المسلک الأوّل : ما عن «الفصول»
فی الجواب عن الشبهة، وهذه الشبهة عویصة جدّاً، وقد اختلفت أنظارهم فی حلّها، واتخذ کلّ مهرباً، فصاحب «الفصول» قدس سره انتقل منه إلی الوجوب المعلّق، وإلی التقسیم الآخر فی أنحاء الواجبات، فقال:
«إنّ من أقسامها الواجب المعلّق، وهو ما کان وجوبه فعلیّاً، والواجب استقبالیّاً، ووجوب الصلاة ـ حسب کثیر من النصوص ـ من هذا القبیل. وربّما یمکن استکشاف ذلک من الشهرة المزبورة علیٰ وجوب تحصیل المقدّمة الوجودیّة قبل حصول شرطه».
ویتوجّه إلیه : أنّه لو سلّمنا الوجوب المعلّق ثبوتاً، فلا نسلّم انحصار طریق إیجاب المقدّمة الوجودیّة بالالتزام بصحّته؛ وذلک لأنّ قضیّة ما سلف منّا: أنّ الوجوب فی الواجب المشروط بحسب الثبوت فعلیّ، والتزمنا إثباتاً بالوجوب
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 75 المشروط؛ لاختلاف آثاره مع الوجوب الفعلیّ، فلو کان ذلک الأثر غیر مترتّب علیه ـ کما فی المقام ـ فلا محیص إلاّ من إنکار تبعیّة مقام الثبوت لمقام الإثبات، وإثبات أنّ الملاک والمناط هو ملاحظة الطلب النفسانیّ، وإذا کان فی المثال المزبور قید الوجوب ـ وهو الوقت ـ مفروضَ الوجود ومعلومَ التحقّق، فلابدّ من المحافظة علی المقدّمات الوجودیّة قبل مجیء الوقت؛ لأنّ الوجوب فعلیّ، والإرادة النفسانیّة موجودة.
وإن شئت قلت : الوجوب المعلّق الذی اعتبره «الفصول» ممّا لامحیص عنه بحسب مقام التصوّر، ویکون ذلک منشأً لإیجاب تلک المقدّمات، ولکنّه لو کان الدلیل إثباتاً، متکفّلاً فی ظاهره لاعتبار الوجوب المشروط، فیؤخذ به، وهذا فیما نحن فیه ـ بعد قیام الشهرة ـ غیر ممکن؛ أی مقتضی الشهرة هو أنّ القضیّة الشرطیّة الظاهرة فی الوجوب المشروط، راجعة إلی القضیّة الحینیّة التی یکون الوجوب فی مرحلة الإثبات أیضاً فعلیّاً. وسیظهر مزید بیان حول المسالک الاُخر، وینفعک إن شاء الله تعالیٰ.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 76