شبهات وتفصّیات
الاُولی :
لیست الأسباب التولیدیّة والعلل التامّة داخلة فی محطّ البحث؛ وذلک لأنّ الأمر الأوّل والإرادة الاُولیٰ، ترجع من مصبّها ـ بحسب اللفظ والإنشاء ـ إلی العلّة والسبب؛ لأنّه مورد القدرة والاختیار، دون ذاک.
ولأنّ العلّة والمعلول لایختلفان إلاّ بالاعتبار فی الخارج؛ فإنّ حرکة الید والمفتاح واحدة تنسب إلی الید تارة، وإلی المفتاح اُخریٰ، فلایمکن ترشیح الإرادة الثانیة للعنوان الآخر؛ بعد کونهما بحسب الوجود واحداً.
وفیه أوّلاً : أنّ ما هو المحرّر فی محلّه؛ إمکان کون الواجب الشرعیّ هو المسبّب، ویکفی لاختیاریّته اختیاریّة سببه، ولا داعی إلیٰ تبدیل مصبّ الإرادة الاُولیٰ.
هذا مع أنّ ماهو المأمور به نوعاً، یکون له الأسباب المتفرّقة الناقصة، التی تجمّعها فی العین یستلزم وجود المعلول والمسبّب، ومجرّد تخلّل الإرادة، لایستلزم تجویز کون الواجب فی هذه المواقف، نفسَ ماهو المأمور به إنشاءً، وفی العلل التامّة علّته وسببه. بل مع ملاحظة أنّ ماهو مورد الاختیار حقیقة هی الإرادة الفاعلیّة ـ لا الفعل؛ فإنّه مختار باختیاریّة الإرادة ـ لایلزم انقلاب جمیع الواجبات الشرعیّة إلی الأمر الآخر، فلیتدبّر.
وثانیاً : لیس معنی العلّیة، وحدة وجود العلّة والمعلول، وإن قلنا: بأنّ معنی
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 16 العلّیة هی التشأن، کما هو المقرّر عند أهله.
وثالثاً : لیست العلّیة بین حرکة الید والمفتاح کما اشتهر، بل المفتاح بمنزلة الإصبع یکون حرکته کحرکة جالس السفینة مجازیّة، لا حقیقیّة، وحرکة المعلول حقیقیّة، لا مجازیّة.
ورابعاً : یکفی الاختلاف العنوانیّ الکاشف عن اختلاف الاعتبارین فی تحصّل الإرادة الثانیة؛ ضرورة أنّ المولیٰ إذا قال: «حرّک المفتاح» فإنّه غیر ما إذا قال: «حرّک یدک» وإذا کان بین العنوانین فی عالم التشریع اختلاف وغیریّة، فلا بأس بتعدّد الإرادتین حسبما عرفت من المیزان والملاک فی موضوع البحث. فما اشتهر فی الأسباب التولیدیّة ـ کالإلقاء والإحراق، والقتل والضرب بالبندقة، والتقبیل والرجوع فی المطلّقة الرجعیّة ـ غیر تامّ؛ لاختلاف العنوانین حسب الاعتبار واقعاً فی محیط التشریع.
وممّا ذکرناه یظهر إمکان توسعة هذه الشبهة إلی العلّة الناقصة بالبیان الذی تحرّر، مع ما مرّ من جوابه.
وبعبارة اُخریٰ : لو تمّت هذه الشبهة وهی رجوع الحکم المتعلّق بالمعلول والمسبّب إلی العلّة والسبب، للزم أوّلاً : إنکار جمیع الواجبات الشرعیّة؛ لأنّ اختیاریّة تلک الأفعال باختیاریّة إرادة تعلّقت بها، علیٰ ما تقرّر فی مباحث الإرادة، وثانیاً: خروج جمیع المقدّمات الخارجیّة والداخلیّة عن حریم البحث؛ لأنّ المعلول لایحصل إلاّ بعد تجمّع العلل الناقصة، وحیث إن العلّة والمعلول مختلفان وجوداً فی الاعتبار، وهو غیر کافٍ لتعدّد الإرادة، فیلزم عدم حصول
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 17 الإرادة الثانیة متعلّقة بمجموع العلل، فتأمّل.
الثانیة :
لیس المرکّب إلاّ الأجزاء الداخلیّة بالأسر، فإذن لایعتبر الغیریّة والبینونة بین المقدّمة وذی المقدّمة.
وبعبارة اُخریٰ : لایمکن تعلّق الإرادة التأسیسیّة الثانیة التشریعیّة بالأجزاء؛ للزوم کون الشیء الواحد متعلّق الإرادتین التأسیسیّتین المستقلّتین، وهذا محال بالبدیهة .
وقد یقال : «إنّ المرکّب وذا المقدّمة هو الأجزاء بشرط الاجتماع، والمقدّمة هی الأجزاء بالأسر».
وأنت خبیر بما فیه وإن قال به «الکفایة» ضرورة أنّ الأجزاء بالأسر، لایعقل لحاظها إلاّ مجتمعة، فیکون هذا التعبیر والتعبیر الأوّل واحداً.
وبعبارة اُخریٰ : لایمکن سلب المرکّب عن الأجزاء بالأسر، ولا العکس؛ لما تحرّر فی محلّه: من أنّ الأجزاء بالأسر مورد اللحاظ الإجمالیّ قهراً، فتکون هی والمرکّب ـ وهو الأجزاء فی لحاظ الاجتماع ـ واحداً، فلا تغفل.
والذی هو الحقّ ما عرفت : من أنّ المرکّب یکون تحت عنوان واحد، وموصوفاً بمفهوم فارد، مثل الصلاة والحجّ والاعتکاف والعسکر والثریّا والفوج والدار، من غیر فرق بین المرکّبات المؤلّفة؛ والمرکّبات الاعتباریّة، والمرکّبات
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 18 الحقیقیّة، کالبیت والعسکر والجسم، فإذا کان الجزء المزبور یلاحظ حیال الکلّ، وحذاء المرکّب کالرکوع قبال الصلاة، فیسلب الکلّ ـ وهو عنوان «الصلاة» ـ عنه، ویسلب هو عن الصلاة، فیحصل الغیریّة فی عالم اللحاظ ویکفی ذلک لتحقّق الإرادة الثانیة.
وإذا انضمّ إلی الجزء المزبور جزء آخر ـ کذکر الرکوع ـ فالأمر کذلک، ولکنّه إذا تراکمت الأجزاء الملحوظة قبال الکلّ؛ بحیث صارت الصلاة صادقة علیٰ تلک الأجزاء الملحوظة اجتماعاً قبال الکلّ، فلایکون هی المقدّمة، بل هی نفس ذیالمقدّمة والمرکّب، ولایحصل الغیریّة حینئذٍ حتّیٰ یحصل المتعلّق الآخر للإرادة الثانیة.
فما تریٰ فی کلمات العلمین البروجردیّ والوالد الخمینیّ ـ عفی عنهماـ، فهو فی غایة المتانة فی حلّ هذه المشکلة، ولکن لایخلو من قصور؛ لما لایلزم مراعاة کلّ جزء علیٰ حدة، بل المناط هی ملاحظة مقدار من الأجزاء؛ بحیث لاینتفی عنوان المسمّیٰ عن الباقیة، فإذا لوحظت ثلاثة أجزاء من الصلاة فهی أیضاً مقدّمة، وهکذا الاثنان منها والأربعة.
وأمّا توهّم إمکان لحاظ الجزء قبال الکلّ، مع لحاظ الجزء الآخر فی عَرْض اللحاظ الأوّل؛ حتّیٰ یلزم عدم صدق المرکّب علی الباقی، ولا علی الجزء الملحوظ، فهو غیر تامّ؛ لأنّ الجمع بینهما غیر ممکن، لأنّ اللحاظ الأوّل متقوّم بأن یکون حذاء الجزء مرکّب، ولو کان فی عرضه لحاظ الجزء الآخر ممکناً، للزم انحلال المرکّب رأساً، لا لحاظ الجزء قبال الکلّ، فلیتبصّر.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 19 إن قلت : إذا کان المرکّب ذا جزئین ، أو لوحظ نصف أجزاء الصلاة ؛ بحیث لایصدق علیٰ کلّ واحد من القسمین عنوان «الصلاة» فیلزم خروج هذا عن حریم النزاع.
وبعبارة اُخریٰ : بناءً علیٰ هذا، یلزم خروج الأجزاء المتقدّمة بالتقدّم التجوهریّ عن محطّ التشاحّ؛ لأنّ الطبیعة لیست صادقة علی الجزء الآخر.
قلت : یلاحظ الجزء تارة: بعنوان الجزئیّة حذاء الکلّیة، ویکون عنوانهما فعلیّین، واُخریٰ: ذات الجزء حذاء الکلّ. فإنّه إذا لوحظ الأوّل فلا تقدّم، ولا تأخّر، ویکون ـ لمکان التضایف بین العنوانین ـ ملازمة فی الاعتبار والانتزاع.
وإذا لوحظ الثانی، فلایلزم عدم صدق الکلّ؛ لأنّ ما فی الکلّ هو عنوان الکلّ، والجزء مغفول عنه، وفانٍ فیه، فیصحّ أن یقال: «الجسم مرکّب، وأحد الجزءین منه الصورة» فإنّ قولنا: «أحد جزئیه الصورة» فی حال لحاظ الجسم إجمالاً؛ وفانیاً فیه ماهو جزؤه الواقعیّ بالفعل، لا ماهو جزؤه الشأنیّ.
فما هو جزؤه الواقعیّ الفعلیّ، هو موجود معه، ومورث لصدق «الجسم» ولحاظه، وماهو لیس بجزئه الفعلیّ یقع حذاء الجسم، ولایورث سلب صدق «الجسم» وعدم إمکان لحاظه الإجمالیّ، فافهم واغتنم جدّاً.
إن قلت : لیس الجزء الداخلیّ من المقدّمات الخارجیّة، کما تریٰ، ولا من الداخلیّة؛ لأنّ الکلّ ـ وهو المرکّب ـ یتحقّق بدونه.
مثلاً : الرکوع علیٰ هذا، جزء المرکّب، ولکنّه یتحقّق بدونه؛ لصدق المرکّب ـ علیٰ ما تقرّر فی الصحیح والأعمّ ـ علیٰ بقیّة الأجزاء. فما هو المقدّمة ما لایتحقّق المرکّب إلاّ به، وما لا یتحقّق المرکّب إلاّ به یکون ـ علیٰ ما فرضتم ـ غیر مقدّمة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 20 وبعبارة اُخریٰ: لحاظ کلّ جزء مقدّمة، لایستلزم إلاّ عدم کونه مقدّمة؛ لتحقّق المرکّب بدونه. ولحاظ المجموع بالأسر مقدّمة ـ کما صنعه «الکفایة» ـ لایستلزم إلاّ کون المقدّمة نفس المرکّب، فعلیه تکون الأجزاء خارجة عن محطّ البحث، کما أفاده العلاّمة الأراکیّ قدس سره.
قلت : الجزء تارة: یلاحظ بالنسبة إلی الطبیعة بما هی طبیعة، واُخریٰ: یلاحظ إلی الکلّ والطبیعة بما هی مأمور بها:
فعلی الأوّل : الأمر کما تحقّق، ولیس البحث حوله، وعلی الثانی: لیس کما توهّم؛ لأنّ المأمور به لایتحقّق إلاّ به، وهذا هو محلّ النزاع.
الثالثة :
قد استشکل العلاّمة المحشّی «للمعالم» بإشکال آخر علی الأجزاء الداخلیّة: بأنّ دخولها یستلزم اتصاف الشیء الواحد بوجوبین؛ أحدهما: نفسیّ متعلّق بالکلّ، والثانی: غیریّ متعلّق بالأجزاء، وحیث إنّها لیست إلاّ الکلّ، فیلزم اتّحاد موضوعهما.
وأنت خبیر : بأنّ منشأ هذه الشبهة؛ عدم إمکان کیفیّة تصویر الجزء والکلّ، والخلط بین ماهو الموقوف علیه، وما هو الموقوف، وبعدما أحطت إحاطة کاملة بأنّ الموضوع للوجوب النفسیّ هو الکلّ، والموضوع للوجوب الغیریّ هو الجزء الملحوظ حیال الکلّ، فلایبقیٰ لهذه الشبهة مورد.
وربّما یتخیّل إمکان اجتماع الوجوبین، کما فی موارد النذر، وفی مثل صلاة
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 21 الظهر بالنسبة إلی العصر.
وأنت خبیر : بأنّه فی مورد الأوّل لایبقی الوجوبان بحالهما، بل یرجعان إلی الواحد؛ علی ما اشتهر، وهذا فیما نحن فیه غیر صحیح؛ للزوم کون الإرادة الثانیة والإرادة النفسیّة متداخلتان، فیرجع إلی الإرادة الواحدة النفسیّة الشدیدة بالنسبة إلی الظهر، وهی غیر کافیة لما هو الغرض فی بحث المقدّمة؛ من الثمرة الفرضیّة الآتی بیانها.
مع أنّ قضیّة ما سلف منّا: أنّ مورد الإرادة النفسیّة العبادیّة فی الواجب المنذور هی الظهر، ومورد الإرادة النفسیّة التوصلیّة عنوان «الوفاء بالنذر» فلا معنیٰ للتداخل.
وفی المورد الثانی، لیس الظهر بما هو ظهر مورد الإرادة المقدّمیة، بل هو بعنوان «التوقّف والوقوف علیه» وهذا متّحد مع عنوان «الظهر» فی الخارج، ومختلف معه فی محیط التشریع والجعل، فلاتغفل، وتأمّل.
الرابعة :
ما مرّ من الشبهات علی الأجزاء الداخلیّة، یأتی علی القیود المأخوذة فی الطبیعة. وخروج هذه القیود عن مسمّی الطبائع ـ کما فی الأعمّ والصحیح علیٰ ما قیل، خلافاً للحقّ ـ لایستلزم خروجها عن محطّ النزاع فی هذه المسألة؛ لأنّ مناط البحث: هو أنّ إیجاب شیء، هل یستلزم الإیجاب الآخر، أو إرادة اُخریٰ، أم
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 22 لا؟ وإذا کانت القیود واردة فی محلّ الهیئة، فهی کالأجزاء. وتوهّم خروجها عن منصرف کلمات الأعلام، لایورث قصوراً فی ملاک البحث.
الخامسة :
ربّما یشکل دخول أمثال الطهارات الثلاث فی محلّ البحث؛ وذلک لأنّ ماهو قید المأمور به، لیس الغسل والوضوء والتیمّم، بل القید هو المعنی المحصّل منها، فکلّ ما کان من هذا القبیل فهو خارج؛ لأنّ دخوله واندراجه فی البحث، فرع ثبوت الملازمة بین إرادة الکلّ وإرادة القید، حتّیٰ یقال: بأنّ الإرادة الثانیة المتعلّقة بالقید، تستتبع الإرادة الثالثة المتعلّقة بمحصّلات القیود؛ بناءً علیٰ أعمّیة مورد البحث من الملازمة بین إرادة ذی المقدّمة والمقدّمة، أو إرادة المقدّمة وإرادة مقدّمة المقدّمة، وبناءً علیٰ دخول العلّة التامّة فی البحث، کما مضیٰ وعرفت.
وفیه : أنّ ماهو الأقویٰ عند بعض ؛ هو أنّ المقدّمة والواجب الشرطیّ، لیس إلاّ هذه الغسلات الخارجیّة؛ مع عدم تخلّل إحدی النواقض بینها وبین المرکّب، وأمّا حصول الأمر النفسانیّ منها فی النفس؛ وأنّه هو الشرط، فهو غیر مبرهن علیه، ویصیر هذا من قبیل شرطیّة الظهر للعصر. هذا أوّلاً، فتأمّل.
وثانیاً : لایمکن التفکیک بین الإرادة الثانیة والثالثة، فمن التزم بالملازمة؛ فهو لأجل ملاک یأتی فی المرحلة المتأخّرة أیضاً وهکذا. ولا معنیٰ لکون البحث حول الملازمة بین الإرادة النفسیّة وغیرها، بل الجهة المبحوث عنها أعمّ منها ومن ذلک.
وملاکه : هو أنّ الإرادة المتعلّقة بشیء هل تستتبع إرادة اُخریٰ متعلّقة بما یتوقّف علیه ذاک الشیء، أم لا؟ سواء کانت تلک الإرادة نفسیّة، أم مقدّمیة. ولذلک
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 23 لابدّ من کون عنوان البحث هکذا، لا أنّ إیجاب شیء هل یکون کذا، أم لا؟ حتّیٰ یقال: بأنّ خصوصیّة الإیجاب والإنشاء والإبراز، داخلة فی محطّ الکلام.
وممّا یترتّب علی العنوان المزبور، شمول البحث لما إذا کانت إرادة المولیٰ معلومة بالقرائن، لا بالإنشاء، فإنّه أیضاً مندرج فی محطّ النزاع، کما لایخفیٰ.
وثالثاً : أنّ مقدّمة المقدّمة، ومحصّل المقدّمة، وعلّة القید والجزء، إذا لوحظت نسبة الکلّ إلیها، یکون بینهما الغیریّة والتوقّف، فیکون داخل البحث، ولایلزم مراعاة المقدّمات القریبة حتّیٰ یشکل الأمر هنا، کما هو الظاهر.
فالمحصول ممّا قدّمناه إلیٰ هنا: اندراج جمیع هذه الاُمور فی محطّ البحث ومصبّ التشاحّ بلا شبهة.
نعم، الجزء بما هو جزء وهو فانٍ فی الکلّ، لایمکن لحاظه؛ لأنّه باللحاظ یخرج عن الجزئیّة الفعلیّة، ویصیر جزءً شأنیّاً.
وعلیه لایعقل اعتبار الاثنینیّة بین الجزء الفعلی والکلّ؛ لأنّ حقیقة الجزء الفعلیّ مرهونة بالغفلة، وإذا نظرنا إلیه فهو بحذاء الکلّ، فما تریٰ فی کلمات المدقّق المحشّی قدس سره لایخلو عن التأسّف ؛ والبحث بعد کونه عرفیّاً لا نرد مناهله العقلیّة.
السادسة :
ربّما یشکل اندراج الأجزاء الخارجیّة التعبّدیة ـ وهی فی الاصطلاح الصحیح مثل الطهارات الثلاث، قبال المقدّمات الوجودیّة، والأجزاء الداخلیّة، والقیود والشروط ـ لأجل أنّ الالتزام بالملازمة، یستلزم سقوطها عن المقدّمیة.
وبعبارة اُخریٰ : الأجزاء الخارجیّة التعبّدیة، لایمکن أن تکون واردة مورد البحث، بخلاف الخارجیّة التوصلیّة؛ وذلک لأنّ مقدّمیتها موقوفة علیٰ عدم ثبوت
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 24 الإرادة الثانیة، وإلاّ یلزم عدم کونها قابلة لکونها مقدّمة؛ وذلک لما سیأتی تفصیله فی تقسیم الواجب إلی النفسیّ والغیریّ؛ وأنّ الواجب الغیریّ لیس تعبّدیاً وقربیّاً، فإذن لایمکن الإتیان بالطهارات الثلاث علیٰ وجه التقرّب والعبادة؛ لأنّ الباعث نحوها الأمر الغیریّ، وما یمکن أن ینبعث عنه العبد هو الأمر الغیریّ، ومِن وجوده یلزم عدمه؛ لأنّه یدعو إلی المقدّمة وما هو الموقوف علیه، ولا یعقل امتثال مثله؛ ضرورة أنّ الأمر المتعلّق بالصلاة، لایعقل أن یکون توصّلیّاً، فالأمر المتعلّق بالوضوء کذلک، وهکذا.
أقول : قد اُجیب عن هذه الشبهة فی تلک المسألة بأجوبة عدیدة، کلّها غیر مصدّقة، ولعلّ أمتن الأجوبة : هو أنّ عبادیّة الشیء لیست بالانبعاث عن الأمر والامتثال فقط، بل عبادیّة الشیء تابعة لما عرفت تفصیله فی التعبّدی والتوصّلی، فیکون علیٰ هذا ماهو المبعوث إلیه بالأمر الغیریّ عبادة، ولا یتقوّم عنوان العبادة إلاّ بکون العمل ممّا یتقرّب به عرفاً أو شرعاً.
ولو کانت العبادة متقوّمة بالأمر، للزم أن یکون نهی المشرکین عن عبادة الأوثان غیر جدّی، مع أنّهم کانوا یعبدون الأصنام، فنهاهم الشرع الأقدس، وهل هذا إلاّ أنّها لیست متقوّمة بالأمر؟! ولا یضرّالانبعاث عن الأمر الغیریّ بالعبادیّة، بعد کون الأمر داعیاً إلیٰ متعلّقه؛ وهی العبادة، وماهو الموضوع لأن یعبد ویتقرّب به لله تعالیٰ.
السابعة :
المشهور فی ألسنة جماعة : أنّ الأجزاء واجبة بالوجوب الضمنیّ، فلایعقل
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 25 اتصافها بالوجوب الغیریّ؛ لأنّهما کالوجوب والحرمة فی التعاند والتخالف. ومعنی «الوجوب الضمنیّ» هو الوجوب الانبساطی، فهی واجبات بمثله.
وأنت خبیر : بأنّ العناوین المرکّبة بسائط عرفیّة، وتکون الأجزاء فی ظرف لحاظها موضوعاً للأمر، مغفولاً عنها؛ وأنّ المولیٰ لایریٰ إلاّ الصّلاة والحجّ، فلا معنیٰ للوجوب الانبساطیّ رأساً؛ وأنّه من الأغلاط الأوّلیة الشائعة بین الفضلاء، ولایتوجّهون إلیٰ ما یقولون: من التجزئة فی الأمر؛ فإنّ التجزئة فی الاُمور الاعتباریّة ممکنة، کما ذکرناه فی العقد الواقع علی المجموع المرکّب من ماله ومال غیره، من غیر الانحلال إلی العقدین . ولکنّه فی موقف أساس الحاجة؛ لتقوّم البناءات العقلائیّة به، لا جزافاً وقهراً، ولا ثمرة لهذه التجزئة فی المقام بعد ارتباطیّة المرکّب حسب الفرض.
وبعبارة اُخریٰ : لایعقل تجزئة الواحد الاعتباریّ إلاّ بلحاظ متعلّقه، وإذا تجزّأ فیصیر کلّ واجباً مستقلاًّ، ولایعقل حینئذٍ اعتبار الأقلّ والأکثر، وهذا خلف.
وممّا یشهد علی التجزّی: ما أفاده القوم فی إرث الخیار ولکنّک تعلم أنّه یرجع إلی استقلال کلّ من الورّاث. فی إعمال حصّته من الخیار، وهذا فیما نحن فیه غیر مطلوب قطعاً.
ولو کان التجزّی المزبور صحیحاً، لکان یصحّ انّه ینبعث عن تلک الأوامر الجزئیّة، مع عدم اطلاعه علیٰ عنوان «الصّلاة» وأمر الکلّ، ولا أظنّ التزامهم به، فالوجوب الضمنیّ من المجازات لا الحقائق، فلا تخلط.
هذا مع أنّ متعلّق الوجوب الضمنیّ، غیر متعلّق الوجوب الغیریّ؛ فإنّ
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 26 الأجزاء الموصوفة بالضمنیّة هی حال فنائها فی الکلّ، حتّیٰ یکون الکلّ وتلک الأجزاء واحدة، فیکون واجباً ضمنیّاً نفسیّاً، وما هو الموصوف بالوجوب الغیریّ، هو ذات الجزء الملحوظ إزاء الکلّ وقباله، علی الوجه الذی عرفت.
مع أنّ الجمع بین الوجوبین، لایلزم مع قطع النظر عمّا سمعت؛ لأنّ ماهو مصبّ الأمر الغیریّ هو عنوان «الموقوف علیه والمحتاج إلیه» لا ذات الجزء فلاتخلط جدّاً.
هذا مع أنّ قضیّة الانحلال إلی الوجوبات الضمنیّة، الانحلال إلی القیود الوجودیّة کالطهارة، والقیود العدمیّة کعدم القِران وهکذا، ولا أظنّ التزامهم به.
ولعمری، إنّ أساس شبهات الأعلام فی المقام، قصور باعهم عن الاطلاع علیٰ کیفیّة اعتبار المرکّبات وأجزائها، مع خلطهم بین الاتحاد والغیریّة فی الخارج ومحیط التشریع، ولذلک تریٰ أنّه نسب إلی العلاّمة الأراکیّ رحمه الله أو غیره، بل والشیخ الأنصاری قدس سره: أنّ دخول الأجزاء فی محطّ النزاع، منوط بکون مصبّ الأوامر الصور الذهنیّة، لا الخارج، وحیث إنّ المأمور به هو الوجود، لا الصورة، ولا الطبیعة، فلایعقل التعدّد بین الکلّ والجزء؛ لاتحادهما فی الوجود.
وأنت خبیر : بأنّ من یقول: بأنّ المأمور به هو الوجودات، لیس مقصوده
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 27 الوجود بالحمل الشائع، فإذن لابدّ وأن یلزم التفکیک فی محیط التشریع. مع أنّک قد عرفت: أنّ متعلّق الأمر هی الطبیعة، ومسألة الوجود والإیجاد من اللّوازم العقلیّة التی تدخل فی محطّ البحث هنا أیضاً، وإن کان الوجود والطبیعة فی الخارج متّحدین هویّة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 28