الأمر التاسع: فی بیان معروض الوجوب الغیریّ
لو سلّمنا الملازمة بین الإرادتین، فهل معروض الإرادة الثانیة ـ وهی إرادة المقدّمة ـ هی ذات المقدّمة المطلقة ؟
أو هی المقدّمة التی یقصد بها التوصّل إلیٰ صاحبها، أو المقدّمة الموصلة، أو المقدّمة حال الإیصال ؟
أو معروض الوجوب هی المقدّمة بقصد التوصّل، مع کونها موصلة، أو حال الإیصال، فیجمع بین القیدین؟
أم الواجب هو عنوان «الموقوف علیه توقّفاً ناقصاً» أو «توقّفاً تامّاً» بمعنیٰ أنّ الواجب هو عنوان «ما یتوقّف علیه» وکان بحسب الواقع موقوفاً علیه بالفعل؟
أم معروضه هی المقدّمة الموصلة للفعل، المسمّاة عندی بـ «المنتهیة إلی الواجب»؟
وجوه وأقوال :
فالمنسوب إلیٰ «الفصول» : أنّ الواجب هی المقدّمة الموصلة، واختاره الوالد المحقّق ـ مدّظلّه .
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 184 وذهب «الکفایة» إلیٰ أنّ الواجب هی المقدّمة المطلقة، وهو مختار العلاّمة النائینیّ رحمه الله.
ونسب فی تقریرات جدّی العلاّمة رحمه الله إلی الشیخ رحمه الله: أنّ الواجب هی المقدّمة بقصد التوصّل إلیٰ ذیها، وإن کانت النسبة محلّ التأمّل، والأمر سهل.
واختـار صاحب «الـدرر» رحمه الله : أنّ الواجب هی المقدّمة حال الإیصال، وهو المحکیّ عن بعض آخر فهذه هی الأقوال الأربعة المشهورة عن المشایخ فی هذه المسألة.
ومن الممکن دعویٰ : أنّ الواجب لیس ذات المقدّمة حتّیٰ یلزم الأوامر الکثیرة؛ لکثرة المقدّمات، ومقدّمات المقدّمات، بل الواجب شیء واحد هو عنوان «الموقوف علیه».
وهنا احتمالان :
أحدهما : کون الواجب عنوان «ما یتوقّف علیه» سواء کان مترتّباً علیه الفعل والمطلوب، أم لم یکن، بل یکفی لوجوبه شأنیّته لذلک.
ثانیهما : کون الواجب ما یتوقّف علیه بعنوانه، مع کونه منتهیاً إلی المطلوب، فیکون الواجب شیئاً واحداً وهو عنوان «الموقوف علیه فعلاً» ولاتکفی الشأنیّة لعروض الوجوب.
وبین الأوّل ومقالة «الکفایة» والثانی ومقالة «الفصول» فرق واضح؛ فإنّ مقالة «الکفایة» تنتهی إلیٰ أنّ الواجب ذات ما یتوقّف علیه، لا عنوان «الموقوف علیه»
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 185 فیکون الأوامر کثیرةً، وهذا الاحتمال وإن کان یجتمع مع ذلک، ولکنّ مقصودنا حصر الأمر علیٰ عنوان «الموقوف علیه» من غیر الانحلال إلی الکثیر، بل الکثرة فی معروض العنوان، لا فی نفسه حتّیٰ یلزم کثرة الأوامر.
ومقالةَ «الفصول» ظاهرة فی أنّ الواجب ذات المقدّمة الموصلة، والاحتمال الثانی یفید أنّ الواجب، هو عنوان لاینطبق إلاّ علی العلّة التامّة المنتهیة إلیٰ ذی المقدّمة من غیر فرق بین کون العلّة متکثّرة الأجزاء، کالأقدام بالنسبة إلی الحجّ، أو بسیطة؛ لما عرفت من دخوله فی محلّ البحث فی ابتداء المسألة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 186