خروج شرائط التکلیف عن محطّ البحث
ثمّ إنّک بعد الإحاطة بما أسمعناک ، تجد أنّ البحث عن شرائط التکلیف المتقدّمة زماناً علیه، أو المتأخّرة عنه، أو المقارنة معه، خارج عن محطّ البحث فیما نحن فیه؛ ضرورة أنّ الکلام هنا حول الملازمة بین الإرادة الموجودة المتعلّقة بذی المقدّمة، وإرادة اُخریٰ متعلّقة بالمقدّمة، وأمّا شرط نفس تعلّق الإرادة الاُولیٰ فهو بحث آخر، ومجرّد اشتراک الکلّ فی المحذور العقلیّ لایصحّح إسراء الکلام إلیٰ غیر المقام.
وغیر خفیّ : أنّ المراد من شرائط التکلیف المتقدّمة زماناً، أو المتأخّرة زماناً؛ هو ما إذا تخلّل الزمان بین الشرط والمشروط، فیکون فی الزمان الأوّل الشرط موجوداً، ثمّ انعدم وبلغ الزمان الثانی الذی هو زمان التکلیف، أو انقضیٰ زمان التکلیف، ثمّ بلغ زمان الشرط، مثل عقد الفضولیّ بالنسبة إلی الإجازة، وصوم المستحاضة بالنسبة إلی الأغسال اللیلیّة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 33 وهذا مثل ما إذا فرضنا أنّ قدرة المکلّف فی الخارج، شرط التکلیف، فإن کانت هی حاصلة حین التکلیف فهو، وإلاّ فإن کانت حینه معدومةً، ثمّ وجدت حین الامتثال، فإنّه داخل فی محطّ البحث. أو قلنا: بأنّه فی مثل «إن جاءک زید فأکرمه غداً» یکون الوجوب بعد تحقّق المجیء ـ وهو الشرط ـ حاصلاً بعد مضیّ الیوم، لا بعد تحقّق المجیء بلا فصل، فإنّه یندرج فی محطّ البحث.
وأمّا إرجاع هذا إلی الشرط المقارن؛ وأنّ ماهو الشرط هو الوجود اللحاظیّ والذهنیّ، ولایکون القدرة ـ بالحمل الشائع ـ شرط تحقّق الإرادة الجدّیة؛ لا فی الخطاب الشخصیّ، ولا فی القانونیّ، فهو خروج عن الجهة المبحوث عنها، وإلاّ فهو من الواضح الذی لا غبار علیه فی التکالیف الشخصیّة فی القضایا الخارجیّة.
نعم، ربّما استشکل العلاّمة النائینی قدس سره فی الخطابات الکلّیة التی تکون بنحو القضایا الحقیقیّة؛ معلّلاً: «بأنّ المجعول والجعل والفعلیّة والإنشاء فی الخطاب الشخصیّ، متّحدا الزمان، ولا یکون تفکیک بین زمان الجعل الإنشائیّ، وزمان فعلیّة التکلیف؛ لحصول شرطه وفی القضایا الحقیقیّة مختلفا الزمان؛ فإنّه یمکن أن یتحقّق الحکم الإنشائیّ، ولایکون هذا فعلیّاً؛ لعدم استجماع شرائطه. وشرائط هذا هی الاُمور الخارجیّة الموجودة فی عمود الزمان، لا الذهنیّة واللحاظیّة؛ لأنّها من قیود الموضوعات، وقیود الموضوعات للتکالیف لابدّ من تحقّقها؛ لأنّ نسبة الموضوع إلی الحکم نسبة العلّة إلیٰ معلولها».
وأنت خبیر : بأنّ هذا التفصیل أیضاً أجنبیّ عن البحث؛ لأنّ معنیٰ هذا هو أنّ فعلیّة التکلیف، لاتحصل إلاّ مع اقترانها بالقیود المعتبرة فیها زماناً، وهذا لاینافی ما
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 34 سلکه «الکفایة» وغیره؛ لأنّهم لیسوا بصدد بیان جمیع مراحل التکلیف، بل هم بصدد دفع الشبهة المعروفة: وهی أنّه مع عجز المکلّف حین التکلیف، کیف یمکن ترشّح الإرادة الجدّیة من المولی الملتفت؟!
فاُجیب : بأنّ ماهو شرط الفعل الاختیاریّ لیس القدرة بالحمل الشائع، بل المیزان علم المکلّف بالقدرة، فإنّه کافٍ.
مع أنّ القدرة علی الامتثال فی ظرفه، کافیة لحصول الجدّ من الأوّل؛ لأنّ الغرض یحصل بها سواء کانت حاصلة حین التکلیف، أم لم تکن. ونظیره فی الوضعیّات بیع السلف، فإنّ العجز حین النقل، لایورث قصوراً فی الإرادة الجدّیة، کما هو الظاهر.
فتحصّل : أنّ الأعلام مع ورودهم فیما هو الخارج عن البحث فی هذه المسألة، لم یکونوا واردین فیما هو مورد البحث فی الشرط المتقدّم والمتأخّر زماناً، فإنّ البحث حول ما یکون متقدّماً زماناً، ویکون هو شرطاً، لا أثره الباقی کالطهارة والوضوء.
فبالجملة : لو سلّمنا أنّ شرائط التکلیف، قابلة لإدراجها فی هذه المسألة؛ لأنّها بعد فرض تحقّق الوجوب فعلاً قبل تحقّق شرطه، یأتی الکلام : وهو أنّ بین هذه الإرادة وإرادة الشرط، أیضاً ملازمة، أم لا؛ لأنّ من الممکن ترشّح الإرادة الاُخریٰ بعد فعلیّة الإرادة الاُولیٰ وتعلّقها بالشرط المتأخّر.
اللهمّ إلاّ أن یقال : بأنّ هذا خلف؛ لرجوعه إلی الوجوب غیر المشروط، لأنّه إذا وجب تحصیل الشرط یلزم ذلک، فیکون لأجله شرط التکلیف خارجاً عن بحث الملازمة.
فتحصّل : أنّه لاینبغی الخلط بین الجهة المبحوث عنها فی بحث المقدّمة،
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 35 وبین شرائط التکلیف. ولاینبغی أیضاً الخلط بین ماهو الشبهة فی شرائط المأمور به، وبین ماهو شرط التکلیف فی مثل القدرة المعتبرة فی تحقّق الإرادة؛ فإنّ ماهو مصحّح حصول الإرادة، لیس إلاّ الصور العلمیّة الحاصلة فی نفس المولیٰ، وهذا لیس ـ کما عرفت ـ حلاًّ للشبهة.
فإذا عرفت ذلک فالحقّ: أنّه مع إمکان الالتزام بالشرط المتأخّر فی شرائط المأمور به، یمکن ذلک فی شرائط التکلیف أیضاً قطعاً؛ لأنّ ما یأتی من الأجوبة لتصحیح الشرط المتأخّر واقعاً، یأتی جواباً عنها فی هذه المسألة فانتظر، وما هو الصحیح من بین تلک الأجوبة هو الصحیح هنا ؛ لوحدة المناط والملاک شبهةً، فافهم وتدبّر جیّداً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 36