بِسْمِ الّٰلهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحیمِ
الحمد لله ربّ العالمین، وصلّی الله علی محمّد وآله الطاهرین، ولعنة الله علی أعدائهم أجمعین إلی یوم الدین.
فی المکاسب
تقسیم المکاسب
قد اختلف کلمات الأعیان فی تقسیمها فی المقام:
فقسّمها المحقّق إلی محرّم ومکروه ومباح، لکن جعل المقسم ما یکتسب به، مع عدّه ما لا ینتفع به، وما یجب علی الإنسان فعله من الأقسام؛ وهما لیسا من أقسام ما جعله مقسماً، وکذا ما ذکرها فی المکروهات، کبیع الصرف والأکفان وغیرهما مماّ هی من أنواع المکاسب المکروهة، لا ما یکتسب به المکروه.
والظاهر أنّ مراده ما یکون الاکتساب به محرّماً أو مکروهاً أو مباحاً.
وفی المراسم قسّم المکاسب علی خمسة أضرب، حسب الأحکام الخمسة، ثمّ
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 3
المعایش علی ثلاثة أضرب.
وکذا العلاّمة جعل المقسم المتاجر، وقال: تنقسم بانقسام الأحکام الخمسة، ومثّل للواجب بما یحتاج الإنسان إلیه لقوته وقوت عیاله، مع انحصار الوجه بالمتجر ـ کما صنعه ابن حمزة ـ وللمکروه بالصرف ونحوه، وللمحظور بأقسام عدّ منها ما لا ینتفع به، کالحشرات ونحوها.
والظاهر منه أنّ الأقسام للتجارة، وأنّ الأحکام الخمسة هی التکلیفیة لامع الوضعیة.
الإشکال علی تقسیم العلاّمة ـ قدس سرّه ـ للمکاسب
فیرد علیه: أوّلاً: بأنّ ما عدّ واجباً غیر وجیه، لأنّ التجارة لا تصیر واجبة شرعاً، ولو کان الطّریق فی تحصیل قوت العیال منحصراً بها، لماحقّق فی محلّه من عدم وجوب ما یتوقّف علیه الواجب حتی المقدّمات الوجودیّة، وعلی فرض وجوب ما یتوقّف علیه، یتعلّق الوجوب بعنوان آخر غیر عنوان ذوات الموقوف علیها، وما ربّما یقال: إنّها صارت واجبة بالعرض، لیس وجیهاً والتفصیل یطلب من مظانّه.
وثانیاً: أنّ الحرمة فی کثیر ممّا ذکره، غیر ثابتة أو ثابتة العدم، کالتجارة بما لاینتفع به، فإنّها من حیث هی تجارة ونقل وانتقال لیست محرّمة، والتصرّف فی مال
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 4
الغیر بعد بطلان المعاملة وإن کان محرّماً لکنّه غیر مربوط بالتجارة، وکذا التجارة بالأعیان النجسة غیر ثابتة الحرمة، علی ما یأتی الکلام فیها، إن شاء الله.
وثالثاً: أنّ المقسم فی التجارة الواجبة والمستحبّة والمکروهة هو الکسب المنتهی إلی النقل والانتقال العقلائی الممضی، أعنی النقل والانتقال الواقعی الذی یوصل المکلّف إلی حفظ النظام مثلاً، بناءً علی ما هو التحقیق من وجوب المقدّمة الموصلة لا المطلقة، علی فرض تسلیم وجوب المقدمة، وفی المحرّمة لو کان کذلک یلزم صحّة المعاملة وهی خلاف الواقع المسلّم عندهم، فلابدّ وأن یکون المراد فیها المعاملة العقلائیة الّتی زعم العقلاء النقل فیها.
فلا یکون المقسم واحداً، إلاّ أن یقال: إنّ المقسم، نفس طبیعة المعاملة الجامعة بین الصحیحة والفاسدة، وحیثیة الإیصال من خصوصیات القسم.
ما هو المراد من المکسب المحرّم؟
ثمّ إنّ المحرّم علی فرض ثبوته هو المعاملة العقلائیة، أی إنشاء السبب جدّاً لغرض التسبیب إلی النقل والانتقال، لا النقل والانتقال، ولاهو بقصد ترتّب الأثر، ولا تبدیل المال أو المنفعة، لأنّ الظاهر أنّ المعاملات هی الأسباب الّتی قد تنتهی إلی المسبّبات وقد لا تنتهی إلیها، ولهذا صحّ تقسیمها إلی الصحیحة والفاسدة بلا تأوّل، فلو کانت عبارة عن النقل والتبدیل لکان أمرها دائراً بین الوجود والعدم، لا الصحّة والفساد.
ولا یعقل أن یکون المحرّم النقل وما یتلوه، لأ نّهما غیر ممکن التحقّق بعد وضوح بطلان تلک المعاملات نصّاً و فتویً، وإرادة النقل العقلائی مع قطع
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 5
النظر عن حکم الشرع، ولو لعدم الإنفاذ، لا ترجع إلیٰ محصّل، لعدم الوجود للنقل اللولائی، کما لا وجود للنقل الوهمی.
فما یمکن أن یتّصف بالحرمة هو المعاملة السببیة، أی الإنشاء الجدّی بقصد حصول المسبّبات، لا بمعنی کون القصد جزء الموضوع، بل بمعنی أنّ موضوع الحرمة الإنشاء الجدّی الملازم له.
ثمّ إنّ ما ذکرناه هاهنا، لا ینافی ما اخترناه من دلالة النهی المتعلّق بمعاملة علی صحّتها، وفاقاً لبعض أهل الخلاف، لأنّ الکلام هناک فی الدلالة العرفیة أو العقلیة، وفی المقام فی تصویر متعلّق الحرمة بعد الفراغ عن بطلان المعاملة وحرمتها، مع أنّ ما ذکرناه هناک لا یخلو من کلام.
فلنرجع إلی أقسام المعاملات المحرّمة أو ما قیل بتحریمها:
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 6