ثالثها : فی أنّ الصحّة والفساد من الاُمور الواقعیّة لا الإضافیّة
قد اشتهر: «أنّ الصحّة والفساد من الأوصاف الإضافیّة، ولیس المراد من «الإضافة» أنّهما من المفاهیم المتضایفة، ولا من مقولة الإضافة، بل المراد أنّهما من الأوصاف النسبیّة واللحاظیّة فی قبال الأوصاف الواقعیّة».
مثال الأوّل : وصف التقدّم والتأخّر، فإنّ الواحد یوصف بهما بلحاظ الأمرین الخارجین عنه، فیکون مقدّماً ومؤخّراً.
ومثال الثانی : وصف البیاض والسواد، فإنّهما وصفان للجسم علی الإطلاق والواقعیّة.
فهل الصحّة والفساد من قبیل الأوّل أم الثانی؟ فیه خلاف، ظاهر الأکثر وهو صریح «الکفایة» والسیّد الاُستاذ رحمه الله کون الشیء الواحد صحیحاً بلحاظ،
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 318 وفاسد بلحاظ آخر.
وربّما یتوجّه إلیهما: أنّ مفهوم الصحّة والفساد لو کانا إضافیّین، للزم ذلک فی اتصاف الطبائع الخارجیّة، مع أنّ الوجدان حاکم بأنّ البطّیخ لایوصف باعتبار ولحاظ بالصحّة، وفی اعتبار آخر ولحاظ آخر بالفساد، فإنّ البطّیخ بحسب الواقع إمّا فاسد، أو صحیح، فلابدّ وأن یکون الأمر کذلک فی مثل الصلاة وغیرها، فإنّ الصلاة إمّا صحیحة، أو فاسدة.
وأمّا إذا قلنا: «الصلاة صحیحة من حیث الأجزاء والشرائط، وفاسدة من حیث اشتمالها علی المانع مثلاً» فهو لیس من التوصیف الواقعیّ للصلاة الخارجیّة بالحمل الشائع. فلیسا هما من قبیل التقدّم والتأخّر، فإنّهما یحملان علی الحقیقة علی الصنف الثانی، ویکون موضوع التقدّم عین موضوع التأخّر.
نعم، یمکن إرجاع هذا التوصیف إلی الصحّة التأهّلیة التی هی فی الحقیقة لیست إلاّ حکماً مشروطاً من جهة، وصحّةً واقعیّة من جهة اُخریٰ؛ وإن کانت قابلة للزوال لأجل طروّ الفساد، کما فی الرکعة الاُولیٰ بالنسبة إلی الثانیة.
ثمّ إنّ العلاّمة الاُستاذ قدس سره استدلّ لإضافیّتهما: «بأنّ الحرکة الخارجیّة الصلاتیّة الواقعة فی المغصوب، حرکة صحیحة إذا لاحظناها بعنوانها الذاتیّ الطبیعیّ، وتلک الحرکة ـ لأجل توقّع انطباق عنوان «الصلاة» علیها ولأجل کونها صلاة فاسدة ـ توصف بالفساد».
وفیه : أنّه فی الأوصاف الإضافیّة کما فی المثال المزبور، لابدّ وأن یکون الموضوع واحداً، ویحمل الوصف علیه حملاً حقیقیّاً لا مجازیّاً، فکما یصحّ أن یقال: «هذا الصنف الثانی متقدّم ومتأخّر بالقیاس إلی الصنف الأوّل والثالث» کذلک لابدّ وأن یصح أن یقال: «هذه الحرکة الخارجیّة صحیحة وفاسدة» مع أنّ الفساد یطرأ
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 319 علیها لأجل اعتبار آخر؛ وهو تلوّنها بالصلاة، ولمکان ذلک یقال: «هی فاسدة» وماهو الفاسد فی الحقیقة هی الصلاة المتّحدة مع تلک الحرکة، فلاینبغی الخلط.
فتبیّن : أنّ ما اشتهر «من أنّهما من الأوصاف الإضافیّة» فی غیر محلّه، بل هما من الأوصاف المطلقة الواقعیّة الثابتة کالبیاض والسواد.
نعم، ربّما یمکن أن یوصف الواحد لأجل اشتماله علی الجهات الکثیرة بالصحّة والفساد، علیٰ أن یکون موضوع الصحّة فی الحقیقة غیر موضوع الفساد، مثلاً یوصف الإنسان بالصحّة؛ لأجل صحّة المزاج، ویوصف بالفساد؛ لأجل فساد الأخلاق، إلاّ أنّ الموضوع متعدّد کما تریٰ، فلیتدبّر جیّداً.
وممّا ذکرناه یظهر: أنّ الصحّة والفساد بالنسبة إلی حالات المکلّفین لیسا من الصحّة والفساد الإضافیّین؛ وذلک لأنّ الطبیعة المتقدّرة مختلفة الأجزاء والشرائط؛ حسب اختلاف تلک الحالات، وهذا لایوجب کونهما وصفین إضافیّین کما تریٰ. وهذا أیضاً من ثمرات البحث الذی حرّرناه أوّلاً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 320