المقام الثانی : فی الاستظهار من الأدلّة الناهیة عن حصّة من المعاملة
وأنّها متعلّقة بأی شیء من الاُمور المشار إلیها، فعن الشیخ الأنصاریّ قدس سره ظهورها فی تعلّقه بصدور الفعل المباشریّ، واستبعده الوالد المحقّق ـ مدّظلّه وعدّه أبعد الاحتمالات، واستظهر أنّها متعلّقة بحرمة ترتیب الأثر، مستدلاًّ: «بأنّ تعلّقها بالفعل المباشریّ لا معنیٰ له؛ لأنّه لیس إلاّ التلفّظ بالآلات التی لاینظر فیها.
وهکذا تعلّقها بالمسبّب غیر صحیح؛ لأنّه حکم عقلائیّ، ولایکون مبغوضاً نوعاً، ولا التسبّب.
بل الظاهر : أنّ الغرض من النهی هو الزجر عن المعاملة بلحاظ آثارها، فالممنوع هو ترتیب الآثار المطلوبة علیها، کسائر المعاملات، وهو مساوق للفساد» انتهیٰ.
وإلیه ذهب السیّد الاُستاذ البروجردیّ قدس سره قائلاً: «إنّ الأمر والنهی فی الاُمور الآلیّة یتعلّقان حقیقة بما هی فانیة فیه، فلایتبادر إلی الأذهان من النهی عن نکاح
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 376 الاُمّ مثلاً، إلاّ حرمة ترتیب آثار الزوجیّة، فإنّها المقصود بالذات من النکاح، لا الإیجاب والقبول، ولا الزوجیّة المجرّدة عنها».
أقول : ظاهرهما أنّ متعلّق النهی التحریمیّ هو التصرّف، وقد عرفت المناقشة فی دلالته علی الفساد. هذا مع أنّ الأغراض لیست موجبة لصرف الأدلّة عن ظاهرها، وإلاّ یلزم إنکار الواجبات النفسیّة والمحرّمات النفسیّة، فعلیه لا مانع من کون المحرّم والمنهیّ شیئاً، والمقصود بالذات والمبغوض الحقیقیّ أمراً ملازماً معه بوجه من الملازمات الممکنة؛ من العلّیة وغیرها.
فعلیٰ هذا، إذا تعلّق النهی بالبیع الربویّ، أو بالبیع الغرریّ، یکون البیع محرّماً، کما تکون الصلاة فی الوبر محرّمة، وإذا لاحظنا البیع نجد أنّه عبارة عن إنشاء المبادلة، الذی هو إمّا تمام الموضوع لحکم العقلاء بالنقل وبحصول الملکیّة، أو هو تمام السبب، وإذا کان هو محرّماً تشریعاً یلزم ـ حسبما تحرّر ـ تخصیص أدلّة الجعل والتنفیذ، وتقیید المطلقات الواردة فی محیط المرکّبات والمسبّبات، وتصیر النتیجة فسادها.
وبالجملة : یکون المحرّم إمّا البیع الإنشائیّ، أو البیع المعتبر بقاء القابل للفسخ المعبّر عنه بـ «البیع المسبّبی» أو یکون هما معاً إذا فرض لهما الجامع، أو جوّزنا استعمال اللفظ فی أکثر من المعنی الواحد، علیٰ إشکال فی الأخیر؛ لعدم الجامع، ولأنّ جواز الاستعمال المزبور لایستلزم وقوعه، خصوصاً فی هذه التراکیب الشرعیّة.
فعلیٰ هذا، إن استظهرنا من الدلیل أحد الإطلاقین فهو، وإلاّ یلزم الإجمال، ویلزم العمل بالعلم الإجمالیّ ، فتأمّل.
وممّا یؤیّد ما سلکناه فی هذا المقام؛ أنّ إرجاع تحریم المعاملة إلیٰ أثرها
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 377 یستلزم إنکار محرّمیة المعاملة، وهو خلاف الفرض؛ لأنّ المفروض کون المعاملة مورد النهی، وأثرها خارج عنها. هذا مع أنّ قضیّة الاعتبار کون نکاح الاُمّ حراماً زائداً علیٰ حرمة الزنا بها، ولو رجع تلک الحرمة إلیها یلزم اتحاد المحرّم.
وغیر خفیّ : أنّ الشیخ الأعظم الأنصاریّ رحمه الله وإن نسب إلیه أنّه کان یقول: بأنّ المحرّم هو الفعل المباشریّ، ولکنّ المقصود منه هو إنشاء المعاملة، فإنّه فعل مباشریّ بمباشریّة الآلات، فیکون کلامه أقرب المحتملات، فلاحظ.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 378