هل یجوز التخییر الشرعیّ بین الأقلّ والأکثر فی الدفعیّات ؟
وأمّا التخییر الشرعیّ بین الأقلّ والأکثر فی الدفعیّات، ففی جوازه، وعدمه، والتفصیل بین أنحاء الأغراض؛ فیجوز إذا کان الغرضان قابلین للاجتماع، ولا یکون اجتماعهما مبغوضاً للمولیٰ وإن لم یکن مراداً له؛ فإنّه إذا أوجد العبد الأکثر دفعة وجد متعلّق الغرضین، ولا یجوز فی سائر الصور، وهذا هو خیار الوالد المحقّق ـ مدّظلّه ، أقوال.
أقول: نظرنا إلیٰ أنّ الأخذ بظاهر الدلیل مادام یمکن واجب. وغیر خفیّ أنّ من الممکن أحیاناً؛ أن لا یکون للمولیٰ غرض وراء ما هو مورد الأمر، ویکون الغرض نفس المأمور به، لا الأمر الآخر الحاصل به.
إذا تبیّن ذلک فاعلم: أنه تارة: یرد فی ظاهر الدلیل «أکرم واحداً من العلماء، أو مائة» فمن المحتمل أن یکون نظر المولیٰ إلیٰ عدم تحقق إکرام الحدّ المتوسّط،
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 23 فلا یجوز التخطّی عن الظاهر، ومنه یعلم أنّ الغرض الحاصل من الواحد، غیر الغرض الحاصل من المائة، ولو کان یکفی الواحد فی المائة، لما کان یأمر بهذه الصورة والشکل من التخییر، فیعلم من ظاهر الدلیل: أنّه للمولیٰ ربّما تکون أغراض، ومنها غرض التسهیل علیٰ المکلّفین، فعند ذلک یکون الأقلّ بالنسبة إلیٰ الحدود المتوسّطة بشرط لا، وبالنسبة إلیٰ الأکثر لا بشرط، ویترتّب عند الإتیان بالأکثر الأغراض الملزمة، ویکون مورد الإرادة.
واُخریٰ: یرد الأمر بضیافة واحد أو اثنین، فیشکل الأمر؛ لأجل أنّ النظر لا یمکن أن یکون لنفی الحدود المتوسّطة، وحیث إنّ المفروض کون الأقلّ لا بشرط، ویکون الغرض یحصل منه ـ وإلاّ فهو خارج عن محطّ النزاع، ومصبّ النفی والإثبات فلابدّ من الإقرار بالامتناع؛ ضرورة أنّ أخذ الزائد من اللغو، لحصوله بذلک الأقلّ؛ وبضیافة الواحد، فلا یمکن تمشّی القصد وإرادة البعث إلیٰ الأکثر.
وبعبارة اُخریٰ: إنّ الزائد علیٰ الواجب یجوز ترکه لا إلیٰ البدل، ولا شیء من الواجب کذلک.
اللهمّ إلاّ أن یقال: إنّ له البدل، ولکنّ البدل دائماً یتقدّم علیٰ المبدل منه، فلا معنیٰ لإیجابه کما لا یخفیٰ. فما أفاده من التقریب، العلاّمة الأصفهانیّ قدس سره فی غیر محلّه.
أقول أوّلاً: الأمر بالمقدار الزائد ربّما یکون لأجل غرض؛ وهو أنّ العبد فی مقام الامتثال، ربّما لا یتمکن إلاّ من الإتیان بالأقلّ فی ضمن الأکثر، ولو کان الأقلّ واجباً فلا یقوم بالامتثال؛ لما یجد فی ذلک حرجاً علیٰ نفسه، أو ضرراً.
مثلاً: إذا أمر المولیٰ بإعطاء زید تخییراً بین نصف الدینار والدینار، ولا یوجد
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 24 فی الخارج إلاّ الدینار، فإنّه یماطل فی ذلک، ولأجل عدم ابتلائه بالمماطلة یأمر المولیٰ بنحو التخییر، ویکون الأکثر واجباً، فلا یکون البعث إلیٰ الأکثر لغواً وعبثاً.
وثانیاً: أنّ الغرض لیس إلاّ نفس إعطاء الدینار، أو الدینارین، ولیس وراء ذلک أمر یعدّ هو الغرض، حتّیٰ یقال: بأنّه فی صورة الوحدة لا یعقل الأمر بالزائد، وفی صورة المضادّة لا یعقل الأمر مطلقاً، کما أفاده مدّ ظلّه، بل لا غرض للمولیٰ إلاّ نفس المأمور به.
نعم، بناءً علیٰ ما قرّبناه ـ من الامتناع الذاتیّ بحسب مقام الجعل؛ وأنّ تعلّق الإرادتین بشیء واحد محال، وهکذا بالکلّ وببعض أجزائه؛ بحیث لا یرجع إلیٰ التباین فی الاعتبار فیستحیل التخییر؛ للزوم تعلّق الإرادة الموجودة فی طرف بعین ما تعلّقت به الإرادة الاُخریٰ، فإنّ الدینار المشترک بین الأطراف واحد، ومع وحدته لا تتعدّد الإرادة التاسیسیّة، حسبما برهنّا علیه فی المواضع العدیدة.
تذنیب: فیما إذا کان الاقلّ اللا بشرط القائم به الغرض، لا یوجد دائماً إلاّ مع الأکثر، کالقیراط من الألماس، فإنّه لا یوجد مثلاً ألماس إلاّ هو أکثر من القیراط، فإنّ التخییر ـ لإفادة أنّ الغرض یحصل بالأقلّ ممکن؛ وأنّ العبد لو تمکّن من إعطاء القیراط کان یکفی.
وهنا دائماً یکون الامتثال بالأکثر والأقلّ، ولا یجب کون الأقلّ مورد الأمر التعیینیّ، إلاّ إذا کان الأکثر فی عالم العنوانیّة والجعل عین الأقلّ مع الزیادة؛ فإنّه عندئذٍ یشکل کما مرّ، فتدبّر.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 25