الأمر الرابع : ترتّب الثمرة المقصودة
من شرائط عقلائیّة النزاع ترتّب الثمرة المقصودة، فإذا کان قضیّة القول بالاجتماع هی صحّة الصلاة فی المغصوب، کان للنزاع المعروف وجه عقلائیّ، وإلاّ
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 185 فلا ویکون مجرّد إتلاف الوقت، وقد وقعت صحّتها مورد الإشکالات مطلقاً:
الإشکال الأوّل :
من ناحیة أنّ المقرّب والمبعّد لا یمکن أن یکونا واحداً، والالتزام بجواز اجتماع الأمر والنهی فی مرحلة التشریع، لا یلازم صحّة الصلاة فی المجمع، وصحّة کون الواحد مقرّباً ومبعدّاً؛ ضرورة أنّ الإرادة التشریعیّة لا تتعلّق إلاّ بما قامت به المصالح؛ وهی الصلاة وحیثیّتها، وأمّا الإرادة التکوینیّة الفاعلیّة، فهی تتعلّق بالوجود الخاصّ الذی هو أمر وحدانیّ جزئیّ، وإذا کان هو مبغوضاً لأجل مصداقیّته للحیثیّة المبغوضة، فلا یصلح لأن یتقرّب به، وقد اشترطوا فی العبادة ـ مضافاً إلیٰ قصد القربة کونَ المأتیّ به صالحاً لأن یتقرّب به، وتلک الصلاحیة لا تتلائم مع کونه مبعّداً، ولأجل ذلک حکم الأصحاب بفساد الصلاة فی الدار المغصوبة.
وتوهّم: أنّه لأجل الامتناع قالوا بالبطلان، فی غیر محلّه؛ لأنّ المراجعة إلیٰ کلمات «العدّة» والسیّد رحمه الله لا تعطی مقالتهم بالامتناع، وإفتاءَهم بالبطلان لایلازم ذلک؛ لما یمکن أن یقولوا بالجواز فی کبری المسألة، وبالبطلان فی مقام الامتثال، وتکون النتیجة هی الامتناع فی مقام الامتثال؛ أی فساد الصلاة فی المجمع، فنسبة الامتناع إلی المشهور استناداً إلی الفتوی المذکورة، فیغیرمحلّها.
أقول: لا شبهة فی أنّ المقرّبیة والمبعّدیة، لیستا من العوارض الخارجیّة ومن المقولات العرضیّة، فهی الاعتباریّات القائمة بوجوه واستحسانات، ومن الاُمور
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 186 المعنویّة والروحانیّة القابلة للتفکیک فی مقام الدرک والامتثال، فکون الصلاة مقرّبة، لیس إلاّ أنّها قابلة لأن یتقرّب بها منه تعالیٰ مع رعایة الشرائط الاُخر، وهکذا مبعّدیة الغصب.
فإذن کما تتعلّق إرادة الأمر بالبعث نحو الصلاة، کذلک تتعلّق إرادة الفاعل بما یمکن أن یکون لأجل اشتماله علی المقرّب ـ وهی الصلاة مقرّباً منه تعالیٰ، فالإرادة الفاعلیّة لا تتعلّق بما هو المبعّد، ولا بما هو المقرّب، بل تتعلّق بما هو یمکن أن یتقرّب به، ویمکن أن یتعبّد به بلا شبهة؛ لأنّ المجمع منشأ اعتبار ما هو المقرّب بالذات وهی الصلاة، وماهو المبعّد بالذات وهو الغصب. هذا بحسب التحلیل العقلیّ.
وإن شئت قلت: لا الصلاة مورد الإرادة بالذات، ولا التصرّف، بل ما هو مورد الإرادة هی الحرکة الخارجیّة، واتصاف تلک الحرکات بالعناوین؛ لأجل انضمام المقاصد والنیّات بها، ولو کانت الصلاة من المقولات وهکذا الغصب، لکان تتعلّق الإرادة بهما، وأمّا إذا کانا من الاعتباریّات فلا یتمّ التوهّم المزبور الذی أفاده اُستاذنا البروجردیّ قدس سره.
وغیر خفیّ: أنّ ما أفاده إشکالاً لا یختصّ بمورد، بل یأتی فی جمیع العبادات فی المجمع، فلا تغفل، وکن علیٰ بصیرة، وسیأتی توضیح ذلک بذکر الأمثلة العرفیّة حول المفاسد المتوهّمة علی القول بالاجتماع إن شاء الله تعالیٰ.
ثمّ إنّ ما فی کلماته؛ من اعتبار کون الشیء صالحاً للمقرّبیة زائداً علیٰ اعتبار قصد القربة، لا یکون راجعاً إلیٰ محصّل. ولو سلّمنا بطلان العبادة فی المجمع
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 187 لأجل هذا وما یأتی، فلا نسلّم انحصار الثمرة بصحّة العبادة؛ بعد ما عرفت من جریان النزاع فی العبادات والمعاملات، وبناءً علی الاجتماع تکون المعاملة الواقعة مورد النهی ـ لأجل انطباق العنوان المحرّم علیها صحیحةً.
وأیضاً : فی التوصّلیات النفسیّة یستحقّ الثواب؛ بناءً علی القول به.
وأیضاً : لو کان اختیار المجمع بسوء الاختیار، لا یلزم ترک الواجب بلا عذر؛ لأنّه قد أتیٰ بما هو الواجب وإن کان فاعلاً للحرام من جهة انطباق العنوان المحرّم علیه.
مثلاً : لو کان الوفاء بالدین موجباً للتصرّف فی مال الغیر، وارتکب المکلّف ما یورث هذا التلازم والاستلزام، فإنّه بناءً علی الامتناع یحرم التصرّف، ویعاقب علیٰ ترک الوفاء بالدین؛ لأنّه بسوء الاختیار، فلو تصدّیٰ للوفاء بالدین فلا یقع؛ لأنّ الدین من الأحکام الوضعیّة المنتزعة عن التکلیفیّة حسبما قیل، فلا وجوب حتّیٰ ینتزع منه ذلک.
نعم، علی القول بالاجتماع لا یلزم ترک الواجب وهو الوفاء بالدین. والإشکال فی بعض خصوصیّات المثال، أو بعض المبانی، خارج عن دأب المحصّلین؛ لأنّ النظر إلیٰ إفادة ما هو مورد الاستنتاج من القول بالاجتماع.
فبالجملة تحصّل : أنّ قضیّة الصناعة صحّة الصلاة والعبادة فی المجمع، فضلاً عن المعاملة، والله العالم.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 188
الإشکال الثانی :
أنّ النسبة بین الصلاة والتصرّف فی مال الغیر وإن کانت بحسب المفهوم عموماً من وجه، ولکن بعد کونهما موضوعین للحکم تکون النسبة عموماً مطلقاً؛ وذلک لما عرفت من أنّ الأمر یتعلّق بنفس الطبیعة من غیر انحلال، والنهی یتعلّق بالطبیعة علیٰ وجه الانحلال، ولا یتصوّر الانحلال إلاّ بکثرة الموضوع، ولا تتکثّر الطبیعة الموضوعة إلاّ بلحاظ ورود العوارض والخصوصیّات، فیسری النهی إلی المصداق للصلاة، فتکون النسبة بین الفرد من الصلاة والطبیعة، عموماً وخصوصاً مطلقاً، فالنسبة بین المتعلّقین دائماً عموم مطلق، وتصیر النتیجة أنّ المسألة ـ علی القول بالجواز تکون من صغریات النهی فی العبادات، أو تصیر خارجة عن محطّ نزاع الاجتماع والامتناع علی الوجه الذی قوّیناه.
أقول: قد مرّمنّا بعض الکلام فی بحث المائز بین هذه المسألة، ومسألةِ النهی فی العبادات، وقد استفدنا هذا الإشکال من بعض تنبیهات السیّد الاُستاذ البروجردیّ قدس سره وقد فرغنا من فساده بما لا مزید علیه؛ من أنّ نتیجة الانحلال لیست کون متعلّق النهی الأفراد، کما أنّه قدس سره قد أنکر ذلک أشدّ الإنکار، فإذا کان النهی ـ ولو ینحلّ إلی الکثیر غیر متعلّق بالأفراد بعد الانحلال أیضاً، فلابد من بقاء النسبة علی العموم من وجه؛ وذلک إمّا بدعویٰ انحلاله إلی الفرد الذاتیّ، من غیر کون المنضمّات داخلة فی مصبّ النهی.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 189 أو بدعویٰ: أنّ لازم تعلّق النهی بالطبیعة، هو التحذّر والاحتراز من جمیع وجوداتها بالوجه الذی مضیٰ تفصیله، من غیر لزوم کون الموضوع متکرّراً، فلیتدبّر جیّداً.
الإشکال الثالث :
«أنّ العبادة فی المجمع باطلة، ولا یمکن تصحیحها؛ لامن ناحیة الأمر، ولا من ناحیة الترتّب، ولا من ناحیة الملاک:
أمّا من الناحیة الاُولیٰ؛ فلأنّ حقیقة التکلیف هی البعث إلی الحصّة المقدورة، والصلاة فی الغصب غیر مقدورة شرعاً، والممتنع الشرعیّ کالممتنع العقلیّ.
وأمّا من الناحیة الثانیة؛ فلأنّ تقیید أمر الصلاة إمّا یکون بفعل من الأفعال المضادّة لها، کالأکل والشرب، أو بفعل الصلاة، وعلی التقدیرین لا یعقل الترتّب.
وأمّا من الناحیة الثالثة؛ فلأنّ القبح الفاعلیّ یمنع عن إمکان التقرّب بمثلها» انتهیٰ ما نسب إلیٰ العلاّمة النائینیّ قدس سره.
أقول: قد فرغنا عن عدم اقتضاء التکلیف للقدرة عقلاً ولا عرفاً. ولو اقتضیٰ ذلک فالقدرة علی الامتثال کافیة؛ فإنّ التکلیف متقوّم بالقدرة حتّیٰ یصرفها إلیٰ أحد طرفی المقدور، وأمّا لزوم کونها مستوعبة للوقت فلا.
وقد مرّ : أنّ حدیث الامتناع الشرعیّ کالعقلیّ لا أصل له. ولو کان له أصل
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 190 فلا صغریٰ له فیالمقام؛ لأنّ الصلاة فی الغصب، لیست ممتنعة شرعاً علی القول بالجواز بعد وجود المندوحة، أو بدونها أیضاً بناءً علیٰ ما سلکناه.
وقد فرغنا من فساد الترتّب بما لامزید علیه. ولو کان الترتّب صحیحاً فی وجه ذکرناه، فهو هنا أیضاً صحیح ویرجع صیغة التقیید والترتّب إلیٰ هذا: «لا تغصب، وإن کنت غاصباً فبالصلاة اغصب».
أمّا قصّة الملاک، فهی أمر یختلف الأشخاص فی ناحیته، فربّما یطمئنّ بعض النفوس بثبوت الملاک فیمورد سقوط الأمر؛ لما یجد أنّ السقوط المستند إلی العجز، لا یلازم قصوراً فی المقتضی، وربّما لا یطمئنّ بعضهم بذلک ویقول: بأنّ سقوط الهیئة یلازم الشکّ فی ثبوت المقتضی، ولا مورد لاستصحاب بقائه، فلیتأمّل جیّداً.
ولو تنزّلنا عن جمیع هذه الاُمور، فلا یلزم سقوط النزاع؛ لما عرفت من إمکان الانتفاع منه فی المعاملات.
الإشکال الرابع :
أنّ المنصرف من الأمر اختیار الفرد المباح فی مقام الامتثال، وهذا أمر عقلائیّ، فلا تصحّ الصلاة فی المغصوبة عند الاختیار.
نعم، مع عدم وجود الاختیار فإن قلنا: بأنّ أمر الصلاة ونهی الغصب باقیان علیٰ فعلیّتهما، فالصلاة صحیحة مطلقاً؛ لأنّها مورد الأمر وإن کان مورد النهی أهمّ.
وإن قلنا بامتناع اجتماع الفعلیّتین، کما هو مذهب المشهور غیر المنصور،
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 191 فإطلاق صحّة الصلاة ـ کما عن «الکفایة» ممنوع؛ لأنّه إذا کان مورد النهی أهمّ، وأنکرنا الترتّب والملاک، فلا یمکن تصحیح الصلاة کما هو الظاهر، وقد علمت منّا فی بحوث التعبّدی والتوصّلی أنّ قضیّة الأصل العقلائیّ لزوم اختیار الفرد المباح، وعدم کفایة الامتثال بالفرد المحرّم، وذلک یرجع إلیٰ فهم العقلاء نوع تقیید فی المأموربه طبعاً، والتقیید المزبور لا إطلاق له حتّیٰ یسقط أمر الصلاة عند عدم الاختیار، فتکون الصلاة باطلة وغیر واجبة.
أقول: إمکان کون الصلاة والعبادة صحیحة مورد المنع إلاّ فی صورة، مبتنٍ علی القول بجواز الاجتماع؛ وهی ما إذا لم یکن مندوحة فی البین، فإنّه علی القول بالاجتماع وبفعلیّة أمر الصلاة تصحّ مطلقاً، أو تصحّ علی الترتّب، أو تصحّ علی الملاک علی الوجه المزبور آنفاً.
وبالجملة: الإشکال الذی أوردناه لا یلازم سقوط ثمرة النزاع أیضاً؛ لأنّ صحّة الصلاة عند عدم المندوحة منوطة بصحّة الاجتماع، وإطلاق الصحّة منوط بکون الخطابات قانونیّة، أو منوط بکون الترتّب صحیحاً، أو بکون الملاک موجوداً، فلیتدبّر جیّداً.
فبالجملة تحصّل : أنّ فساد العبادة لا یلازم سقوط ثمرة النزاع. مع أنّ العبادة تصحّ فی المغصوبة علی الاجتماع مع عدم المندوحة.
نعم، مع المندوحة لا تصحّ عندنا؛ للأصل العقلائیّ المحرّر فی محلّه، ولما فی «الغرر من حواشی الدرر» لجدّی العلاّمة الطهرانیّ ـ مدّظلّه قال: «وقد أفاد الاُستاذ لبطلانها أنّ الأخبار المشتملة علیٰ أنّ الأئمّة علیهم السلام أباحوا الأراضی
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 192 المختصّة بهم للشیعة حتّیٰ تصحّ صلاتهم فیها، تدلّ علیٰ بطلانها لولا الإباحة» فراجع محالّها.
وغیر خفیّ: أنّ سقوط ثمرة النزاع حسب بعض المبانی، لا یلازم عدم عقلائیّة النزاع؛ بعد ذهاب جمع آخر إلی الاستنتاج من الاجتماع صحّةَ العبادة، أو إمکان ذهاب جمع إلیه إمکاناً قریباً جدّاً.
الإشکال الخامس :
أنّ العبادة فی المجمع صحیحة علی الاجتماع والامتناع:
أمّا الأوّل : فواضح.
وأمّا الثانی : فلأنّ المجمع مورد الملاک والمصلحة، وسقوط فعلیّة أحد التکلیفین، لا یلازم إنکار الحسن الذاتیّ والملاک المستکشف بالهیئة مع إطلاق المادّة، فإن کان التکلیف الساقط لأجل الامتناع عقلاً التکلیف التحریمیّ، فالصحّة واضحة.
وإن کان الغلبة علیٰ جانب النهی، فالعصیان لا ینافی صحّة العبادة؛ إمّا لأجل الترتّب، أو لأجل الملاک؛ حسبما تحرّر فی مبحث الضدّ. وملازمة الملاک والحسن الذاتیّ مع المبغوض الذاتی والمفسدة، لا توجب قصوراً فی صحّة التقرّب وترشّح الأمر الترتّبی.
هذا من غیر فرق بین حال وجود المندوحة وعدمه، فإذا صحّت الصلاة فی حال العمد، ففی حال السهو والنسیان والجهل ـ عن تقصیر کان، أو قصور تکون
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 193 الصحّة أقویٰ وأظهر، فلا ثمرة فی محلّ النزاع، ویسقط القول ببطلان العبادة علی الامتناع وغلبة جانب النهی.
وربّما یقال: إنّ تغلیب جانب الأمر، لا معنیٰ له إذا کان البحث فی صورة اقتدار العبد علیٰ إتیان الفرد الآخر من المأمور به، وعلیٰ هذا لا یبقیٰ وجه لترجیح جانب الأمر أصلاً ولو بلغ من الأهمیّة قصواها، فما فی کلماتهم من فرض غلبة جانب الأمر للأهمیّة، غیر راجع إلیٰ محصّل فی محطّ الکلام فی المقام.
وفیه: أنّه لا ینتهی إلیٰ فساد الصلاة بأحد الوجوه المزبورة، کما تریٰ.
ومن العجیب تمسّکهم أحیاناً بالإجماع علی البطلان فی صورة العلم والالتفات!! مع أنّه خارج عن البحث الاُصولیّ والثمرة المقصودة، فإنّه ربّما یتمّ الإجماع فی خصوص الصلاة، ولا یتمّ فی سائر العبادات، أو یشکل صحّة مثل الإجماع المزبور؛ لاحتمال کونه مستنداً إلی الاُصول العقلیّة والمبادئ العلمیّة المنتهیة إلی القول بالامتناع وتغلیب جانب النهی، غافلین عمّا هو الحقّ الثابت وراء ذلک.
وربّما یتوهّم: أنّ تصحیح الصلاة بالترتّب، یکون فی مورد لا مفسدة فی الصلاة قطعاً؛ لأنّها مزاحمة بالمصلحة الأقویٰ فی شیء آخر، وهی الإزالة، بخلاف ما نحن فیه، فإنّها مقرونة بالمفسدة الأقویٰ والأهمّ.
ولکنّه بمعزل عن التحقیق؛ لما عرفت من أنّ جهة التقرّب والبعد وجهة المصلحة والمفسدة غیر متداخلة، ویصحّ التقرّب فی محیط العقلاء بالمجمع ولو
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 194 استحقّ العقوبة علی العصیان، ولا ینبغی الخلط أصلاً.
أقول: أساس هذه الشبهة مبنیّ علی القول؛ بأنّ المفروض فی المجمع وجود الملاک والمناط، وقد فرغنا عمّا فی «الکفایة» من توهّمه ذلک، وعمّا فی غیره من أجنبیّة المسألة عن إحراز الملاک والمناط، وتصیر النتیجة علیٰ هذا فی صورة الاطلاع علی الملاک والمناط من الخارج، إمکانَ التوصّل إلیٰ تصحیح العبادة. ولکن لا سبیل إلی الاطلاع علیه من ناحیة إطلاق الأمر والنهی، کما مرّ مراراً، فما أفاده «الکفایة» کغیره فی عدم التمامیّة من ناحیة إطلاق کلامهم، وعدمِ العثور علیٰ مغزی المسألة فی محطّ البحث.
ثمّ فی مورد ثبوت إطلاق الأمر والنهی وسقوط أحد الدلیلین، لا تندرج المسألة فی صغریٰ باب التعارض إن کان شرط الاندراج، إحرازَ کون أحد الدلیلین بلا ملاک؛ لأنّه فی المجمع غیر ممکن، لإمکان وجود الملاک ثبوتاً وإن لم یتمکّن من إحرازه إثباتاً، لا بالهیئة؛ لسقوطها لأجل الامتناع، ولا بإطلاق مادّته؛ لعدم المعنی المعقول لإطلاق المادّة حسبما تحرّر، لأنّ الإطلاق یکون من عوارض تعلّق الحکم بالموضوع، فکیف یعقل مع القطع بسقوط الحکم؟! ولا بإطلاق سائر الأدلّة الواردة فی بیان محبوبیّة الصلاة علیٰ کلّ تقدیر؛ لعدم کونها فی مقام البیان من
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 195 هذه الجهة.
نعم، إن لم یکن ذلک شرطاً فتندرج المسألة فی مورد النزاع فی باب التعارض؛ لأنّه من المتعارضین بالعرض، وفی شمول الأدلّه لمثله خلاف، وقد استشکلنا فی ذلک جدّاً، فلا تکون المسألة من صغریات باب التعارض، ولا التزاحم. نعم تصیر شبهة موضوعیّة للبابین علیٰ وجه.
وأمّا ما فی کلام سیّدنا الاُستاذ البروجردیّ قدس سره: من لزوم تغلیب جانب النهی مطلقاً؛ جمعاً بین الدلیلین، فهو متین، ولکنّه علیٰ تقدیر اعتبار قید المندوحة فی محطّ البحث، وإلاّ فإن قلنا بإمکان کون الدلیلین فعلیّین عرضاً، فلا معنیٰ أیضاً لغلبة جانب الأمر أو النهی، بل الصلاة صحیحة ولو کانت مفسدة النهی أقویٰ وأهمّ.
نعم، یجوز ترکها إذا استلزمت التصرّف الزائد علیٰ أصل الکون فی المغضوب. ولو کان ذلک بسوء الاختیار، فله مقام آخر یأتی من ذی قِبَل إن شاء الله تعالیٰ.
وإن قلنا بعدم فعلیّتهما العرضیّة؛ لعدم المندوحة، فلابدّ من ملاحظة الملاک؛ فلوکان التصرّف أقویٰ ملاکاً من الصلاة فلابدّ من ترکها، إلاّ إذا لم تستلزم التصرّف الزائد، أو تصرّفاً رأساً؛ علیٰ ما مرّ تفصیله.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 196