تذنیب : حول إمکان القول بالامتناع مع کون النهی نفسیّـاً
بعد ما عرفت:أنّه لاأساس للکراهة الاصطلاحیّة فی العبادات المکروهة، یقع سؤال مبنیّ علی التنازل: وهو أنّه لو فرضنا أنّ النهی الوارد یکون من النهی النفسیّ، وبنینا علیٰ عدم جواز الاجتماع، فهل یمکن عقلاً ذلک، أم لابدّ من اختیار أحد أمرین: إمّا الکراهة بمعنی الحزازة، أو الالتزام بجواز الاجتماع؟ وجهان:
ربّما یقال کما فی «الدرر»: «إنّ صفة الکراهة والوجوب، مثل صفة الحلّیة
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 239 الثابتة لأصل الطبیعة والحرمة الثابتة لها بالعرض لعارض خارجیّ، کالوط ء ونحوه، فالشاة حلال وحرام، والصلاة فی الحمّام واجبة ومکروهة».
وفیه ما لایخفیٰ من أنّ صفة الحلّیة الثابتة لأصل الطبیعة، منتفیة عن شخص الفرد، والمقصود هنا إثبات وجوب الشخص الموجود فی الحمّام.
وفی تقریرات العلاّمة الکاظمیّ رحمه الله: «أنّ المأمور به هی الصلاة، والمنهیّ عنه هو التعبّد بها».
وما أفاده وإن کان فی القسم الآتی، إلاّ أنّه یمکن إجراؤه فی هذا القسم أیضاً، وسیأتی ما فیه من الضعف إن شاء الله .
وقضیّة ما أفاده هو صحّة قولنا: «المستحبّ مکروه» فإنّ موضوع المستحبّ هو الصلاة، وموضوع المکروه عنوان «المستحبّ» فیختلف الموضوعان، إلاّ أنّه یلزم من صحّة القضیّة الثانیة فساد القضیّة الاُولیٰ، کما لایخفیٰ. مع أنّ النسبة بین متعلّق الأمر والنهی عموم مطلق.
أقول: فی مفروض السؤال تکون الصلاة بلاأمر؛ لأنّ قضیّة الکراهة أنّها مورد النهی، ولایعقل اجتماعها مع صفة الوجوب.
ولکن الفرق بین العبادة المکروهة والعبادة المحرّمة: هو أنّ العبادة فی مورد النهی التحریمیّ معلومة مبعّدیتها، وتکون من المحرّم الذی لایمکن التقرّب به، وفی مورد النهی التنزیهیّ یحتمل إمکان التقرّب بها، ویجوز الإتیان بها بداعی التقرّب؛ لأنّ حقیقة الکراهة وإن کان معناها الترخیص فی الفعل، ولایعقل الترخیص فی العبادات إلاّ مع فرض وجود الأمر، وإذا کان مورد الکراهة مورد الأمر یلزم انتفاء
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 240 الکراهة، فمن کراهة العبادة اصطلاحاً یلزم عدم کراهتها، إلاّ أنّه یمکن تفسیر الکراهة علی الوجه المزبور مقابل الحرمة الثابتة فی العبادات؛ وأنّ العبادة المحرّمة لایمکن التقرّب بها، وتکون حراماً قطعاً.
بخلاف العبادة المکروهة، فإنّ طریق إمکان التقرّب بها غیر مسدود، فتکون الصلاة فی الحمّام ـ بحسب مقام الثبوت وفی مرحلة الاحتمال ـ قابلةً للتقرّب بها، بخلاف الصلاة فی أیّام الحیض، فإنّها لایمکن أن یتقرّب بها کما لایخفیٰ.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 241