بل بمعنی أنّ کلّ فرد متّحد فی الخارج مع‏‎ ‎‏الطبیعی بتمام ذاته ؛ لأنّ ذاته غیر مرهونة بالوحدة والکثرة ، فهو مع الکثیر کثیر .‏

‏فزید إنسان لا حصّة منه ، وعمرو إنسان آخر لا حصّة اُخری منه وهکذا ،‏‎ ‎‏وإلاّ لزم کون زید بعض الإنسان وعمرو کذلک ، وهو ضروری الفساد .‏

ومنه یتّضح :‏ أنّ الجهة المشترکة بنعت الاشتراک لیست موجودة فی الخارج ،‏‎ ‎‏وإلاّ لزم أن یکون موجوداً بنعت الوحدة ؛ لأنّ الوجود مساوق للوحدة ، فیلزم إمّا‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 500

‏وحدة جمیع الأفراد وجوداً وماهیة أو کون الواحد کثیراً ، وکون کلّ فرد موجوداً‏‎ ‎‏بوجودین : أحدهما بحیثیة الجهة المشترکة ، فیکون کلّ الأفراد واحداً فی الوجود‏‎ ‎‏الخارجی من هذه الحیثیة ، وثانیهما وجوده بالحیثیة الممتازة مع قُرنائه .‏

‏وهذا ـ أی کون الإنسان غیر موجود بنعت الوحدة والاشتراک ، بل بنعت‏‎ ‎‏الکثرة المحضة ـ مراد من قال : إنّ الطبیعی مع الأفراد کالآباء مع الأولاد ، لا الأب‏‎ ‎‏مع الأبناء ، وهذا خلاصة ما علیه الأکابر .‏

‏وأمّا الرجل الهمدانی فزعم : أنّ معنی وجود الطبیعی فی الأعیان هو أنّ ذاتاً‏‎ ‎‏واحدة بعینها مقارنة لکلّ واحد من المقارنات المختلفة ، موجودة بنعت الوحدة فی‏‎ ‎‏الخارج ، وأنّ ما به الاشتراک الذاتی بین الأفراد متحقّق خارجاً .‏

‏وکأنّه توهّم من قولهم : إنّ الأشخاص مشترک فی حقیقة واحدة ؛ وهی‏‎ ‎‏الطبیعی ، ومن قولهم : إنّ الکلّی الطبیعی موجود فی الخارج أنّ مقصود القوم هو‏‎ ‎‏موجودیة الجهة المشترکة بما هی کذلک فی الخارج ؛ قائلاً : هل بلغ من عقل‏‎ ‎‏الإنسان أن یظنّ أنّ هذا موضع خلاف بین الحکماء ؟‏

‏وما ذکره هذا الرجل هو معنی کون الطبیعی کأب واحد بالنسبة إلی الأبناء ؛‏‎ ‎‏أی یکون الطبیعی بنعت الوحـدة والاشتراک موجـوداً فی الخارج ، وفی مقابله‏‎ ‎‏مقالـة المحقّقین من أنّ نسبـة الطبیعی إلی الأفـراد کالآباء إلی الأولاد ، وأنّ‏‎ ‎‏الطبیعـی موجـود فی الخارج بنعت الکثرة المحضة ، وأنّ الوحدة والاشتراک‏‎ ‎‏تعرضان علیه فی موطن الذهن ، والجهة المشترکة لا موطن لها إلاّ العقل ، وأنّ‏‎ ‎‏الخارج موطن الکثرة ، والطبیعی موجـود فی الخارج متکثّر بتکثّر الأفـراد ،‏‎ ‎‏لا بمعنی تحصّصه بحصص ، وأنّ الموجود مع کلّ فرد حصّة منه لا نفسه ؛ فإنّه‏‎ ‎‏لا یرجع إلی محصّل ، بل بمعنی أنّ کلّ فرد فی الخارج هو الطبیعی بتمام ذاته ؛ لأنّ‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 501

‏ذاته غیر مرهونة بالوحدة والکثرة ، فهو مع الکثیر کثیر ، ومع الواحد واحد .‏

‏فزید إنسان لا حصّة منه ، وعمرو إنسان آخر لا حصّة اُخری ، ففی الخارج‏‎ ‎‏اُناس کثیرة حسب کثرة الأفراد لا إنسان واحد معها ، وإلاّ لزم أن تکون الجهة‏‎ ‎‏المشترکة موجودة بنعت الوحدة ؛ لأنّ الوجود یساوق الوحدة ، فلزم وحدة جمیع‏‎ ‎‏الأفراد خارجاً ؛ وجوداً وماهیة بالوحدة الشخصیة العینیة .‏

‏وهذا المحقّق الاُصولی لمّا لم یصل إلی مغزی مرام المحقّقین جمع بین الآباء‏‎ ‎‏والأب ، فجعل للأفراد آباء وجدّاً ؛ وهو أب الآباء . ولهذا تراه صرّح ـ فی جواب إن‏‎ ‎‏قلت ـ بأنّ وجود الطبیعی فی الخارج هو الجهة المشترکة ، وأنّ المرئی بالطبیعی‏‎ ‎‏الملحوظ مرآة للخارج لیس إلاّ تلک الجهة الجامعة بین الحصص . وهذا بعینه قول‏‎ ‎‏الرجل الهمدانی الذی أفرد شیخ المشائیین رسالة لردّه وقد نقل بعض الأکابر نصّ‏‎ ‎‏الشیخ بأنّ الإنسانیة الموجودة کثیرة بالعدد ، ولیست ذاتاً واحدة ، وکذلک الحیوانیة ،‏‎ ‎‏لا أنّها کثیرة باعتبار إضافات مختلفة ، بل ذات الإنسانیة المقارنة لخواصّ زید هی‏‎ ‎‏غیر ذات الإنسانیة المقارنة لخواصّ عمرو ، فیهما إنسانیتان : إنسانیة قارنت خواصّ‏‎ ‎‏زید ، وإنسانیة قارنت خواصّ عمرو ، لا غیریة باعتبار المقارنة حتّی تکون حیوانیة‏‎ ‎‏واحدة تقارن المتقابلات من الفصول . وهذه العبارة ـ کما تری ـ نصّ علی خلاف ما‏‎ ‎‏زعمه ذلک المحقّق ، مع أنّ البرهان قائم علی خلافه .‏

ثمّ‏ إنّه ربّما یؤیّد مذهب الرجل الهمدانی بوجهین ، وربّما یتمسّک بهما‏‎ ‎‏المحقّق المزبور ، وقدّمنا کلمة منه  ‏‏رحمه الله‏‏ فی مبحث الوضع :‏

الأوّل :‏ أنّه یمتنع انتزاع مفهوم واحد من الأفراد بلا جامع اشتراکی فی‏‎ ‎‏الخارج ؛ إذ الکثیر بما هو کثیر لا یمکن أن یقع منشأً لانتزاع الواحد ، فلابدّ من جهة‏‎ ‎‏جامعة خارجیة بنعت الوحدة حتّی یکون الطبیعی مرآة لها ومنتزعاً منها .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 502

وفیه :‏ أنّ وحدة الطبیعی لیست وحدة عددیة بل وحدة نوعیة ، وظرف‏‎ ‎‏عروضها إنّما هو الذهن ؛ إذ النفس بواسطة القوی النازلة ینال من کلّ فرد إنسانیة‏‎ ‎‏مغایرة لما یناله من الآخر ، ولکن إذا جرّدها عن الخصوصیات الفردیة ینعدم التعدّد‏‎ ‎‏قهراً بانعدام میزهما ، فیصیر مفهوماً واحداً . والمتوهّم تخیّل : أنّ الذهن ینال المفهوم‏‎ ‎‏الواحد من الخارج ، وصار بصدد تصحیح منشئه .‏

‏أضف إلیه : أنّ الطبیعی لیس من الانتزاعیات ، بل من الماهیات المتأصّلة‏‎ ‎‏الموجودة فی الخارج تبعاً للوجود تحقّقاً وتکثّراً ، وأنّ معنی موجودیتها موجودیتها‏‎ ‎‏ذاتاً تبعاً للوجود ، لا موجودیة منشأ انتزاعها ، وأنّ کثرة الوجود منشأ تکثّرها‏‎ ‎‏خارجاً ؛ لأنّها بذاتها لا کثیرة ولا واحدة .‏

‏فالکثرة تعرضها خارجاً بمعنی صیرورة ذاتها کثیرة بتبع الوجود خارجاً ،‏‎ ‎‏والوحدة تعرضها فی العقل عند تجریدها عن کافّة اللواحق . وما سبق منّا من التعبیر‏‎ ‎‏بلفظ الانتزاع فلأجل التسهیل .‏

والحاصل :‏ أنّ الانتزاع هنا ـ علی فرض صحّته ـ لیس إلاّ عبارة عن إدراک‏‎ ‎‏النفس من کلّ فرد بعد تجریده عن الممیّزات ما تدرک من فرد آخر ، فإذا جرّدت‏‎ ‎‏النفس خصوصیات زید تدرک منه معنی الإنسان ـ أی طبیعیه ـ من غیر اتّصافه‏‎ ‎‏بنعت الوحدة المشترکة النوعیة ، وکذا إذا جرّدت خصوصیات عمرو تنال منه ما‏‎ ‎‏تنال من زید بلا تفاوت .‏

‏ثمّ إذا لاحظت أنّ ما أدرکته مکرّراً مشترک بین الأفراد تحکم بأنّه الجهة‏‎ ‎‏المشترکة . فالوحدة تعرضه فی العقل عند التحلیل والتجزئة . ولکن لا یغرّنک لفظ‏‎ ‎‏العروض بمعناه المعهود ، والتحقیق موکول إلی مظانّه .‏

الثانی :‏ أنّا نری کثیراً فی الفواعل الطبیعیة من استناد الواحد إلی الکثیر ،‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 503

‏کتأثیر بندقتین فی قتل شخص ، وتأثیر النار والشمس فی حرارة الماء ، وتأثیر قوی‏‎ ‎‏أشخاص فی تحریک حجر عظیم ، وغیر ذلک من الأمثلة ، فإمّا أن یستند المعلول‏‎ ‎‏إلی کلّ واحد مستقلاًّ ، لزم صدور الواحد عن الکثیر ، أو إلی المجموع ؛ وهو لیس‏‎ ‎‏موجوداً عدا وجود الأفراد ، فلا مناص ـ حفظاً لانخرام قاعدة الواحد المبرهن علیها‏‎ ‎‏فی محلّها‏‎[6]‎‏ ـ من القول بوجود جامع فی الخارج بنعت الوحدة ، وهو الذی یؤثّر‏‎ ‎‏فی إیجاد هذه المعالیل .‏

والجواب :‏ أنّ التمسّک بقاعدة الواحد فی هذا المقام غفلة عن مغزی القاعدة ؛‏‎ ‎‏إذ قاعدة الواحد لو تمّت لکان مجراها ـ کما هو مقتضی برهانها ـ هو الواحد البحت‏‎ ‎‏البسیط الذی لیس فیه ترکیب ولا شائبته ، دون غیره ممّا فیه الترکیب والأثنینیة ،‏‎ ‎‏وما ذکر من الأمثلة خارج من مصبّ القاعدة .‏

‏علی أنّ فیها لیس أمر واحد حتّی نتطلّب علّته ؛ إذ الموت لیس إلاّ خروج‏‎ ‎‏الروح البخاری من البدن من المنافذ غیر الطبیعیة ، وکلّما قلّت البندقة قلّت المنافذ ،‏‎ ‎‏وکلّما کثرت کثرت المنافذ .‏

‏فحینئذٍ : طول المدّة فی نزع الروح الصوری وقلّتها یدور مدار إخراج الدم ،‏‎ ‎‏وهو لیس أمراً واحداً بسیطاً ، بل أمر یقبل التجزئة والتکثّر .‏

‏وقس علیه الحرارة ؛ فإنّ حاملها ذو أجزاء وأوضاع ، ولا مانع من انفعال‏‎ ‎‏بعضها من الشمس ، والبعض الآخر من النار ، ویکون کلّ واحد مؤثّراً فیه بعض‏‎ ‎‏الأثر . فلا إشکال فی تأثّر مثل هذا الواحد الطبیعی القابل للتجزئة والترکیب من‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 504

‏علّتین ؛ إذ أثر کلّ علّة غیر أثر الاُخری ، وتأثّر الماء من کلّ غیر تأثّره من آخر .‏

‏وهکذا الأمر فی اجتماع أشخاص علی رفع حجر ؛ فإنّ کلّ واحد یؤثّر فیه‏‎ ‎‏أثره الخاصّ ؛ حتّی یحدث فی الحجر بواسطة القواسر العدیدة ما یغلب علی ثقله‏‎ ‎‏الطبیعی أو علی جاذبة الأرض .‏

أضف إلی ذلک :‏ أنّ قیاس العلل الطبیعی بالفواعل الإلهی من عجائب‏‎ ‎‏الأوهام ، والقول بتأثیر الجامع فی العلّة الإلهیة مثل الطبیعی أمر غیر معقول ، إذ‏‎ ‎‏المعلول الإلهی ربط محض بعلّته ، ویکون بتمام هویته متعلّقاً بها ، بل حقیقته عین‏‎ ‎‏الربط لا شیء له الربط ، ولا یمکن أن یکون له حیثیة غیر مربوطة بها ، وإلاّ لزم‏‎ ‎‏الاستغناء الذاتی ، وهو ینافی الإمکان .‏

‏وحینئذٍ : فما حاله وذاته ذلک لا یعقل فی حقّه أن یستند إلی علّته الخاصّة‏‎ ‎‏عند الانفراد وإلی الجامع عند الاجتماع ؛ إذ هویته التدلّی بعلّته ، فکیف یمکن أن‏‎ ‎‏یفسخ ذاته ویفوّضها إلی الجامع ؟ إن هذا إلاّ الانقلاب .‏

وبالجملة :‏ فالعلّة البسیطة الإلهیة لا یمکن أن یجتمع علی معلولها علّتان‏‎ ‎‏حتّی نبحث فی کیفیته ، ولا یعقل تفویض الفاعل الإلهی أثره إلی غیره ، أو تعلّق‏‎ ‎‏المعلول بالذات إلی غیر علّته الخاصّة به ، فلا یعقل ربط المعلول البسیط تارة بهذه‏‎ ‎‏العلّة واُخری بتلک وثالثة بالجامع بینهما ؛ للزوم الانقلاب الذاتی فی البسیط .‏

‏وأظنّک إذا أمعنت النظر فیما ذکرنا ، وکنت أهلاً لهذه المطالب تقدر علی‏‎ ‎‏تشخیص الزیف من المقبول ، وهو غایة المأمول .‏

إذا عرفت ما ذکرنا فاعلم :‏ أنّ ما ذکره ‏‏قدس سره‏‏ من أنّ عدم السرایة إنّما هو إلی‏‎ ‎‏الحیثیة التی تمتاز بها الحصص الفردیة بعضها عن بعض ، وأمّا بالنسبة إلی الحیثیة‏‎ ‎‏الاُخری التی بها تشترک تلک الحصص وتمتاز بها عن أفراد النوع الآخر فلا بأس‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 505

‏بدعوی السرایة إلیها‏‎[7]‎‏ ، لا یخلو من إجمال ؛ لأنّ مراده من قوله تشترک تلک‏‎ ‎‏الحصص وتمتاز بها عن أفراد النوع الآخر . . . إلی آخره إن کان هو الفصول الممیّزة‏‎ ‎‏ففیه : أنّ ذلک عین الطبیعی ومقوّمها ، ومرجعه إلی أنّ الحکم علی الطبیعی یسری‏‎ ‎‏إلی الطبیعی ، وإن أراد ما یمتاز به حصص نوع عن حصص نوع آخر ففیه : أنّ‏‎ ‎‏الطبیعی لا یمکن أن یتحصّص بنفس ذاته ، بل التحصّص یحصل بتقییده بقیود‏‎ ‎‏عقلیة ، مثل «الإنسان الأبیض» و «الفرس الأسود» .‏

‏فحینئذٍ لا یمکن أن یکون الحصص نفس الطبیعی فی اللحاظ العقلی ، وأمّا‏‎ ‎‏الاتّحاد الخارجی فکما یکون بین الحصص والطبیعی یکون بین الأفراد والطبیعی ،‏‎ ‎‏ولکنّه لا یوجب سرایة الأمر فی کلا القسمین .‏

‏وبالجملة : أنّ الامتیاز بین حصص نوع مع حصص نوع آخر لیس بالفصل‏‎ ‎‏المقوّم فقط ، بل به وبالتقییدات الحاصلة من القیود اللاحقة المحصّلة للحصص ،‏‎ ‎‏والامتیاز بالفصل المقوّم فقط إنّما یکون بین نوع ونوع آخر ، لا حصصهما .‏

فتحصّل ممّا ذکرنا :‏ أنّ الأمرالمتعلّق بالطبیعی لا یمکن أن یسری إلی الأفراد ،‏‎ ‎‏ولا إلی الحصص التی تخیّلت للطبیعی ، ولیعذرنی إخوانی من تطویل هذا البحث‏‎[8]‎‏ .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 506

  • )) الحکمة المتعالیة 2 : 8 ، شرح المنظومة ، قسم الحکمة : 99 .
  • )) بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) الآملی 1 : 407 ـ 410 .
  • )) راجع رسالة بعض الأفاضل إلی علماء مدینة السلام ، ضمن رسائل ابن سینا : 463 ـ 479 ، الحکمة المتعالیة 1 : 272 ـ 274 ، شرح المنظومة ، قسم الحکمة : 99 .
  • )) راجع رسالة بعض الأفاضل إلی علماء مدینة السلام ، ضمن رسائل ابن سینا : 463 ، الحکمة المتعالیة 1 : 273 و 2 : 7 ـ 8 .
  • )) یأتی فی الصفحة 502 .
  • )) شرح الإشارات 3 : 122 ـ 127 ، الحکمة المتعالیة 2 : 204 ، شرح المنظومة ، قسم الحکمة : 132 .
  • )) نهایة الأفکار 1 : 386 ،بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) الآملی 1 : 408 ـ 409 .
  • )) لا یخفی : أنّ بعض ما حرّرنا هاهنا قد استفدناه من سیّدنا الاُستاذ ـ دام ظلّه ـ فی خارج حوزة درسه ؛ ولذا تری المقام طویل الذیل مترامی الأطراف ، فشکّر الله مساعیه الجمیلة ، وأطال بقاء عمره ، وأدام صحّة وجوده . [المؤ لّف]