تذنیب : حول التمثیل لمسألة الاجتماع بالصلاة فی الدار المغصوبة
قد اشتهر مثال لمسألة الاجتماع والامتناع؛ وهو الصلاة فی الدار المغصوبة، مدّعین أنّ الکون الغصبیّ والصلاة واحد، فیلزم اتحاد المجمع، وتصیر مثالاً للمسألة.
ویشکل تارة: بأنّ الصلاة من الماهیّات الاختراعیّة المؤتلفة من الماهیّات المقولیّة العرضیّة، ولیس منها مقولة الأین التی هی منشأ تحقّق عنوان «الغصب» فما هو داخل فی أجزاء الصلاة لا یکون منشأ لانتزاع الغصب، وما هو منشأ لانتزاع مفهوم «الغصب» ـ وهو الکون فی الدار المغصوبة لیس من الصلاة، فلا یلزم وحدة المجمع رأساً.
نعم، یکون المصلّی والغاصب واحداً، ولکن النهی لم یتعلّق بکونه غاصباً بعنوانه الاشتقاقیّ، ولا الأمر بعنوان «المصلّی» أی لا یکون باعثاً إلیٰ أن یکون مصلّیاً.
وفیه: أنّ الأمر ولو کان کما حرّر، ولکن ما هو سبب اختلاف الاجتماعیّ والامتناعیّ، هو امتناع التفکیک بین المأمور به والمنهیّ عنه خارجاً؛ سواء کان لأجل اتحاد المجمع، أو کان لأجل التلازم الطبیعیّ بینهما، فإنّ تمام الکلام حول کیفیّة إمکان بقاء الإرادتین مع الملازمة الخارجیّة بین المحرّم والواجب؛ سواء کان العنوانان منتزعین من الواحد باعتبارین مختلفین، أو کانا مختلفین حسب المقولة وفی الحیثیّة الخارجیّة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 154 واُخریٰ: بأنّ من أجزاء الصلاة السجدة علی الأرض بالاتکاء والاعتماد علیها، وهو مورد النهی، فیلزم وحدة المتعلّق، ولا یقول الاجتماعیّ بالجواز فی مثله بالضرورة.
وفیه أوّلاً: أنّ اعتبار الاتکاء علیها محلّ المناقشه جدّاً، وتفصیله فی محلّه.
وثانیاً: لا تکون السجدة مورد الأمر، ولا أساس للأمر الضمنیّ، فما هو مورد الأمر هی الصلاة بعنوانها، وما هو مورد النهی هو الغصب، والحرکة الخارجیّة تعتبر صلاة بجهة من الجهات، وتکون غصباً لجهة اُخریٰ من الجهات بالضرورة.
وثالثاً: لا یتوجّه من حرمة الغصب نهی إلیٰ عنوان «السجدة والاتکاء» بل النهی متوجّه إلیٰ عنوان «الغصب» من غیر انحلال إلی النواهی حسبما عرفت منّا.
ولو فرضنا انحلاله فهو ینحلّ إلیٰ مصادیقه الذاتیّة؛ وهو الغصب الخارجیّ مثلاً، والفرد من الغصب بعنوانه، فلا وجه لدعویٰ أنّ الاجتماعیّ یقول بالامتناع هنا، کما لایخفیٰ.
وثالثة: بأنّ من شرائط کون المجمع مورد الأمر والنهی اتحاد الکونین: الکون الصلاتیّ، والکون الغصبیّ، ومعنیٰ ذلک هو أنّ المکلّف لا یتمکّن من امتثال الأمر بدون العصیان، وهذا فی المثال المعروف ممنوع؛ ضرورة أنّ المکلّف یتمکّن من الصلاه من غیر لزوم التصرّف فی ملک الغیر، ضرورة أنّ التصرّفات الموجبة لتموّج الهواء، لیست من التصرّفات المحرّمة شرعاً، أو لا تعدّ من التصرّف لغة، والقیام والرکوع والسجود من مقولة الوضع، والمقدّمات ـ کالهویّ إلی الرکوع والسجود وإلی القیام من المقدّمات غیر الداخلة فی الصلاة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 155 فما هو من التصرّف المحرّم لیس من الصلاة، وما هو من الصلاة لیس من التصرّف المحرّم، فیتمکّن المکلّف من الصلاة من غیر التلوّث بالمحرّم، فلا یتمّ المثال المعروف.
وأمّا السجدة فهی تحصل بمجرّد الوضع، وهو لیس من التصرّف أو من التصرّف المحرّم، فلا یتّحد الکونان.
وإن شئت جعلت هذه الشبهة تتمّة للشبهة الاُولیٰ، فلا تندفع بما مرّ دفاعاً عنها کما لایخفیٰ.
أقول: فیه جهات من الإشکال وإن کنّا فی سالف الزمان نتخیّل ذلک:
الأوّل: أنّ قضیّة أنّ «الغاصب مأخوذ باشقّ الأحوال» یقتضی ممنوعیّته من هذه التصرّفات، فتأمّل.
الثانی: أنّ التصرّفات الأفعالیّة کالهویّ إلی الرکوع، والهویّ إلی السجود، من المحقّقات لعنوانهما ظاهراً؛ لما أنّ الرکوع بمعناه الاسم المصدریّ وهکذا السجدة، منتزع من الأفعال الواجبة، وإلاّ لکفیٰ لو أمکن أن یکون راکعاً من غیر الهویّ. بل اعتبار القیام المتّصل بالرکوع، شاهد علیٰ أنّ تلک الحرکة معتبرة فی حصوله.
وهکذا لا تکفی السجدة التی هی من مقولة الوضع، بل الهویّ إلیها بإیجاد مصداق مقولة الوضع الناقص، داخل فیما هوالواجب فی الصلاة.
وهکذا الهویّ إلی القیام، بل مادّة الرکوع والسجود والقیام مصادر تعلّق بها الأمر، والمعنی المصدریّ لیس فی مقولة الوضع بالضرورة.
الثالث: السجدة هی الوضع علی الأرض، وهو من التصرّف، فتأمّل.
نعم، یمکن أن یقال: إنّ من المحرّر کون المأمور به والمنهیّ عنه متّحد المجمع، وهذا یصحّ فیما إذا کان الصلاة بتمام هویّتها فی الدار المغصوبة؛ ومن
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 156 التصرّف فی مال الغیر، وأمّا إذا کان بعض أجزائها الأقوالیّة أو الأفعالیّة تصرّفاً، فلا یلزم اجتماع الأمر النفسیّ والنهی النفسیّ؛ ضرورة أنّ الصلاة لیست منشأ انتزاع الغصب والتصرّف فی مال الغیر، وما هو منشأ انتزاع مفهوم «الغصب» بعض أجزاء الصلاة، وهو لیس مورد الأمر النفسیّ، ولا الضمنیّ، ولا الغیریّ؛ حسبما تقرّر وتحرّر. وإمکان کونه مورد الأمر الغیریّ عندنا لا یکفی لاندراجه فی کبریٰ هذه المسألة، کما لا یخفیٰ.
والجواب: أنّ میزان اندراج کلّ موضوع فی مسألة الاجتماع والامتناع؛ هو أن لا یتمکّن المکلّف من التفکیک بین الإطاعة والعصیان فی المجمع؛ سواء کان عنوان المأمور به منتزعاً من المنهیّ عنه، أو بالعکس، أو کانا مختلفیّ المنشأ بحسب الانتزاع، فما هو أصل شبهة الامتناعیّ امتناع ترشّح الإرادتین أو بقائهما فی المجمع؛ لما لا یمکن التفکیک مثلاً ـ مع فرض الغصب بینه وبین الصلاة؛ وإن لم یکن فی الصلاة مقولة ینتزع منها عنوان «الغصب» ولکن کانت تلک المقولة ملازمة لمقولات الصلاة، فافهم ولا تخلط.
فبالجملة تحصّل: أنّ هذه الشبهات وما مرّ فی أثناء البحوث السابقة، لاترجع إلیٰ محصّل.
والذی هو الشبهة والإشکال الذی لایمکن الذبّ عنه هو أنّ الغصب بما هو، معناه لا یتّحد مع الصلاة، وما هو المتّحد معها هو التصرّف فی مال الغیر عدواناً؛ ضرورة أنّ الغصب هو التسلّط علیٰ مال الغیر عدواناً، ولا یتوقّف ذلک علی التصرّف کلاًّ، ومن غصب مالاً وتصرّف فیه ارتکب محرّمین: الغصب، والتصرّف فی مال الغیر بلا إذنه.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 157 وتوهّم: أنّ التصرّف فی مال الغیر غصب، باطل بالضرورة؛ فإنّ وضع الید علیٰ عباء الغیر الذی تحت یده من التصرّف، ولا یکون غصباً، فبین الغصب والتصرّف عموم وخصوص من وجه، علیٰ تأمّل.
وبالجملة: الصلاة فی الدار المغصوبة مورد النهی فرضاً؛ لأجل التصرّف فی مال الغیر، لا لأجل الغصب فافهم، والأمر سهل جدّاً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 158