الأمر الأوّل : حول عنوان المسألة
قد اشتهر فیعنوان البحث «أنّ النهیعن الشیء هل یقتضی الفساد، أم لا؟».
وفی تعبیر آخر: «أنّ النهی عن الشیء هل یدلّ علیٰ فساده، أم لا؟».
وفی ثالث : «أنّ النهی إذا تعلّق بالعبادة أم المعاملة، هل یقتضی الفساد، أم لا؟».
وفی الکلّ جهات من النظر :
الاُولیٰ : أنّه یتوجّه إلی العنوانین الأوّلین بأنّ جعل «الشیء» فی محطّ الکلام بلا وجه؛ لأنّ النزاع لیس یعقل بهذا النطاق الواسع، ضرورة أنّ النواهی التحریمیّة المتعلّقة بالأکل والشرب بالنسبة إلیٰ اُمور معلومة فی الشرع، لیست مورد الکلام فی المقام، فأخذ العنوان المبهم الأعمّ فی محطّ النزاع غیر جائز.
وإلی العنوان الثالث : بأنّ محطّ البحث أعمّ من العبادة والمعاملة ولو اُرید منها المعاملات بالمعنی الأعمّ؛ لأنّ البحث فی المقام راجع إلیٰ أنّ النهی إذا تعلّق
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 287
بشیء، هل یدلّ علی الفساد أو عدم الإجزاء؟ کما إذا تعلّق النهی فی مسألة الحدود وإجرائها بأن لایجری الحدّ فی الخفاء، أو لایجری الحدّ مثلاً تحت السقف، فإنّه وإن لم یدلّ علی الفساد، ولکنّه یمکن أن یدلّ علیٰ عدم الإجزاء، ویدلّ علیٰ أنّه یلزم تکراره عند التخلّف.
فما هو مورد البحث أمر أعمّ من العبادة والمعاملة، کما هو الظاهر. مع أنّ عدّ مثل التذکیة من المعاملة بالمعنی الأعمّ بلا وجه. فعند ذلک یتوجّه سؤال عن إمکان جعل العنوان الواحد الجامع المانع محطّ التشاحّ ومصبّ النزاع وعدمه، وسیأتی إن شاء الله ماهو اللائق بذلک.
الثانیة : أنّ کلاًّ من الاقتضاء والدلالة مورد المناقشة؛ لأنّ الظاهر المتبادر من «الاقتضاء» هو کون النهی بما هو لفظ موضوع لمعنی یقتضی ذلک، مع أنّه لا معنیٰ لذلک إلاّ علیٰ القول: بأنّ دلالة الألفاظ ذاتیّة طبعیّة علی المدلول المطابقیّ، أو لا أقلّ من المدلول الالتزامیّ، وکلاهما منفیّان بما تحرّر فی محلّه.
ولأنّ الظاهر من «الدلالة» هی الدلالة الوضعیّة اللفظیّة، وفی المقام من یدّعی الدلالة یرید بها مطلق الملازمات العقلیّة ولو کانت خفیّة.
ولأجل هذا وذلک قال السیّد الوالد ـ مدّظلّه : «فالأولیٰ التعبیر بـ «الکشف» حتّیٰ یعمّ الدلالات اللفظیّة، والملازمات العقلیّة، والخطب سهل» انتهیٰ.
أقول : یمکن أن یقال؛ بأنّ الاقتضاء الحاصل من الدلالة الالتزامیّة الحاصلة من کثرة الاستعمال، یکون من قبیل دلالة الألفاظ دلالة طبعیّة ذاتیّة؛ لأنّها خارجة
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 288
عن حدّ الواضع ووضعه، فالکلام یکون حول هذا الاقتضاء؛ وأنّ النهی هل یکون له ذلک، أم لا؟ بعد مفروغیّة عدم کونه موضوعاً للدلالة علی الفساد.
ویوجّه الدلالة : بأنّ القائل بأنّه لایدلّ، یکون منکراً للدلالة الوضعیّة، وهذا لاینافی إثبات الفساد من ناحیة البیّن بالمعنی الأعمّ، أو من جهات اُخر عقلیّة، فلایلزم أن یکون مدّعی الفساد مستنداً إلیٰ دلالة النهی، حتّیٰ یتصرّف فی العنوان من هذه الجهة. بل لأحد أن ینکر دلالة النهی علی الفساد، دون الاُمور الاُخر الخارجة عن محیط النهی وضعاً، فافهم واغتنم.
هذا، ولایتمّ جعل عنوان الکشف محطّ البحث؛ لما أنّه ـ مدّظلّه من المنکرین للکشف فی الأوامر والنواهی، ویقول : إنّها لیست إلاّ أعذاراً عرفیّة وقاطعة الحجّة فی مقام الاحتجاجات العقلائیّة.
الثالثة : قد عرفت أنّ النزاع فی معنی أعمّ من الفساد وعدم الإجزاء، فإنّ کلّ شیء اتصف بأنّه فاسد فهو غیر مجزٍ عن المأمور به بأمره، بخلاف عنوان «غیر المجزی» فإنّه أعمّ منه؛ لما عرفت أنّ إجراء الحدّ بل إعطاء الخمس والزکاة وسائر الکفّارات علیٰ غیر الوجه المقرّر الشرعیّ، لایکون مجزیاً ، وربّما لایوصف بالفساد.
ولعلّ التذکیة أیضاً لاتوصف به، مع أنّ حدّ البحث أعمّ قطعاً یجیء فی النهی عن الذبح بالعود، أو إلیٰ غیر القبلة، فعلیٰ هذا لابدّ من مراعاة هذه الجهات فیما هو عنوان البحث.
وغیر خفیّ : أنّ جهة النزاع وإن کانت أعمّ أیضاً من ناحیة النهی أو ما یقوم مقامه کالجمل الإخباریّة أو من قبیل الإجماع الکاشف عن الرأی من غیر وجود النهی اللفظیّ، إلاّ أنّ مراعاة ذلک غیر لازمة؛ لإمکان جعل موضوع البحث أخصّ، فتأمّل.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 289
وإن شئت جعلت الأخیر أیضاً من الشبهات الواردة علیٰ عنوان القوم.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 290