رابعها : فی أنّ القضاء بالأمر الأوّل أو الجدید
قد اشتهر بین أبناء التحقیق، تذییل هذه المسألة بمسألة «أنّ القضاء هل هو بالأمر الأوّل وتابع للأداء، أم القضاء بالأمر الجدید والأمر الآخر؟» وأنت خبیر: بأنّها لیست مسألة اُصولیّة کلّیة.
وما هو الأولیٰ بالبحث: هو أنّه مع الإخلال ببعض قیود الواجب ـ زماناً کان، أو زمانیّاً فهل یبقی الوجوب، أم لا؟ وقد تعرّضوا لهذه المسألة فی مباحث الاشتغال تحت عنوان آخر؛ وهو «أنّ مقتضیٰ أدلّة الأجزاء والشرائط، هل هو الرکنیّة، فیکون لازمها أصالة الرکنیّة، أم لا؟» بعد الفراغ عن إطلاقها.
فبالجملة تحصّل: أنّ هذه المسألة من صغریات تلک المسألة فی بحوث
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 62
البراءة والاشتغال.
وحیث إنّ اختلاف ألسنة الأدلّة فی کیفیّة أداء القید والشرط، یورث الاختلاف فی المسألة، کان ینبغی أن یحوّل البحث إلیٰ الفقه، حتّیٰ یکون علیٰ ضوءٍ مفیدٍ ، ولکن قضیّة التبعیّة لهم ـ رضیالله عنهم هو الإیماء إلیٰ هذه المسألة خصوصاً، لیکون المراجع علیٰ خبر بما هو الحقّ.
فنقول: اختلفوا فی أنّ القضاء بالأمر الأوّل أو الجدید علیٰ أقوال: فالمعروف عنهم عدم الدلالة، وقیل: بدلالة الأمر الأوّل علیٰ عدم الوجوب خارج الوقت.
وعن بعض: دلالة الأمر الأوّل عند ترک المأمور به فی الوقت عصیاناً، وأمّا إذا ترکه لا عن عصیان، فلا دلالة له علی القضاء خارجه.
وقیل: بالتفصیل بین کون التقیید بالوقت بالمتّصل، أو المنفصل، فإن کان دلیل المقیّد متّصلاً فلا دلالة للأمر الأوّل، وإن کان منفصلاً فیدلّ.
وقد فصّل «الکفایة» بین ما إذا کان لدلیل المنفصل إطلاق، وما إذا کان مهملاً، فإن کان له إطلاق فلا یدلّ، وإن لم یکن له إطلاق، وکان لدلیل الواجب إطلاق، فدلیل الواجب متّبع، ویدلّ علیٰ بقاء الوجوب خارج الوقت؛ لأنّ الوقت المضروب له هو القدر المتیقّن من التقیید حال القدرة، والوقت الخارج مورد الشکّ، وإطلاق دلیل الواجب محکّم ورافع للشبهة والشکّ، فلو ترکها فی الوقت عصیاناً
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 63
مثلاً، فعلیه خارج الوقت إتیانها.
أقول: هذه هی الوجوه والأقوال فی المسألة، والذی یقتضیه النظر: هو أنّ محـلّ النـزاع والمقصـود فی المقام؛ هو ما إذا کان الدلیل علیٰ التقیید بالوقت، کالدلیل علی التقیید بالطهارة والستر، فکما أنّه فی سائر الأجزاء والقیود والشرائط، لا تکون أدلّة إلاّ تفید قیدیّة الأجزاء والشرائط للطبیعة المأمور بها، ویکون الأمر الثانی إرشاداً إلی التقیید وتضییق دائرة الطلب، کذلک دلیل الوقت لا یفید إلاّ تقیید الطبیعة به، ویکون فی موقف اشتراطها بالوقت کاشتراطها بالطهارة. فتوهّم تعدّد المطلوب هنا بلا وجه، کما لا تعدّد للمطلوب فی سائر الأجزاء الزمانیّة.
فما یظهر من جمع من الإطالة فی هذه المقالة حول وحدة المطلوب وتعدّده، فهو بحث آخر یشترک فیه سائر القیود والشرائط، ولا ینبغی الخلط؛ ضرورة أنّه علیٰ تقدیر تعدّد المطلوب فلا منع من الإتیان بالطبیعة الفاقدة؛ إمّا مطلقاً، أو فی صورة العجز عن القید، طهارةً کانت، أو وقتاً.
إذا تبیّن محطّ الکلام فی المقام، فالذی هو التحقیق: سقوط دلیل الطبیعة بخروج الوقت، کسائر الأجزاء، ولا یعقل بقاء الباعثیّة لأمرها بعد انتفاء قیدها وشرطها، أو جزئها؛ لأنّ المفروض أنّ المراد بالإرادة المتعلّقة بالطبیعة علیٰ نعت الجدّ، هی الطبیعة المتقیّدة، دون الأعمّ.
نعم، بناءً علیٰ کون القید والشرط أو الجزء، مطلوباً ثانیاً فی الطبیعة ـ وإن کانت الطبیعة متقیّدة به فی حال الاختیار، بحیث لا یجوز البدار إلیها مع القدرة علی
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 64
القید والشرط فربّما یأتی تفصیل «الکفایة».
وربّما یشکل؛ من أجل أنّ دلیل الطبیعة إن کان له الإطلاق، فنتیجة الإطلاق هی مطلوبیّة الطبیعة فقط، وتکون الطبیعة تمام الموضوع، فعند ذلک لا یعقل کشف تعدّد المطلوب؛ لأنّ دلیل القید والجزء وإن کان له الإهمال، ولکنّه یورث التقیید طبعاً، ویکون إثبات المطلوبیّة خارج الوقت بلا وجه.
نعم، إذا کان مفاد إطلاق دلیل الطبیعة، مطلوبیّتها فی کلّ وقت، أو کان دلیل الطبیعة له العموم الأزمانیّ، فالتقیید المزبور لا یورث سقوط دلیل الطبیعة عن إثبات المطلوبیّة خارج الوقت.
وممّا ذکرناه فی هذا المقام، یظهر مواقف الخلط والاشتباه فی کلمات الأصحاب ـ رضیالله عنهم ولو شئنا الإیماء إلیها لطال الکلام، مع أنّه خروج عن وضع الکتاب، والله الهادی إلیٰ الصواب.
وبالجملة تحصّل: أنّه فی محلّ النزاع لا معنیٰ لاختلافهم؛ لوضوح المسألة حسب العقل والعرف. وفیما فرضناه من فرض تعدّد المطلوب لاقتضاء دلیل الطبیعة ـ جمعاً بینه وبین دلیل القید، فیکون التقیید مخصوصاً بحال دون حال فلا معنیٰ أیضاً للخلاف فیه، فرجع الخلاف بین الأعلام فی المقام إلیٰ عدم تحریر مصبّ الکلام ومحطّ النفی والإثبات.
وغیر خفیّ: أنّ من الممکن دعویٰ استفادة تعدّد المطلوب حتّیٰ مع القید المتّصل، کما اشتهر ذلک فی المندوبات.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 65