المورد الثالث : فی إتیان الأفراد العرضیة دفعةً مع وحدة الأمر
لو قلنا بأنّ الأمر متعلّقٌ بالطبیعة ، فأتی المکلّف بفرد منها فحیث إنّ الطبیعة موجودة بوجود الفرد یکون ممتثلاً . وکذا لو قلنا بتعلّق الأمر بالفرد . وهذا لا إشکال فیه ولا خلاف .
وأمّا إذا أوجد المکلّف عدّة أفراد دفعة واحدة ، فهل یکون الآتی بها کذلک ممتثلاً أم لا ؟ وعلی الأوّل هل هو امتثال واحد بإتیان الجمیع ، أو بامتثال واحد منها أو امتثالات متعدّدة ؟ وجوه .
لا یخفیٰ : صحّة جریان هذا البحث ولا سترة فیه علی تقدیر کون متعلّق الأمر الطبیعة ، وکذا یصحّ البحث علیٰ تقدیر کون متعلّق الأمر المرّة أو التکرار ؛ بمعنی الفرد أو الأفراد إذا اُرید بالفرد المعنی اللابشرط ، فیبحث فی أنّه إذا أوجد عدّة أفراد دفعة واحدة هل هو امتثال واحد ، أو امتثالات متعدّدة .
ولکن إذا کان المراد بالفرد المعنی بشرط لا فلا إشکال فی أنّه لا یعدّ ذلک امتثالاً ، کما هو واضح .
ولا یخفیٰ : جریان هذا البحث فی الواجبین التخییریین أیضاً إذا لم یکن وجوب أحدهما بشرط لا عن الآخر ؛ بأنّه لو أتی المکلّف بطرفی التخییر دفعة واحدة هل یعدّ ذلک امتثالاً واحداً أو متعدّداً .
وکیف کان قد یقال فیما نحن فیه : إنّ الأمر حیث یتعلّق بالطبیعة ، والطبیعة
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 259 علی القول الحقّ تتکثّر بتکثّر الأفراد ـ خلافاً للرجل الهمدانی ، الذی لاقی شیخ الرئیس ـ فالطبیعة موجودة بتمام ذاته فی کلّ فردٍ فردٍ ، فإذا تعلّق الأمر بنفس الطبیعة فإن أوجد المکلّف فرداً منها فقد أوجد تمام المأمور به ؛ فیسقط الأمر .
وأمّا لو أوجد أفراداً منها دفعة واحدة فحیث إنّ الطبیعة متکثّرة بتکثّر أفرادها ـ لکونها ماهیة لا تأبی الوحدة ولا الکثرة ، وکلّ فرد محقّق للطبیعة برأسه ـ فإذا أتی المکلّف بأفراد متعدّدة فقد أوجد المطلوب فی ضمن کلّ فرد مستقلاًّ ؛ فیکون امتثالات مستقلّة بعدد ما أتیٰ به .
وهذا نظیر الواجب الکفائی ؛ حیث إنّ المطلوب فیه نفس إیجاد الطبیعة . غایته : یکون المکلّف جمیع المکلّفین ؛ فکما أنّه مع إتیان واحد منهم یسقط الوجوب ، ومع إتیان الجمیع یکونون أجمع ممتثلین ، ویحسب لکلٍّ امتثالاً مستقلاًّ .
وفیه أوّلاً : لعلّ منشأ ما أفاده الغفلة عن دقیقة ؛ وهی أنّ الطبیعة وإن کانت متکثّرة فی الخارج بتکثّر الأفراد ، ولا إشکال فیه علیٰ مذهب الحقّ ـ کما اُشیر إلیه ـ ولکن الطبیعة المأمور بها بما أنّها مأمور بها لا تکثّر فیها ؛ لأنّ تکثّر الطبیعة إنّما هی بلحاظ الخارج . وأمّا نفس الطبیعة من حیث هی هی لا تکثّر فیها .
وواضح : أنّ متعلّق الأمر نفس الطبیعة لا وجودها ؛ لأنّ الخارج ـ کما ذکرنا غیر مرّة ـ ظرف سقوط التکلیف وامتثاله ، لا ظرف ثبوت التکلیف وتعلّقه .
فإذا کان مصبّ تعلّق الأمر ومورده لیس إلاّ نفس الطبیعة من حیث هی هی ، وبهذا اللحاظ ـ کما أشرنا ـ لا تکثّر فیها فهنا أمر واحد تعلّق بطبیعة واحدة ؛ فلا معنی لامتثالات متعدّدة .
وبعبارة اُخریٰ : تحقّق الامتثالات فرع وجود الأوامر ـ ولو انحلالاً ـ فلو تعلّق أوامر متعدّدة ـ ولو انحلالاً ـ ففی إطاعتها امتثالات ، کما أنّ فی ترکها عقوبات . والمفروض : أنّ فیما نحن فیه لیس إلاّ أمراً واحداً غیر منحلّ ، تعلّق بطبیعة واحدة ؛
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 260 فلامعنیٰ للامتثالات عند ذلک ، وإلاّ یلزم أن یکون هناک عقوبات بالنسبة إلیٰ ترکها ، وهو کما تریٰ .
فإذن : کما أنّه بإتیان فرد من الطبیعة یمتثل الأمر بالطبیعة ، فکذلک بإتیان أفراد متعدّدة فی حرکة واحدة یکون ممتثلاً .
نعم ، یقع البحث علی الأخیر فی تحقّق الامتثال ؛ وأنّه بالمجموع ، أو بأحدها غیر المعیّن ، أو بأحدها المعیّن عند الله ، أو غیرها . وهذا کلام آخر لا یضرّ من جهله ، ولایجب أن یمتاز ما به یتحقّق الامتثال ، والمقدار اللازم العلم بتحقّق الامتثال ، وهو حاصل فی الفرض فتدبّر .
وما نحـن فیه نظیر الجعالـة ، کأن یقول الـرجل : «مـن جاءنـی بماء فله درهـم» فکما أنّه إذا جاءه بإناء واحـد یکـون ممتثلاً ویستحقّ الجُعل ـ وهـو الدرهـم ـ فکذلک إذا جاءه بإناءین یکون کذلک ، ولا یستحـقّ أکثر مـن درهم واحـد ، کما لا یخفیٰ .
وثانیاً : أنّ تنظیر ما نحن فیه بالواجب الکفائی غیر وجیه ؛ لأنّ الواجب الکفائی علیٰ مذاق القوم عبارة عن البعث المتوجّه إلیٰ عامّة المکلّفین فی إتیان صرف الطبیعة ، کغسل المیّت أو الصلاة علیه أو دفنه ـ مثلاً ـ حیث یکون کلّ مکلّف مخاطباً بالحکم علیٰ حدة .
ولکن حیث إنّ الغرض فی الواجب الکذائی قد یحصل بفعل واحد منهم ، ویذهب موضوعه بفعله فإذا أتیٰ به واحد منهم یسقط التکلیف عن الجمیع . وأمّا لوأتیٰ جمیع آحاد المکلّفین بالواجب معاً یکونوا جمیعاً ممتثلین ، کما أنّه لو ترکوه أجمع یکونوا معاقبین جمیعاً .
فکم فرق بین ما نحـن فیه والواجب الکفائـی ! وقیاس أحـدهما بالآخـر قیاس مع الفارق .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 261 وبالجملة : کلّ مورد یکون فی إتیانه امتثالات لابدّ وأن یکون عقوبات فی ترکه ، والواجب الکفائی کذلک دون ما نحن فیه ، فتدبّر .
إذا أحطت خبراً بما ذکرنا دریت : أنّ الأمر ینحلّ إلی مادّة وهیئة . والمادّة لاتدلّ إلاّ علیٰ نفس الطبیعة ، والهیئة لا تدلّ إلاّ علی البعث والإغراء . ولم یکن لمجموع المادّة والهیئة وضعاً علیٰ حدة .
فعلیٰ هذا : لم یکن فی الأمر ما یدلّ علی المرّة أو التکرار .
فالتحقیق ـ کما علیه أهلـه ـ أنّ الأمـر لایـدلّ علـی الوحـدة أو التکرار ، إلاّ بقرینـة خارجیـة .
إیقاظ
ثمّ إنّ المحقّق الخراسانی قدس سره عنون هنا مسألة الامتثال بعد الامتثال ، ولکن نحن نذکرها فی مسألة الإجزاء إن شاء الله تعالی .
وکذا المحقّق العراقی قدس سره ذکر هنا الفرق بین تحقّق الامتثال بصرف وجود متعلّق الأمر ، بخلاف النهی ؛ حیث إنّه لابدّ فیه من ترک جمیع وجودات متعلّقه فی مقام امتثال ، مع أنّ متعلّق الأمر بنفسه هو متعلّق النهی . ونحن نذکرها ـ إن شاء الله تعالیٰ ـ فی مبحث النواهی ، فارتقب حتّی حین .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 262