تتمّة : فی تزاحم تحصیل الطهارة المائیّة مع درک الوقت
فی الفرع المزبور یمکن أن یقال: بلزوم صرف الوقت فی تحصیل الطهارة المائیّة؛ لأجل أنّ قاعدة «من أدرک...» وإن لاتجری للتوسعة حال الاختیار، ولکنّها تجری للتوسعة حال الاضطرار وعند الأعذار العرفیّة والشرعیّة، ومن تلک
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 419 الأعذار ما إذا توقّف تحصیل الشرائط علیٰ صرف الوقت، فإنّه عند ذلک یعدّ معذوراً بالنسبة إلی التأخیر؛ فتصحّ صلاته للقاعدة.
وإن شئت قلت : مع القدرة العرفیّة مع الوجدان لاینتقل من المائیّة إلی الترابیّة.
وبعبارة ثالثة : قاعدة الإدراک لاتشمل صورة واحدة؛ وهی صورة العمد والاختیار، وأمّا سائر الصور فهی تشملها، ومنها ما نحن فیه؛ فإنّه ببذل الوقت فی تحصیل المائیّة یعدّ معذوراً، وینطبق علیه «أنّه أدرک رکعة» فالتأخیر لأجل ذلک جائز شرعاً، وصلاته صحیحة وضعاً؛ وفاقاً له أی للجواز الشرعیّ.
ویمکن أن یقال : بأنّ ملاک الانتقال من المائیّة إلی الترابیّة، لحاظ وجدان الماء فی الوقت المضروب للصلاة، فإن کان واجداً فی الوقت یصحّ المائیّة، وإلاّ فعلیه الترابیّة. وعلیٰ هذا فیما نحن فیه لابدّ من الترابیّة ؛ لأنّه بلحاظ الوقت المضروب له غیر واجد.
وأمّا قاعدة الإدراک، فإن کانت لتوسعة الوقت حال الاختیار، کان لتعیّن المائیّة وجه قویّ، وأمّا إذا کانت هی لحال غیر الاختیار ـ حسب ما تقرّر فی الفقه ـ فلایفید التوسعة فی هذه الحال شیئاً ممّا نحن فیه.
وبعبارة اُخریٰ : موضوع الترابیّة غیر التمکّن فی الوقت من المائیّة والمراد من «الوقت» هو الوقت المضروب للطبیعة حال الاختیار.
وإن شئت قلت : اعتبار الانتقال من المائیّة إلی الترابیّة؛ بلحاظ المحافظة علیٰ مصالح الصلاة وخصوصیّاتها التی منها الوقت، ولأجل درکها شرعت الترابیّة، فلایجوز المبادرة إلی المائیّة فی هذه الصلاة؛ للزوم المحافظة علی الوقت، ومقتضاه الانتقال کما هو مفروض المسألة.
ویمکن أن یتوهّم التخییر؛ قضاءً لحقّ الجمع بین هذه الوجوه وتلک الوجوه.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 420 وبالجملة : موضوع الترابیّة «المعذور شرعاً» وبلحاظ إحدی الوظائف الشرعیّة، کحفظ النفس المحترمة، أو حفظ وقت الصلاة، وموضوع قاعدة الإدراک أیضاً «المعذور شرعاً أو عقلاً» فمن الأوّل الحائض، وهکذا من لاحظ فی تأخیره وظیفة إلهیّة، کحفظ النفس، فإنّه عند ذلک یجوز له التأخیر، ویکون مصداق «من أدرک...» وهکذا إذا کان یحافظ علی الطهور المائیّ، فإن کان أحدهما أهمّ من الآخر بحسب الأدلّة، یقدّم ذاک، وإلاّ فهو بالخیار.
ولعمری، إنّ الأخیر أرجح، واحتمال أهمّیة المائیّة؛ تمسّکاً بما ورد فی أهمّیة الطهور؛ وأنّه «ثلث الصلاة» فی غیر محلّه؛ لأنّ الطهور الذی هو ثلث أعمّ من المائیّة والترابیّة، ومن کونهما من الخمسة المستثناة یعلم توافقهما فی الأهمّیة. وللمسألة محلّ آخر تطلب من ذلک المحلّ؛ ضرورة أنّ الحقّ إعطاء کلّ مسألة حقّها، وهو هنا غیر ممکن جدّاً، فلیتدبّر جیّداً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 421