الفصل السابع: فی متعلَّق الأوامر و النواهی
نسخه چاپی | ارسال به دوستان
برو به صفحه: برو

پدیدآورنده : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1279-1368

محل نشر : تهران

زمان (شمسی) : 1387

زبان اثر : فارسی

الفصل السابع: فی متعلَّق الأوامر و النواهی

الفصل السابع فی متعلَّق الأوامر و النواهی

‏ ‏

‏     ‏‏هل الأوامر والنواهی تتعلّق بالطبائع أو الأفراد؟‏

‏     لاتخلو کلمات القوم فی تحریر محلّ النزاع من اضطراب، فیظهر من‏‎ ‎‏بعضها أنّ المسألة عقلیّة صِرفة أو مبنیّة علیها، وأنّ الإرادة والاشتیاق والطلب‏‎ ‎‏لایمکن أن تتعلّق بما لایکون منشأ للآثار، فعلی القول بأصالة الوجود لابدّ من‏‎ ‎‏تعلُّقها به، وعلی القول بأصالة الماهیّة لابدّ أن تتعلّق بها‏‎[2]‎.

‏     ‏‏أو أ نّها مبنیّة علی وجود الطبیعی وعدمه‏‎[3]‎‏، فعلی الأوّل تتعلّق بها، وعلی‏‎ ‎‏الثانی بالفرد؛ لامتناع تعلُّقها بما لاوجود له.‏

‏ ‏


مناهج الوصول الی علم الاصولج. 2صفحه 63

‏     ‏ویظهر من بعضها:‏ أنّ النزاع فی أ نّها تتعلّق بالطبائع أو بالوجود الخارجی؛‏‎ ‎‏حیث أبطل الثانی بأ نّه طلب الحاصل‏‎[4]‎.

‏     ‏ومن بعضها:‏ أ نّها مسألة لُغویّة؛ حیث تشبّث بالتبادر فی إثبات‏‎ ‎‏تعلّقها بالطبائع‏‎[5]‎.

‏     ‏ومن بعضها:‏ أن النزاع فی سرایة الإرادة للخصوصیّات اللاحقة للطبیعة فی‏‎ ‎‏الخارج وعدمها‏‎[6]‎‏، إلی غیر ذلک‏‎[7]‎.

‏     ‏والتحقیق:‏ أنّ محطّ البحث لیس فی تعلُّقها بالکلّی الطبیعی أو أفراده ممّا‏‎ ‎‏هو المصطلح فی المنطق؛ فإنّ الماهیّات الاعتباریّة المخترعة کالصلاة والحجّ‏‎ ‎‏لیست من الکلّیّات الطبیعیّة، ولا مصادیقها مصادیق الکلّی الطبیعی؛ فإنّ‏‎ ‎‏الماهیّات المخترعة وکذا أفرادها، لیست موجودة فی الخارج؛ لأنّ المرکّب‏‎ ‎‏الاختراعی ـ کالصلاة والحجّ ـ لم یکن تحت مقولة واحدة، ولا یکون لمجموع‏‎ ‎‏اُمورٍ وجود حتّی یکون مصداقاً لماهیّة وکلّی طبیعی.‏

‏     وبه یظهر أنّ المسألة أجنبیّة عن أصالة الوجود والماهیّة، بل المراد من‏‎ ‎‏الطبیعی هاهنا هو العنوان الکلّی، سواء کان من الطبائع الأصیلة أم لا.‏

‏     ولایختصّ البحث بصیغة الأمر والنهی، بل الکلام فی متعلّق الطلب بأیّ‏‎ ‎‏دالّ کان؛ ولو بالجملة الإخباریّة فی مقام الإنشاء.‏

‏ ‏


مناهج الوصول الی علم الاصولج. 2صفحه 64

‏     ‏‏ثمّ لایبعد أن یکون محطّ البحث: أنّ الأمر إذا تعلّق بماهیّة بالمعنی المتقدّم،‏‎ ‎‏هل یسری إلی الأفراد والمصادیق المُتصوّرة بنحو الإجمال منها؛ بحیث تکون‏‎ ‎‏الطبیعة وسیلة إلی تعلُّقه بالمصادیق الملحوظة بنحو الإجمال، لا بما هی‏‎ ‎‏ملحوظة ومتصوّرة بل بنفس ذاتها، کما فی الوضع العامّ والموضوع له‏‎ ‎‏الخاصّ، فیکون معنی «صلِّ»: أوجد فردها ومصداقها، لا الفرد الخارجی ولا‏‎ ‎‏الذهنی، بل ذاته المتصوّرة إجمالاً، فإنّ الأفراد قابلة للتصوُّر إجمالاً قبل‏‎ ‎‏وجودها، کما أنّ الطبیعة قابلة له قبله، وما ذکرنا نزاع معقول.‏

‏     ‏والتحقیق:‏ أنّ الأوامر والنواهی مطلقاً مُتعلِّقة بالطبائع؛ بمعنی أنّ الآمر‏‎ ‎‏قبل تعلُّق أمره بشیء یتصوّره بکلّ ما هو دخیل فی غرضه، ویبعث المکلّف‏‎ ‎‏نحوه لیوجده فی الخارج؛ ضرورة أنّ البعث الحقیقی لایمکن أن یتعلّق بما هو‏‎ ‎‏أوسع أو أضیق ممّا هو دخیل فی الغرض؛ للزوم تعلُّق الإرادة والشوق بغیر‏‎ ‎‏المقصود أو به مع الزیادة جُزافاً، فإذا لم تکن للخصوصیّات الفردیّة دخالة فی‏‎ ‎‏غرض الآمر لایمکن أن یبعث نحوها؛ لأنّ البعث تابع للإرادة التشریعیّة التابعة‏‎ ‎‏للمصالح، وتعلُّقها بما هو غیر دخیل فی تحصیلها ممتنع، کتعلُّقها ابتداءً بأمر‏‎ ‎‏بلا غایة.‏

‏     وتوهُّم تعلُّقها تبعاً بما هو من ملازمات المراد باطل؛ لأ نّه مع خروجه عن‏‎ ‎‏محطّ البحث ـ لأنّ الکلام لیس فی استلزام إرادة لإرادة اُخری کباب‏‎ ‎‏المقدّمة، بل فی متعلّق الأمر ـ قد فرغنا عن بطلانه.‏

‏     ‏وإن شئت قلت:‏ إنّ الطبیعة ـ أیّة طبیعة کانت ـ لا یُعقل أن تکون‏

مناهج الوصول الی علم الاصولج. 2صفحه 65

‏مرآةً لشیء من الخصوصیّات الفردیّة اللاحقة لها فی الخارج، ومجرّد اتّحادها‏‎ ‎‏معها خارجاً لایوجب الکشف والدلالة، فلایکون نفس تصوُّر الماهیّة‏‎ ‎‏کافیاً فی تصوُّر الخصوصیّات، فلابدّ للآمر من تصوُّرها مستقلاً بصورة أو‏‎ ‎‏صور غیر صورة الطبیعی ولو بالانتقال من الطبیعی إلیها، ثمّ تتعلّق‏‎ ‎‏[‏‏بها مستقلاً إرادة اُخری‏‏]‏‏ غیر الإرادة المتعلّقة بنفس الطبیعة، وهذه الإرادة‏‎ ‎‏جزاف محض.‏

‏     ‏بل یمکن أن یقال:‏ إنّ تصوُّر الأفراد غیر تصوُّر الطبیعة؛ ضرورة أنّ تصوُّر‏‎ ‎‏الخاصّ الجزئیّ من شؤون القوی النازلة للنفس، وتعقُّل الطبیعة من شؤون‏‎ ‎‏العاقلة بعد تجرید الخصوصیّات، فربّما یتصوّر الأفراد مع الغفلة عن نفس‏‎ ‎‏الطبیعة وبالعکس.‏

‏     فالآمر إذا أراد توجیه الأمر إلی الطبیعة لابدّ من لحاظها فی نفسها، وإذا‏‎ ‎‏أراد الأمر بالأفراد لابدّ من لحاظها: إمّا بعنوان إجمالیّ، وهو مباین لعنوان‏‎ ‎‏الطبیعة فی العقل، وإمّا تفصیلاً مع الإمکان، وهو ـ أیضاً ـ غیر لحاظ الطبیعة.‏

‏     فإذا فُرض کون الطبیعة ذات مصلحة ولو بوجودها الخارجیّ، فلابدّ للآمر‏‎ ‎‏من تصوُّرها وتصوُّر البعث إلیها وإرادته، ففی هذا اللحاظ لاتکون الأفراد‏‎ ‎‏ملحوظة لا إجمالاً ولا تفصیلاً، ولاتکون ملازمة بین اللحاظین، وصِرفُ‏‎ ‎‏اتّحاد الخُصوصیّات الخارجیة مع الطبیعة خارجاً لایوجب الملازمة العقلیّة،‏‎ ‎‏فلابُدّ لتعلُّق الأمر بها من لحاظ مُستأ نَف وإرادة مُستأ نَفة جُزافاً.‏

‏     ثمّ إنّ البعث نحو المأمور به، سواء کان بصیغة الأمر أو بدالّ آخر، وکذا‏

مناهج الوصول الی علم الاصولج. 2صفحه 66

‏الزجر فی النهی، هل هو عبارة عن طلب الوجود فی الأمر، وطلب ترکه‏‎ ‎‏أو الزجر عنه فی النهی؛ بمعنی وضع الهیئة لطلب الإیجاد أو الوجود ـ مثلاً ـ‏‎ ‎‏أو استعمالها فیه.‏

‏     أو أنّ البعث یتعلّق بوجود الطبیعة؛ بمعنی أنّ الهیئة موضوعة لنفس البعث،‏‎ ‎‏ولمّا کان البعث إلی الطبیعة لا معنی له قُدّر الوجود.‏

‏     أو لاذا ولاذاک، بل البعث إلی الطبیعة لازمه العقلی أو العرفی تحصیلها‏‎ ‎‏فی الخارج، فقوله: «صلِّ» یفید البعث إلی الطبیعة، ولکن الطبیعة لاتکون‏‎ ‎‏طبیعة حقیقةً وبالحمل الشائع إلاّ بوجودها الخارجی، فنفس الطبیعة لیست‏‎ ‎‏بشیء، وفی الوجود الذهنی لیست هی هی حقیقة، فیکون البعث المتعلِّق‏‎ ‎‏بنفس الطبیعة بعثاً إلی تحصیلها، و هو لایکون إلاّ بایجادها خارجاً عقلاً‏‎ ‎‏وعرفاً. وبعبارة اُخری: أنّ إطاعة التحریک نحو الطبیعة والانبعاث عن البعث‏‎ ‎‏إلیها بإیجادها وتحصیلها خارجاً؟ وجوه.‏

‏     الظاهر هو الأخیر؛ لأنّ الهیئة لم توضع إلاّ لإیقاع البعث نحو المادّة بحکم‏‎ ‎‏التبادر، والمادّة هی الطبیعة، والمتفاهم عرفاً من الأمر هو طلب المأمور به؛ أی‏‎ ‎‏البعث نحو المادّة؛ ولهذا لایفهم من مثل «أوجد الصلاة» إیجاد وجود‏‎ ‎‏الصلاة، بل یفهم منه البعث إلی الإیجاد.‏

‏ ‏

تنبیه: فی کیفیّة تعلُّق الأمر بالماهیّة:

‏     هل یتعلّق الأمر بنفس الماهیّة، أو بما هی ملحوظة مرآةً للخارج باللحاظ‏

مناهج الوصول الی علم الاصولج. 2صفحه 67

‏التصوُّری وإن کان اللاحظ یقطع بخلافه بالنظر التصدیقی؟‏

‏     ‏قد یقال:‏ إنّ محطّ البحث فی تعلُّق الأمر بالطبیعة هو الطبیعة علی النحو‏‎ ‎‏الثانی، وأ مّا نفس الطبیعة فلایُعقل تعلُّق الأمر بها؛ لأ نّها من حیث هی لیست‏‎ ‎‏إلاّ هی؛ لاتکون مطلوبة ولا مأموراً بها، فلابدّ أن تؤخذ الطبیعة بما هی مرآة‏‎ ‎‏للخارج باللحاظ التصوُّری؛ حتّی یمکن تعلُّق الأمر بها‏‎[8]‎.

‏     ‏‏ولایخفی أنّ هذا ناشٍ من الغفلة عن معنی قولهم: الماهیّة من حیث‏‎ ‎‏هی لیست إلاّ هی، و لهذا زعم أنّ الماهیّة لایمکن أن یتعلّق بها أمر أو‏‎ ‎‏یلحقها شیء آخر، مع أنّ الأمر لیس کذلک، بل معنی هذا أنّ الأشیاء‏‎ ‎‏کلّها منتفیة عن مرتبة ذات الماهیّة، ولم یکن شیء عیناً لها ولا جزءً مقوِّماً،‏‎ ‎‏وأنّ کلّ ما ذکر یلحق بها وخارج عن ذاتها وذاتیّاتها، وهذا لایُنافی لحوق‏‎ ‎‏شیء بها، فالماهیّة وإن کانت من حیث هی لیست إلاّ هی ـ أی فی مرتبة‏‎ ‎‏ذاتها لاتکون إلاّ نفس ذاتها ـ لکن تلحقها الوحدة والکثرة والوجود وغیرها‏‎ ‎‏من خارج ذاتها، وکلّ ما یلحقها لیس ذاتاً ولا ذاتیّاً لها؛ أی ذاتیّ‏‎ ‎‏باب إیساغوجی.‏

‏     فالأمر إنّما یتعلّق بنفس الماهیّة من غیر لحاظها متّحدة مع الخارج،‏‎ ‎‏بل لمّا رأی المولی أنّ الماهیّة فی الخارج منشأ الآثار ـ من غیر توجُّهٍ نوعاً‏‎ ‎‏إلی کون الآثار لوجودها أو لنفسها فی الخارج ـ ولم تکن موجودة، یبعث‏‎ ‎‏المأمور إلی إیجادها وصیرورتها خارجیّة، فالمولی یری أ نّها معدومة، ویرید‏‎ ‎


مناهج الوصول الی علم الاصولج. 2صفحه 68

‏بالأمر إخراجها من المعدومیّة إلی الموجودیّة بوسیلة المکلَّف. فلحاظ الاتّحاد‏‎ ‎‏التصوُّری مع القطع بالخلاف تصدیقاً ـ مع کونه لامحصَّل له رأساً ـ ‏‎ ‎‏لایفید شیئاً، ومع الغفلة عن القطع بالخلاف منافٍ لتعلّق الأمر وتحریک المأمور‏‎ ‎‏نحو الإیجاد.‏

‏     ‏وبالجملة:‏ هذا التکلُّف ناشٍ من توهُّم عدم إمکان تعلُّق الأمر‏‎ ‎‏بالماهیّة؛ لتخیّل مُنافاة ذلک لما اشتهر بینهم من القول المتقدّم، مع أ نّه‏‎ ‎‏أجنبیّ عنه.‏

‏     فالتحقیق الذی یساعد علیه الوجدان: أنّ الأمر متعلِّق بنفس الماهیّة فی‏‎ ‎‏حین توجّه الآمر إلیٰ معدومیّتها، ویرید بالأمر سدَّ باب إعدامِها، وإخراجَها‏‎ ‎‏إلی الوجود بوسیلة المکلّف.‏

‏     هذا کلّه، مع أنّ مرآتیّة الماهیّة للأفراد غیر معقولة، کما مرّ مراراً.‏

‏ ‏

نقد وتحصیل: فی المراد من وجود الطبیعی خارجاً:

‏     قد استأنف بعض المحقّقین‏‎[9]‎‏ ـ بعد بنائه علی تعلُّق الأمر بالطبیعة ـ فصلاً‏‎ ‎‏محصّله: أ نّه إذا تعلّق الأمر بعنوان علی نحو صِرف الوجود، فهل یسری إلی‏‎ ‎‏أفراده تبادلاً، فتکون الأفراد بخُصوصیّاتها تحت الطلب، أم لا؟‏

‏     وعلی الثانی فهل یسری إلی الحصص المقارنة للأفراد کما فی الطبیعة‏‎ ‎‏الساریة، أم لا، بل الطلب یقف علی نفس الطبیعة؟‏

‏ ‏


مناهج الوصول الی علم الاصولج. 2صفحه 69

‏     ‏قال:‏ توضیح المراد یحتاج إلی مقدّمة: وهی أنّ الطبیعیّ حسب أفراده‏‎ ‎‏یتحصّص، وکلّ فرد منه مشتمل علی حصّة منه مغایرة للحصّة الاُخری،‏‎ ‎‏باعتبار محدودیّتها بالمشخّصات الفردیّة، ولا یُنافی ذلک اتّحاد تلک الحصص‏‎ ‎‏بحسب الذات، وهذا معنی قولهم: إنّ نسبة الطبیعی إلی أفراده نسبة الآباء‏‎ ‎‏إلی الأولاد‏‎[10]‎‏، وإنّ مع کلّ فرد أباً من الطبیعیّ غیر الآخر، ویکون الآباء مع‏‎ ‎‏اختلافها بحسب المرتبة متّحدة ذاتاً.‏

‏     ‏ثمّ قال:‏ التحقیق یقتضی وقوف الطلب علی نفس الطبیعة، وأقام علیه‏‎ ‎‏دلیلین، ثمّ قال: لایخفی أنّ عدم سرایة الطلب إلی الحصص إنّما هو بالقیاس‏‎ ‎‏إلی الحیثیّة التی تمتاز بها الحصص الفردیّة بعضها عن البعض الآخر المشترک‏‎ ‎‏معه فی الجنس والفصل القریبین، وأ مّا بالنسبة إلی الحیثیّة الاُخری التی بها‏‎ ‎‏تشترک تلک الحصص، وتمتاز بها عن أفراد النوع الآخر المشارکة لها فی‏‎ ‎‏الجنس القریب، وهی الحیثیّة التی بها قوام نوعیّتها، فلا بأس بدعوی السرایة‏‎ ‎‏إلیها، بل لعلّه لا محیص عنها من جهة أنّ الحصص بالقیاس إلی تلک الحیثیّة‏‎ ‎‏واشتمالها علی مقوّمها العالی، لیست إلاّ عین الطبیعیّ، ونتیجة ذلک کون‏‎ ‎‏التخییر بین الحصص شرعیّاً لا عقلیّاً.‏

‏     ‏إن قلت:‏ إنّ الطلب تعلّق بالعناوین والصور الذهنیّة، لا المُعنونات‏‎ ‎‏الخارجیّة، فیستحیل سرایته إلی الحصص الفردیّة؛ حیث إنّها تباین الطبیعیّ‏‎ ‎‏ذهناً، وإن کان کلّ من الحصص والطبیعیّ ملحوظاً بنحو المرآتیّة.‏

‏ ‏


مناهج الوصول الی علم الاصولج. 2صفحه 70

‏     ‏قلت:‏ إنّ المدّعی هو تعلُّق الطلب بالطبیعیّ بما هو مرآة للخارج، ولا ریب‏‎ ‎‏فی أنّ وجود الطبیعیّ فی الخارج لایمتاز عن وجود الحصص، بل هو‏‎ ‎‏الجهة المشترکة الجامعة بین الحصص، والمرئیّ بالطبیعیّ الملحوظ مرآةً‏‎ ‎‏للخارج لیس إلاّ تلک الجهة الجامعة بین الحصص، وهذا مرادنا من سرایة‏‎ ‎‏الطلب من الطبیعیّ إلی حصصه، بل التعبیر بها مسامحیّ؛ إذ بالنظر‏‎ ‎‏الدِّقِّی یکون الطلب المتعلّق بالطبیعیّ الملحوظ مرآةً متوجّهاً إلی الجهة‏‎ ‎‏الجامعة بین الحصص، فمتعلّق الطلب فی الحقیقة هی تلک الجهة الجامعة‏‎ ‎‏بعینها. انتهی بطوله.‏

‏     الظاهر أ نّه أشار فی تحقیق الکلّی الطبیعیّ إلی ما اشتهر بین تلامذته‏‎ ‎‏نقلاً عنه: من أنّ الحصص بالنسبة إلی الأفراد کالآباء والأولاد، والطبیعی هو‏‎ ‎‏أب الآباء، وهو الجهة المشترکة بین الحصص، ویکون الطبیعیّ مرآةً لهذه الجهة‏‎ ‎‏المشترکة الخارجیّة.‏

‏     وزعم أنّ المراد بقول بعض أهل فنّ المعقول: ـ إنّ الطبیعیّ بالنسبة إلی‏‎ ‎‏الأفراد کالآباء والأولاد ـ هو حصصه، وافترض آباءً هی الحصص، وأب الآباء‏‎ ‎‏وهو القدر المشترک بینها الذی یکون الطبیعیّ مرآةً له، غفلةً عن أنّ ما ذکروا‏‎ ‎‏ـ من أنّ نسبة الطبیعیّ إلی الأفراد نسبة الآباء إلی الأبناء ـ فرار عن الأب‏‎ ‎‏الواحد الذی التزم به الرجل الهمدانیّ الذی صادف الشیخ الرئیس، ففی‏‎ ‎‏الحقیقة جمع هذا المحقّق بین الالتزام بمقالة الرجل الهمدانیّ وبین ما ذُکر جواباً‏‎ ‎‏له؛ غفلةً عن حقیقة الأمر.‏


مناهج الوصول الی علم الاصولج. 2صفحه 71

‏ولمّا کان ذلک منشأ لاشتباه کثیر منهم فی کثیر من المباحث،‏‎ ‎‏فلابأس بالإشارة الإجمالیّة إلی مُراد الرجل الهمدانیّ، ومراد القوم فی مُقابله،‏‎ ‎‏فنقول:‏

‏     زعم الرجل أنّ معنی وجود الطبیعیّ فی الأعیان هو أنّ ذاتاً واحدةً‏‎ ‎‏بعینها مقارنة لکلّ واحد من المقارنات المختلفة موجودة بنعت الوحدة فی‏‎ ‎‏الخارج، وأنّ ما به الاشتراک الذاتیّ بین الأفراد متحقّق خارجاً بما هو الجهة‏‎ ‎‏المشترکة.‏

‏     وکأ نّه توهّم ـ من قولهم: إنّ الأشخاص تشترک فی حقیقة واحدة هی‏‎ ‎‏الطبیعیّ، وقولهم: إنّ الکلّی الطبیعیّ موجود فی الخارج ـ أنّ مقصود القوم هو‏‎ ‎‏موجودیّة الجهة المشترکة بما هی کذلک فی الخارج، قائلاً: هل بلغ من عقل‏‎ ‎‏الإنسان أن یظنّ أنّ هذا موضع خلاف بین الحکماء؟! علی ما حکی عنه‏‎[11]‎.

‏     ‏‏وربّما یُستدلّ لما توهّمه الرجل تارةً: بأنّ الطبیعیّ معنیً واحد منتزع من‏‎ ‎‏الخارج، ولایمکن أن یکون الکثیر بما هو کثیر منشأ لانتزاع الواحد، فلابدّ من‏‎ ‎‏جهة اشتراک خارجیّ بنعت الوحدة؛ حتّی یکون الطبیعی مرآةً لها ومُنتزعاً‏‎ ‎‏منها.‏

‏     واُخری: بأنّ العلل المختلفة إذا فرض اجتماعها علی معلول واحد، لابدّ‏‎ ‎‏فیها من جهة وحدة خارجیّة مُؤثّرة فی الواحد بمقتضی قاعدة لزوم صدور‏‎ ‎‏الواحد عن الواحد.‏


مناهج الوصول الی علم الاصولج. 2صفحه 72

‏     ‏‏وربّما یُمثّل لذلک بأمثلة جزئیّة، کتأثیر بندقتین‏‎[12]‎‏ فی قتل شخص، وتأثیر‏‎ ‎‏قوی أشخاص فی رفع حجر، وتأثیر النار والشمس فی حرارة الماء‏‎[13]‎‏.. إلی‏‎ ‎‏غیر ذلک من هوساتهم.‏

‏     وهذا معنی کون الطبیعیّ کأب واحد بالنسبة إلی الأبناء؛ أی یکون بنعت‏‎ ‎‏الوحدة والاشتراک موجوداً فی الخارج.‏

‏     وفی مُقابله قول المحقّقین‏‎[14]‎‏، وهو أنّ الطبیعیّ موجود فی الخارج لا بنعت‏‎ ‎‏الوحدة والنوعیّة واشتراک الکثرة فیه، بل من حیث طبیعته وماهیّته، وأنّ‏‎ ‎‏العموم والاشتراک لاحق له فی موطن الذهن، والجهة المشترکة لیس لها موطن‏‎ ‎‏إلاّ العقل، والخارج موطن الکثرة، والطبیعیّ موجود فی الخارج بوجودات‏‎ ‎‏متکثّرة، وهی متکثّرة حسب تکثُّر الأفراد والوجودات، لابمعنی تحصُّصه‏‎ ‎‏بحُصص؛ فإنّه لامُحصَّل له، بل بمعنی أن کلّ فرد متّحد فی الخارج مع‏‎ ‎‏الطبیعیّ بتمام ذاته؛ لأنّ ذاته غیر مرهونة بالوحدة والکثرة، فهو مع الکثیر‏‎ ‎‏کثیر ‏‏[‏‏ومع الواحد واحد‏‏]‏‏.‏

‏     فزید إنسان، لاحصّة منه، وعمرو إنسان آخر، لا حصّة اُخری منه،‏‎ ‎‏وهکذا، وإلاّ لزم کَون زید بعض الإنسان لا الإنسان، وعمرو کذلک، وهو‏‎ ‎


مناهج الوصول الی علم الاصولج. 2صفحه 73

‏ضروریّ الفساد.‏

‏     فلو وجدت الجهة المشترکة فی الخارج لزم أن تکون موجودة بنعت‏‎ ‎‏الوحدة، لأنّ الوجود مساوق للوحدة، فلزم إمّا وحدة جمیع الأفراد وجوداً‏‎ ‎‏وماهیّة، أو کون الواحد کثیراً، وکون کلّ فرد موجوداً بوجودین: أحدهما‏‎ ‎‏بحیثیّة الجهة المشترکة، فیکون کلّ الأفراد واحداً فی الوجود الخارجیّ من‏‎ ‎‏هذه الحیثیّة، و ثانیهما وجوده بالحیثیّة ‏‏[‏‏المُمیِّزة له عن‏‏]‏‏ قرنائه.‏

‏     وهذا ـ أی کون الإنسان غیر موجود بنعت الوحدة والاشتراک بل بنعت‏‎ ‎‏الکثرة المحضة ـ مرادهم من أنّ الطبیعیّ مع الأفراد کالآباء مع الأولاد،‏‎ ‎‏لا الأب مع الأبناء.‏

‏     وهذا الفاضل الاُصولیّ لمّا لم یصل إلی مغزی ‏‏[‏‏کلامهم‏‏]‏‏ جمع بین الآباء‏‎ ‎‏والأب، فجعل للأفراد أباً وجدّاً هو أب الآباء، ولهذا تراه صرّح فی جواب‏‎ ‎‏«إن قلت»: بأنّ وجود الطبیعیّ فی الخارج هو الجهة المشترکة، وأنّ المرئیّ‏‎ ‎‏بالطبیعیّ الملحوظ مرآةً للخارج لیس إلاّ تلک الجهة الجامعة بین الحصص،‏‎ ‎‏وهذا بعینه قول الرجل الهمدانیّ الذی أفرد شیخ المشّائین رسالة لردّه.‏

‏     وقد نُقِل نصّ الشیخ‏‎[15]‎‏ بأنّ الإنسانیّة الموجودة کثیرة بالعدد، ولیست ذاتاً‏‎ ‎‏واحدة، وکذلک الحیوانیّة، لا کثرة باعتبار إضافات مختلفة، بل ذات الإنسانیّة‏‎ ‎‏المقارنة لخواصّ زید هی غیر ذات الإنسانیّة المقارنة لخواصّ عمرو، فهما‏‎ ‎‏إنسانیّتان: إنسانیّة قارنت خواصّ زید، وإنسانیّة قارنت خواصّ عمرو،‏‎ ‎


مناهج الوصول الی علم الاصولج. 2صفحه 74

‏لاغیریّة باعتبار المقارنة حتّی تکون حیوانیّة واحدة تقارن المتقابلات من‏‎ ‎‏الفصول. انتهی.‏

‏     وهذه العبارة ـ کما تری ـ ناصّة علی خلاف ما زعم هذا المحقّق، مع أنّ‏‎ ‎‏البرهان قائم علی خلافه.‏

‏     وأ مّا ما أیّدنا به قول الهمدانی من حدیث انتزاع الواحد عن الواحد، فبعد‏‎ ‎‏الغضّ عن أنّ الطبیعیّ لیس من الانتزاعیّات ـ بل من الماهیّات المتأصّلة‏‎ ‎‏الموجودة فی الخارج تبعاً للوجود تحقّقاً وتکثُّراً، وأنّ معنی موجودیّتها‏‎ ‎‏موجودیّتها ذاتاً تبعاً للوجود، لا موجودیّة منشأ انتزاعها، وأنّ کثرة الوجود‏‎ ‎‏منشأ تکثُّرها خارجاً؛ لأ نّها بذاتها لا کثیرة ولا واحدة، فالکثرةُ تعرضها‏‎ ‎‏خارجاً؛ بمعنی صیرورة ذاتها کثیرة بتبع الوجود خارجاً، والوحدة تعرضها فی‏‎ ‎‏العقل عند تجریدها عن کافّة اللواحق ـ أنّ الانتزاع هاهنا لیس إلاّ عبارة عن‏‎ ‎‏إدراک النفس من کلّ فرد بعد تجریده عن الممیّزات ما تدرک من فرد آخر.‏

‏     فإذا جرّدت النفسُ خصوصیّات «زید» تُدرک منه معنی الإنسان أی طبیعیّه‏‎ ‎‏من غیر اتّصافه بنعت الوحدة المشترکة النوعیّة، وکذا إذا جرَّدت خُصوصیّاتِ‏‎ ‎‏«عمرو» تنال منه ما تنال من «زید» بلاتفاوت، وبعد لحاظ کونه مشترکاً بین‏‎ ‎‏الأفراد تحکم بأ نّه الجهة المشترکة، فالوحدة تعرضه فی العقل عند التحلیل‏‎ ‎‏والتجزئة، لا فی الخارج ولا فی حاقّ الذهن.‏

‏     وأ مّا حدیث تأثیر الواحد فی الواحد ففی غایة السقوط، منشؤه مقایسة‏‎ ‎‏الفاعل الإلهی البسیط بالفواعل الطبیعیّة، مع عدم التأمُّل فیها أیضاً؛ ضرورة‏

مناهج الوصول الی علم الاصولج. 2صفحه 75

‏أنّ العلّة البسیطة الإلهیّة یکون معلولها عین التعلُّق بها، و ‏‏[‏‏ما‏‏]‏‏ یکون بتمام‏‎ ‎‏هویّته وحقیقته ربطاً محضاً بعلّته، لایمکن أن یکون له حیثیّة غیر مرتبطة بها،‏‎ ‎‏وإلاّ لزم الاستغناء الذاتی، وهو یُنافی الإمکان، وفی مثله لایمکن أن یجتمع‏‎ ‎‏علیه علّتان حتّی یبحث فی کیفیّته، ولا یُعقل تفویض الفاعلِ الإلهیّ أثرَه إلی‏‎ ‎‏غیره، أو تعلُّق المعلول بالذات بغیر علّته الخاصّة به.‏

‏     ‏وبالجملة:‏ لا یُعقل ربط المعلول البسیط تارةً بهذه العلّة، واُخری بهذه،‏‎ ‎‏وثالثة بالجامع بینهما؛ للزوم الانقلاب الذاتیّ فی البسیط.‏

‏     وأ مّا الفواعل الطبیعیّة، فهی بالنظر إلی شخص الأثر الخاصّ بها کذلک؛‏‎ ‎‏فإنّ شخص الحرارة القائمة بشعاع الشمس لایمکن أن یکون متعلّقاً بالنار‏‎ ‎‏وبالعکس، فإذا اجتمعت الشمس والنار علی التأثیر فی ماء واحد یکون کلّ‏‎ ‎‏منهما مؤثّراً فیه بقدر أثره الخاصّ به، فإنّ الماء غیر بسیط، بل مرکّب ذو‏‎ ‎‏امتداد یتأثّر من هذه وهذه، ولا إشکال فی تأثّر مثل هذا الواحد الطبیعیّ‏‎ ‎‏ـ القابل للتجزئة والترکیب ـ بعلّتین، فأثر کلّ علّة غیر أثر الاُخری، وتأثّر الماء‏‎ ‎‏بکلٍّ غیر تأثُّره بآخر.‏

‏     وهکذا الأمر فی اجتماع أشخاص علی رفع الحجر، فإنّ کلّ واحد یؤثّر‏‎ ‎‏فیه أثراً خاصّاً به، حتّی یحدث فی الحجر ـ بواسطة القواسر العدیدة ـ ما یغلب‏‎ ‎‏علی ثقله الطبیعیّ أو جاذبة الأرض، وهذا واضح جدّاً.‏

‏     إذا عرفت ذلک اتّضح لک الخلل فیما زعمه ـ رحمه اللّٰه ـ من البناء علی‏‎ ‎‏هذا المبنی الفاسد.‏


مناهج الوصول الی علم الاصولج. 2صفحه 76

وأ مّا ما تری فی خلال کلامه:‏ من أنّ الحیثیّة التی تشترک بها هذه الحصص،‏‎ ‎‏وتمتاز عن أفراد النوع الآخر، هی الحیثیّة التی بها قوام نوعیّتها، وهی متّحدة‏‎ ‎‏مع الصبیعیّ‏‎[16]‎.

‏     ‏ففیه:‏ أنّ الطبیعیّ لایمکن أن یتحصّص بنفس ذاته، بل التحصُّص یحصل‏‎ ‎‏عن تقیُّده بقیود عقلیّة، مثل الإنسان الأبیض والأسود. وبالجملة: لایمکن‏‎ ‎‏التحصّص ـ علی فرضه ـ بلا لحوق شیء للطبیعی، فحینئذٍ لایمکن أن تکون‏‎ ‎‏الحصص نفس الطبیعیّ فی اللحاظ العقلّی، والاتّحاد الخارجیّ کما یکون بین‏‎ ‎‏الحصص والطبیعیّ، یکون بین الأفراد والطبیعیّ، والاتّحاد الخارجیّ لایوجب‏‎ ‎‏سرایة الأمر، وما به الامتیاز ـ بین حصص نوع مع حصص نوع آخر ـ لیس‏‎ ‎‏الفصلَ المقوِّم فقط، بل به وبالتقیُّدات الحاصلة من القیود اللاحقة المحصِّلة‏‎ ‎‏للحصص، والامتیاز بالفصل المقوِّم فقط إنّما یکون بین نوع ونوع آخر،‏‎ ‎‏لا حصصهما.‏

‏     فتحصّل ممّا ذکرنا: أنّ الأمر المتعلّق بالطبیعیّ لایمکن أن یسری إلی‏‎ ‎‏الأفراد، ولا إلی الحصص التی تُخیِّلت للطبیعیّ.‏

‏ ‏

‏ ‏

‏ ‏

‏ ‏

‏ ‏


مناهج الوصول الی علم الاصولج. 2صفحه 77

مناهج الوصول الی علم الاصولج. 2صفحه 78

  • . الکفایة 1: 223 ـ 224.
  • . أجود التقریرات 1: 210، فوائد الاُصول 2: 416، نهایة الدرایة 1: 248      سطر 6 ـ 7.
  • . نهایة الأفکار 1: 380 ـ 382.
  • . الفصول الغرویة: 107 / سطر 37.
  • . فوائد الاُصول 2: 417، نهایة الأفکار 1: 384 ـ 386.
  • . هدایة المسترشدین: 159 / سطر 4 ـ 7.
  • . نهایة الأفکار 1: 380 ـ 381.
  • . نهایة الأفکار 1: 380 ـ 388.
  • . الأسفار 2: 8.
  • . الأسفار 1: 273.
  • . البندقة: واحدة البندق والبنادق، وهو ما یرمی به. مجمع البحرین 5: ص 141 مادة      «بندق».
  • . درر الفوائد ـ طبعة جماعة المدرّسین ـ 1: 192 هامش 1.
  • . الأسفار 1: 272 ـ 274، نهایة الأفکار 1: 385.
  • . الأسفار 1: 374.
  • . نهایة الأفکار 1: 386.